“ولو قيل إن هذا المعنى الفاسد لا يخطر ببال أحد لصح هذا الادعاء …. وبالتالي يبطل قولكم بأن الظرفية المستفادة من آية الأنعام لا تخطر ببال أحد..”
ابن تيمية وأتباعه بين آيات الاستواء والعلو …وبين آيات المعية ونحوها… منهجٌ متسق أم مضطرب….؟!!!!!!
[5]الباب الثاني: مناقشة من ذهب إلى أن آيات المعية وأحاديثها نصوصٌ متشابهة تُردُّ إلى آيات الاستواء والعلو المحكمة عنده.[1]
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/730682067045818
فإن قلتم: لا نسلّم أن العوامَّ تفهم من قوله تعالى: { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ } [الأنعام: 3] أن الله حالّ بذاته في السموات وفي الأرض …. ولا يخطر ذلك ببال أحد أصلا.
فنجيب بجوابين:
الأول: أن نقول: وأيضا نحن لا نسلّم ما تدّعون من أن “العوام يفهمون من الاستواء أنه بمعنى الاستواء الحسي من الجلوس أو الاستقرار أو العلو المكاني” ….. ولا يخطر ذلك ببال أحد أصلا… وكذا نقول في سائر الآيات والأحاديث المتشابهة التي يزعم ابن تيمية أن ظاهرها الحسي هو المتبادر إلى أذهان العوام …. فنحن لا نسلم بأن ذلك متبادر إلى أذهان العوام تماما كما لم تسلموا بأن العوام يتبادر إلى أذهانهم من آية الأنعام السابقة أن الله حالّ في السموات والأرض….وما هو جوابكم هو جوابنا.
الثاني: أن هذا غير مسلّم؛ بل الظاهر المتبادر لأذهان العوام وغيرهم من آية الأنعام أن الله حال بذاته في السماوات وفي الأرض، بدليل أن هذا هو المتبادر إلى الذهن من كل الآيات التي تتضمن هذا التعبير الموجود في آية الأنعام وهو حرف الجر “في” واسم المجرور “السماوات” والمعطوف عليه وهو “الأرض” بغض النظر عما تَعلق به الجار والمجرور…. وذلك مثل الآيات التالية :
1.{لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [البقرة: 255] أفادت أن كل شيء مظروف أو حالّ في السماوات والأرض هو ملك لله تعالى.
2.{وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [آل عمران: 83] فأفادت أن كل شيء مظروف أو كل حالّ في السماوات وفي الأرض أسلم لله.
3.{يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [التغابن: 1]
أفادت أن كل شيء مظروف أو حالّ في السماوات والأرض يسبح له تعالى.
4.{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} [الحجرات: 16] أفادت أن كل شيء مظروف أو حالّ في السماوات والأرض معلومٌ لله عز وجل.
5. {لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ} [سبأ: 3] أفادت أنه لا يغيب عن علمه سبحانه وتعالى كل شيء مظروف أو حالّ في السماوات والأرض .
إلى غير هذه الآيات الكثيرة المماثلة التي تقارب السبعين آية كما سبق بيان ذلك ….ففي كل هذه الآيات نجد أن الجار والمجرور وما عُطف عليه وهو تعبير “في السماوات وفي الأرض” وما تعلق به: محمولٌ على معناه الحقيقي، وهو: المظروف في السموات وفي الأرض ….. فكل مظروف أو كل حال في السماوات والأرض هو ملك لله، وهو سبحانه عالم بكل شيء فيهما، ولا يغيب عن علمه شيء فيهما، وكل شيء فيهما أسلم له تعالى، ويسبح له عز وجل كلُ شيء فيهما ….
ومعنى الظرفية والحلول الذي دل عليه حرف “في” في كل هذه الآيات السابقة وأمثالها هو المتبادر للأذهان لأنه هو المعنى الظاهر لهذه الآيات، وهو المعنى المراد منها، وهو حقيقة اللفظ “في”…. ولو صرفناه عن حقيقته لما دلّ على كل هذه المعاني المرادة …. لأننا لو حملنا حرف “في” على معنى حرف “على” كما يفعل الخصم في آية الملك لتغير معاني هذه الآيات كلها وانقلب رأسا على عقب ولذهب العموم المراد منها أصلا ولصار معناها أن الله له ما على السماوات، وليس ما في السموات؛ فالملائكة التي في السموات ليست ملكا لله … ولصار المعنى أيضا أن الله يسبح له من على السموات وليس من في السموات، وأن الله يعلم ما على السموات ولا يعلم ما في السموات … وهكذا يقال في سائر الآيات السبعين …. وهذا معلوم الفساد والبطلان …ولو قيل إن هذا المعنى الفاسد لا يخطر ببال أحد لصح هذا الادعاء …. وبالتالي يبطل قولكم بأن الظرفية المستفادة من آية الأنعام لا تخطر ببال أحد …. بل الظرفية هي المتبادرة إلى الأذهان … وكون هذه الظرفية صرفها الدليل العقلي القاطع على أن الله غير متحيز فهذا شيء آخر؛ فالمتبادر من اللفظ وظاهره: شيء، وكون هذا الظاهر باطل عقلا شيء آخر… ولا ينبغي الخلط بين كلا الأمرين كما تفعلون.
فإذا كانت الظرفية هي المتبادرة إلى الأذهان وهي المرادة من الآيات السابقة وأمثالها التي تتضمن حرفَ الجر “في” واسم المجرور “السماوات” والمعطوف عليه وهو “الأرض” بغض النظر عما تعلق به الجار والمجرور… وهي آيات كثيرة في القرآن تبلغ السبعين آية تقريبا …. وآية الأنعام { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3] واحدة منها …. فكيف زعمتم أن آية الأنعام لا تدل بظاهرها على الظرفية ….وقد دلّت حوالي سبعين آية مماثلة على أن هذا هو المعنى ـ وهو الظرفية ـ هو المراد ….؟!!!!!
إن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ اكتفى بأقل من خمس آيات في القرآن وبعض الأحاديث جاء فيها لفظ استوى منسوبا إلى المخلوقات فاستنتج منه ابن تيمية أن الاستواء في القرآن والسنة هو بمعنى العلو والاستقرار الحسي…. وفي ذلك يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (17/ 374): و من قال الإستواء له معان متعددة فقد أجمل كلامه فإنهم يقولون إستوى فقط و لا يصلونه بحرف و هذا له معنى و يقولون إستوى على كذا و له معنى و إستوى الى كذا و له معنى و إستوى مع كذا و له معنى فتتنوع معانيه بحسب صلاته و أما إستوى على كذا فليس في القرآن و لغة العرب المعروفة إلا بمعنى و احد قال تعالى فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه و قال و استوت على الجودي و قال لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه و قال فإذا استويت أنت و من معك على الفلك و قد أتي النبى صلى الله عليه و سلم بدابة ليركبها فلما و ضع رجله فى الغرز قال بسم الله فلما إستوى على ظهرها قال الحمد لله و قال إبن عمر أهل رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحج لما إستوى على بعيره و هذا المعنى يتضمن شيئين علوه على ما إستوى عليه و إعتداله أيضا فلا يسمون المائل على الشيء مستويا عليه…اهـ
ثم راح ابن تيمية ينكر على من يحمل الاستواء على غير هذا المعنى بحجة أنه خالف معنى الاستواء الذي ورد في القرآن والسنة، وفي ذلك يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى في موضع آخر وهو يعدد وجوه بطلان تأويل استوى بمعنى استولى عنده (5/ 147): العاشر : أنه لو حمل على هذا المعنى لأدى إلى محذور يجب تنزيه بعض الأئمة عنه ; فضلا عن الصحابة ;فضلا عن الله ورسوله ; فلو كان الكلام في الكتاب والسنة كلاما نفهم منه معنى ويريدون به آخر لكان في ذلك تدليس وتلبيس ومعاذ الله أن يكون ذلك فيجب أن يكون استعمال هذا الشاعر[2] هذا اللفظ في هذا المعنى ليس حقيقة بالاتفاق ; بل حقيقة في غيره ولو كان حقيقة فيه للزم الاشتراك المجازي فيه وإذا كان مجازا عن بعض العرب أو مجازا اخترعه من بعده أفتترك اللغة التي يخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته …. الحادي عشر : أن هذا اللفظ – الذي تكرر في الكتاب والسنة والدواعي متوفرة على فهم معناه من الخاصة والعامة عادة ودينا….اهـ
قال وليد: هذه اللوازم والتشنيعات كلها التي ذكرها ابن تيمية ردا على من تأول الاستواء بالاستيلاء: لازمة لابن تيمية هنا ومن باب أولى… لأنه إذا سلمنا جدلا أن كل هذه اللوازم والتشنيعات تلزم من خالف المعنى الذي جاء للاستواء في القرآن في بضع آيات فما بالك بمن يُعرض عن المعنى الحقيقي والمتبادر والظاهر والمعروف وهو معنى الظرفية لقوله تعالى: “في السماوات وفي الأرض” وما شابهه والذي تكرر في القرآن لوحده في سبعين آية تقريبا ، فضلا عن تكرره في السُنّة … ثم يدعي معنى سواه في آية الأنعام…؟!!!!!!
وبذلك أكون انتهيت من الوجه الأول لأنتقل إلى الوجه الثاني…. وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/762543227193035/
======================
[1] انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/729150197199005/
[2] أي الأخطل في قوله: استوى بشر على العراق….