إذن ليست العبرة عند ابن تيمية وأتباعه بما يأتي أو يثبت عن السلف إنما العبرة بالروايات التي تأتي عن السلف بشرط أن توافق مذهبَ ابن تيمية وأتباعه فحينها يكون السلف حجة، وإلا فيَضرب بها عرضَ الحائط حتى ولو ثبتت عن العشرة المبشرين بالجنة وأهل بدر وبيعة الرضوان ….!!!!
(5)صفة الكلام ….مسألة: هل كلام الله أزلي؟!!!! ([1])
النص الرابع عن الإمام أحمد بن حنبل (ت241هـ) رحمه الله:
جاء في الإبانة الكبرى لابن بطة (6/ 32): وأخبرني أبو القاسم عمر بن أحمد الجابري ، قال : حدثنا أبو بكر أحمد بن هارون قال : وحدثني عبيد الله بن حنبل ، قال : حدثني أبو حنبل بن إسحاق قال : سمعت أبا عبد الله ، يقول : « قال الله عز وجل في كتابه ( وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ) ، فجبريل سمعه من الله ، وسمعه النبي من جبريل….. إلى أن يقول: ثم قال أبو عبد الله : « لم يزل الله عالما متكلما، يُعبد بصفاته غير محدودة ولا معلومة ، إلا بما وصف به نفسه سميعا ، عليما ، غفورا ، رحيما ، عالم الغيب والشهادة ، علام الغيوب ، فهذه صفات الله وصف بها نفسه ، لا تدفع ولا ترد ، وهو على العرش بلا حد ، كما استوى على العرش كيف شاء ، المشيئة إليه.اهـ[2]
فتأمل قول الإمام أحمد ” لم يزل الله عالما متكلما “؛ ففيه تصريح منه بأن كلام الله أزلي مطلقا، وليس نوعُ الكلام أزلي وأفراده حادثة كما هو مذهب ابن تيمية….!!!
إذن فمذهب الإمام أحمد أن كلام الله أزلي وهذا عين مذهب الأشاعرة الذي ينكره ابن تيمية أشد الإنكار كما سبق.
وأما ما ينقله ابن تيمية ـ وأتباعه طبعا ـ مرارا وتكرارا[3] عن أحمد بن حنبل أنه قال إن الله لم يزل متكلما إذا شاء[4]، بل نسب ذلك إلى أهل السنة وأهل الحديث وإلى السلف عامة، لا بل ذهب ابن تيمية ـ وأتباعه أيضا ـ أبعد من ذلك فنَسب إلى السلف القول بحوادث لا أول لها وما يتعلق بذلك كالقول بالقدم النوعي للعالم بناء على هذه الرواية[5].
فأقول : لا يصح هذا النقل عن أحمد ولا عن غيره من السلف، لأن هذا النقل لم يُؤْثر إلا عن أحمد ومن خلال كتاب الرد على الجهمية المنسوب لأحمد، ولكن في صحة نسبىة هذا الكتاب لأحمد شك كبير، ونظر طويل للعلماء، بل صرح الذهبيُّ بأنه موضوع، فضلا عن أن سند هذا الكتاب إلى الإمام أحمد رجل مجهول وهو المثنى بن خضر الذي لم يُعدّله أحد، ورواية الخلال عنه لا تزيل عنه الجهالة فضلا عن أنها ليست توثيقا له، وعلاوة على ذلك ففي سند الكتاب انقطاع سبق بيانه[6].
وليت شعري كيف تثبت هذه العبارة عن أحمد وهي ” إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ” مع أنه لم ينقلها أحدٌ من تلامذة الإمام أحمد عنه مع كثرتهم ومع كثرة ما نقل عنه في مسألة كلام الله بحكم كونه امتُحن فيها في فتنة خلق القرآن في عهد الخليفة المأمون وما بعده، ونُقلت فيها عن الإمام أحمد مناظرات كثيرة ولم يثبت في أيٍّ منها ـ حسب علمي واطلاعي، هذا بعد البحث الحثيث ـ هذه العبارة إلا في كتاب الرد على الجهمية الذي عرفتَ أنه أصلا لا تثبت نسبته عن أحمد أو على الأقل في هذه صحة النسبة خلاف بين العلماء….
ومع ذلك فإن ابن تيمية يسلّم بالكتاب وبما ورد فيه ولا سيما العبارة السابقة ” إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ” ثم يجعلها من أصول مذهب الإمام أحمد خاصة والسلف عامة، لذا ترى ابنَ تيمية يكرر هذه العبارة في كتبه كثيرا لكونها وافقت مذهبه …ولو أنها على خلاف مذهبه لردها حتى ولو كانت مروية بالسند الصحيح عن أحمد بحجة أنها رواية شاذة، تماما كما فعل ابن تيمية في….انتظره.
==================
([1]) انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/801301186650572/?hc_location=ufi
[2] وأيضا نقلها ابن تيمية فقال في مجموع الفتاوى (6/ 157): قال القاضي: قال: ” أحمد ” في رواية حنبل: لم يزل الله متكلما عالما غفورا. وقال في رواية عبد الله: لم يزل الله متكلما إذا شاء. ووجدتها في ” المحنة ” رواية حنبل لما سأله عبد الرحمن بن إسحاق قاضي ” المعتصم ” فلامه فقال: ما تقول في القرآن؟ قال فقلت: ما تقول في العلم؟ فسكت. فقلت لعبد الرحمن: القرآن من علم الله ومن زعم أن علم الله مخلوق فقد كفر بالله قال: فسألت عبد الرحمن فلم يرد علي شيئا وقال لي عبد الرحمن: كان الله ولا قرآن فقلت: كان الله ولا علم؟ فأمسك. ولو زعم أن الله كان ولا علم لكفر بالله. ثم قال أبو عبد الله: لم يزل الله عالما متكلما يعبد الله بصفاته غير محدودة ولا معلومة إلا بما وصف به نفسه ونرد القرآن إلى عالمه إلى الله فهو أعلم به؛ منه بدأ وإليه يعود. وقال في موضع آخر: سمعت أبا عبد الله يقول: لم يزل الله متكلما والقرآن كلام الله غير مخلوق. وعلى كل جهة. ولا يوصف الله بشيء أكثر مما وصف به نفسه.اهـ
قال وليد ابن الصلاح: قول ابن تيمية “وقال في رواية عبد الله: لم يزل الله متكلما إذا شاء.” يقصد رواية عبد الله لهذه العبارة عن أبيه من خلال روايته لكتاب الرد عن الجهمية عنه، وسيأتي أن هذا الكتاب مشكوك في نسبته إلى أحمد.
[3] حيث تكررت هذه العبارة حوالي 130 مرة في بعض كتبه كالفتاوى ومنهاج السنة والدرء ونحوها، تارة ينسبها إلى أحمد، وتارة إلى السلف/ وتارة إلى أهل الحديث، وتارة إلى أهل السنة ….!!!
[4] وهذه بعض نقول ابن تيمية وأتباعه في هذا الصدد.
مجموع الفتاوى (6/ 153): وقال الإمام أحمد في الجزء الذي فيه ” الرد على الجهمية والزنادقة “: وكذلك الله تكلم كيف شاء من غير أن نقول جوف ولا فم ولا شفتان. وقال بعد ذلك: بل نقول إن الله لم يزل متكلما إذا شاء ولا نقول إنه كان ولا يتكلم حتى خلق. وكلامه فيه طول.
مجموع الفتاوى (6/ 218): وأئمة السنة – كعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل والبخاري وعثمان بن سعيد الدارمي ومن لا يحصى من الأئمة وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني عن سعيد بن منصور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن إبراهيم وسائر أهل السنة والحديث – متفقون على أنه متكلم بمشيئته وأنه لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء.
مجموع الفتاوى (8/ 23): كما قال السلف: لم يزل الله متكلما إذا شاء كما قال ذلك ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما؛
مجموع الفتاوى (6/ 232): ” فالسلف ” يقولون: لم يزل متكلما إذا شاء.اهـ
مجموع الفتاوى (7/ 661): والمقصود هنا أن الإمام أحمد ومن قبله من أئمة السنة ومن اتبعه كلهم بريئون من الأقوال المبتدعة المخالفة للشرع والعقل ولم يقل أحد منهم أن القرآن قديم لا معنى قائم بالذات ولا إنه تكلم به في القديم بحرف وصوت ولا تكلم به في القديم بحرف قديم؛ لم يقل أحد منهم لا هذا ولا هذا وإن الذي اتفقوا عليه أن كلام الله منزل غير مخلوق والله تعالى لم يزل متكلما إذا شاء وكلامه لا نهاية له.اهـ
مجموع الفتاوى (6/ 250): و ” هذا الأصل ” عليه قول السلف وأهل السنة: أنه لم يزل متكلما إذا شاء ولم يزل قادرا ولم يزل موصوفا بصفات الكمال ولا يزال كذلك فلا يكون متغيرا وهذا معنى قول من يقول: يا من يغير ولا يتغير فإنه يحيل صفات المخلوقات.اهـ
مجموع الفتاوى (5/ 535): فإن مذهب السلف أن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكلماته لا نهاية لها وكل كلام مسبوق بكلام قبله لا إلى نهاية محدودة وهو سبحانه يتكلم بقدرته ومشيئته.اهـ
الجواب الصحيح (4/ 341): ولم يقل أحد منهم إن ذلك النداء الذي سمعه موسى قديم أزلي ولكن قالوا إن الله لم يزل متكلما إذا شاء وكيف شاء لأن الكلام صفة كمال لا صفة نقص.اهـ
بيان تلبيس الجهمية (1/ 622): وقد صرح طوائف منهم بالحركة كما صرح بذلك طوائف من أئمة الحديث والسنة وصرحوا بأنه لم يزل متكلما إذا شاء وأن الحركة من لوازم الحياة وقد صرح بالحركة من صرح من الفلاسفة
درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (1/ 462): كما يقوله أهل الحديث وأهل الإثبات الذين يقولون : لم يزل متكلما إذا شاء فعالا لما يشاء.اهـ
الصفدية (2/ 46): كما قال أئمة السلف لم يزل متكلما إذا شاء.اهـ
وقال محمد بن عبد الرحمن الخميس في أصول الدين عند الإمام أبي حنيفة (ص: 328): اتفق السلف على إثبات صفة الكلام لله على ما يليق بجلاله وعظمته، وأنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء.اهـ
وقال الحكمي في معارج القبول بشرح سلم الوصول (1/ 380): وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَمْ تَتَحَدَّدْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ بَلْ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.اهـ
وفي توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم (1/ 262): وَقد ذهب جُمْهُور أهل الحَدِيث وأئمتهم الى أَن الله تَعَالَى لم يزل متكلما إِذا شَاءَ.اهـ
وفي تعليق الألباني على متن الطحاوية (ص: 41): وتاسعها أنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء وهو يتكلم به بصوت يسمع وأن نوع الكلام قديم وإن لم يكن الصوت المعين قديما وهذا المأثور عن أئمة الحديث والسنة.
وقال د. المحمود في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (1/ 404): وأن من صفات كمال تعالى أنه لم يزل متكلما اذا شاء، وهذا الذى قال به الامام أحمد والبخارى وغيرهما وردوا على الكلابية الذين ينكرون هذا.
وفي موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1258): قول أهل السنة والجماعة: وهو أن الله “لم يزل متكلما إذا شاء ومتى شاء، وكيف شاء، بكلام يقوم به، وهو يتكلم بصوت يسمع، وإن نوع الكلام أزلي قديم، وإن لم يجعل نفس الصوت المعين قديما”
وفي موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1283): وقد حاول بعض الحنابلة – كالقاضي أبي يعلي وابن الزاغوني – أن يفسروا قول الإمام أحمد: “لم يزل الله متكلما إذا شاء” بما يوافق مذهبهم الكلابي، وقد ناقش شيخ الإسلام هذه المسألة وبين خطأ هؤلاء في تفسيرهم لكلام الإمام أحمد، مبينا أن تفسير هؤلاء – وغيرهم – للسكوت بأنه عدم خلق إدراك لغيره – غير معقول
وفي موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 405): ثم إن هذا مخالف لما أطبق عليه السلف من أن الله لم يزل متكلماً إذا شاء وأنه يتكلم بصوت، كما حكاه عنهم المرتضى الزبيدي.اهـ
قال وليد: وكل هذه النقول عن أحمد والسلف وأهل السنة وأهل الحديث مِن أن مذهبهم أن الله لم يزل متكلما إذا شاء …. معتمدة على رواية يتيمة من كتاب الرد على الجهمية والمنسوب لأحمد والذي في نسبته إليه شك كبير كما سيأتي….. وهذا شيء عجيب أن يقبل ابنُ تيمية وأتباعه هذه الرواية عن أحمد التي وردت في كتاب مجهول ثم تُعمم العبارة وتنسب لكل السلف …. وفي المقابل فقد وردتْ عن السلف روايات كثيرة جدا صريحة وصحيحة في تأويل السلف لآيات وأحاديث الصفات وتفويضها ومع ذلك رفَضها ابن تيمية وأتباعه ….!!!
إذن ليست العبرة عند ابن تيمية وأتباعه بما يأتي أو يثبت عن السلف إنما العبرة بالروايات التي تأتي عن السلف بشرط أن توافق مذهبَ ابن تيمية وأتباعه فحينها يكون السلف حجة وإلا فيضرب بها عرض الحائط حتى ولو ثبتت عن العشرة المبشرين بالجنة وأهل بدر وبيعة الرضوان ……!!!!!!
انظر الروايات الثابتة عن السلف في التفويض هذا الرابط وما بعده: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/456116297835731/
وانظر الروايات في ثبوت التأويل عنهم: https://www.facebook.com/ash3ariya/posts/187487478052353?hc_location=ufi
[5] قال ابن تيمية في الصفدية (1/ 13): فهذا التسلسل في الآثار وفيه الأقوال الثلاثة للمسلمين وليس الخلاف في ذلك بين أهل الملل وغيرهم كما يظنه كثير من الناس بل نفس أهل الملل بل أئمة أهل الملل أهل السنة والحديث يجوزون هذا النزاع في كلمات الله وأفعاله فيقولون إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء وكلمات الله دائمة قديمة النوع عندهم لم تزل ولا تزال أزلا وأبدا.اهـ
وقال في منهاج السنة النبوية (1/ 166): بخلاف أئمة السلف الذين قالوا: إنه يتكلم بمشيئته، وقدرته، وإنه لم يزل متكلما إذا شاء، وكيف شاء، (1 فإن هؤلاء يقولون: الكلام قديم النوع، وإن كلمات الله لا نهاية لها، بل لم يزل متكلما بمشيئته، وقدرته، ولم يزل يتكلم كيف شاء إذا شاء 1) (1) ، ونحو ذلك من العبارات.اهـ
وفي منهاج السنة النبوية (1/ 215): بل يلزم قدم نوعها وحدوث أعيانها، كما يقول أئمة أهل السنة منكم: إن الرب لم يزل متكلما إذا شاء، وكيف شاء.اهـ
وفي مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 1395): وَقَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ: إِنَّهُ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ مُتَكَلِّمًا إِذَا شَاءَ وَيَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَلَمْ تَتَجَدَّدْ لَهُ هَذِهِ الصِّفَةُ، بَلْ كَوْنُهُ مُتَكَلِّمًا بِمَشِيئَتِهِ هُوَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ الْمُقَدَّسَةِ.اهـ
وفي توضيح مقاصد العقيدة الواسطية للبراك (ص: 117): وأهل السنة يؤمنون بما دلت عليه هذه النصوص بأنه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء بما شاء، وكيف شاء، لم يحدث له الكلام بعد أن كان غير متكلم.اهـ
ولقد كررت الباحثة كاملة الكواري هذه الرواية ـ وهي أن الله لم يزل متكلما إذا شاء ـ كثيرا في كتابها “قدم العالم وتسلسل الحوادث” التي انتصرت فيه لابن تيمية وقوله في قدم العالم النوعي…. ولبسط هذا موضع آخر إن شاء الله.
[6] انظر مقالا بعنوان: “إثبات كذب نسبة كتاب: ((الرد على الجهمية)) المنسوب للإمام أحمد بن حنبل ” https://www.facebook.com/…/permalink/768997433214281/