نصوص المعية

[4]الباب الثاني: مناقشة من ذهب إلى أن آيات المعية وأحاديثها نصوصٌ متشابهة تُردُّ إلى آيات الاستواء والعلو المحكمة عنده.[1]

ابن تيمية وأتباعه بين آيات الاستواء والعلو …وبين آيات المعية ونحوها… منهجٌ متسق أم مضطرب….؟!!!!!!
[4]الباب الثاني: مناقشة من ذهب إلى أن آيات المعية وأحاديثها نصوصٌ متشابهة تُردُّ إلى آيات الاستواء والعلو المحكمة عنده.[1]
فإن قلتم: إن التشابه في قوله تعالى: {وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ} [الأنعام: 3] هو في متعلَّق الجار والمجرور وهو قوله تعالى:”في السماوات” وما عُطف عليه وهو “وفي الأرض”؛ إذ ثمة احتمالات كثيرة في ذلك، نذكر بعضها:
الاحتمال الأول: أن يكون الجار والمجرور متعلِّقين بلفظ الجلالة “الله”؛ فيفيد المحظور، وهو أنه الله حالٌّ في السموات والأرض.
الاحتمال الثاني: أن يكون تعلُّقُ الجارِ والمجرور بمعنى لفظ الجلالة وهو المعبود، لا باسم الجلالة نفسه؛ فيكون المعنى وهو المعبود في السماوات وفي الأرض؛ كما في قوله تعالى: { وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ } [الزخرف: 84] وهذا لا محظور فيه.
الاحتمال الثالث: أن يكون متعلِّقين بجملة “يعلم”، فلا يترتب على هذا التعلق محظور أيضا، لأن المعنى حينها يكون: وهو الله الذي يعلم سركم وجهركم في السماوات وفي الأرض.
وثمة احتمالات أخرى كثيرة ذكرها النحاة والمفسرون لتعلق الجار والمجرور[2].
هذا فضلا عن أن ثمة من قرأ “وهو الله في السماوت” فوقف هنا، ثم عاود:”وفي الأرض يعلم سركم وجهركم” وهذا يفيد أن الله في السماء دون الأرض وهو مذهبنا….فلهذه الاحتمالات وغيرها مما سيأتي ذَهَبنا إلى أن آية الأنعام هذه آية متشابهة ويجب ردها إلى آية الاستواء المحكمة.
قال وليد ابن الصلاح: والجواب عن هذا السؤال من وجوه:
الوجه الأول: إن هذه الاحتمالات لا تقدح في ظاهر الآية لاسيما على مذهب ابن تيمية الذي يعوّل على ما يتبادر إلى عامة الناس من آيات الصفات وأحاديثها.
وبيان ذلك أن نقول وبالله التوفيق: إن هذه الاحتمالات الكثيرة السابقة لتعلق الجار والمجرور في آية الأنعام والتي ذكرتم بعضها وأشرتم إلى غيرها …. لا يدفع أن ظاهر الآية يفيد أن الله بذاته حالّ في السموات وفي الأرض …. وهذا المعنى هو الظاهر المتبادر إلى الذهن بغض النظر الآن عن متعلَّق الجار والمجرور وبغض النظر أيضا عن الموانع العقلية التي قد تمنع إرادة هذا المعنى مما سيأتي بيانه … فالكلام هنا منصب على الظاهر المتبادر إلى الذهن لأول وهلة لاسيما عند عامة الناس… دون النظر إلى الأوجه النحوية أو العقلية أو الشرعية التي قد تُضعف من إرادة هذا المعنى الظاهر أو ربما تمنع إرادته أصلا ….
وهذا كله على مذهب ابن تيمية أظهرُ …. لأنه يعوّل في فهْم آيات الصفات المتشابهة على المعنى الظاهر المتبادر إلى الأذهان لاسيما إلى أذهان العوام … فبهم يحتج ابن تيمية دائما ويقول ما حاصله إن آيات الصفات لو كان المراد منها غير ظاهرها المتبادر إلى أذهانهم لبيّن لهم الشارعُ لئلا يقعوا في التجسيم والضلال … وإلا لكان القرآن كتابَ تلبيسٍ على الناس لا كتاب هداية.
فابن تيمية ـ رحمه الله ـ يقول مثلا في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 229): ولازم هذه المقالة أن يكون ترك الناس بلا رسالة خيرًا لهم في أصل دينهم؛ لأن مَرَدَّهم قبل الرسالة وبعدها واحد، وإنما الرسالة زادتهم عمى وضلالاً. يا سبحان الله! كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يومًا من الدهر، ولا أحد من سلف الأمة هذه الآيات والأحاديث لا تعتقدوا ما دلت عليه، لكن اعتقدوا الذي تقتضيه مقاييسكم، أو اعتقدوا كذا وكذا؛ فإنه الحق، وما خالف ظاهره فلا تعتقدوا ظاهره، وانظروا فيها فما وافق قياس عقولكم فاعتقدوه، وما لا فتوقفوا فيه أو انفوه[3] .اهـ
ولطالما استشهد ابن تيمية بقول : “يزيد بن هارون: من زعم أن الله على العرش استوى على خلاف ما يقر في قلوب العامة فهو جهمي.” كما في مجموع الفتاوى (5/ 184)[4].
فلو سلَّمنا بهذا الكلام والمنهجِ وطردناه هنا في آية الأنعام وهي قوله تعالى: { وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ } [الأنعام: 3] لتحصّل لنا أن معناها هو: أن الله حالٌّ بذاته في السموات وفي الأرض؛ لأن هذا المعنى هو الظاهر المتبادر إلى أذهان العوام …..!!!!!!
فما بالكم تركتم الاحتجاجَ هنا بالظاهر وبفهم العوامِّ وما يتبادر إلى أذهانهم ولجأتم إلى اللغة العربية والنحو والوقف والابتداء واختلاف النحاة في تعلّق الجار والمجرور وأنه محتمل لتعلقه بلفظ الجلالة تارة وبمعنى اسم الجلالة تارة أخرى وبفعل “يعلم” تارة …. فهل العوام تدرك هذه المصطلحاتِ وهذه التفصيلات والتدقيقات والاختلافات والاحتمالات والتعقيدات …أم أنهم يفهمون الآية حسب الظاهر المتبادر منها إلى أذهانهم وهو الحلول والظرفية دون النظر في تلك الاحتمالات الأخرى التي لا يعرفها إلا من يمارس كتب النحو والتفسير وغيرها مما ينبو عن فهْم عامةِ الناس وغير المتخصصين؟!!!
فإن قلتم: نحن نقصد بالعوام عوام العرب الفصحاء قديما فهم يعرفون العربية والنحو ووجوهه سليقةً وإن لم يعرفوا هذه المصطلحات الحادثة في النحو كتعلِّق الجار والمجرور ونحو ذلك ….!!!
قلنا: وهم أيضا يعرفون أن العربية فيها المجاز والحقيقة والكناية والاستعارة وغيرها من وجوه البلاغة سليقةً وإنْ لم يعرفوا هذه المصطلحاتِ الحادثة في البلاغة كالمجاز ونحوه….!!!!
فإن قلتم: لا نسلّم أن العوام تفهم من آيات الأنعام أن الله حالّ في السموات وفي الأرض …. ولا يخطر ذلك ببال أحد أصلا.
فنجيب بجوابين:

الأول: …..وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/730682067045818/

[1] انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/816982081702702/
[2] انظر ذلك على:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/704407803006578/
*رُدّ هذا بالقول: ” ونحن نقول لك: يا سبحان الله، كيف لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم يوما من الدّهر ولا أحدٌ مِنْ سَلَفِ الأمّة: هذه الآيات والأحاديث، اعتقدوا ما دلَّت عليه حقيقَة!! فإن قلت: الأصل في الكلام الحقيقة؟ قلنا: فلا تبتر القاعدة؛ فإن تمامها: ما لم يقترن بشيءٍ يوجب له معنى آخر.
والذي آن لنا أن نشير إليه مباشرة: أن ( اللفظ ) بوضعه اللغوي، يدل على معانٍ متعدّدة، منها الحقيقي، الذي وُضع اللفظ ابتداء للدّلالة عليه، ومنها: المجازي، الذي استعمل اللفظ للدّلالة عليه بين أهل اللسان، أو الاصطلاح الشرعي أو العِلميّ، وليس الأخير موضوعنا إلا أن يقول المُدَّعي: اصطلح الشارع لتلك الألفاظ على معان خاصّة!! فنقول له: وأين أثبت ذلك وأرشد إليه؟ فعلى مَن ادَّعى معنى من المعاني في الألفاظ، أن يُثْبِتَ دلالة اللفظ عليه في اللغة ( بأن يكون اللفظ مستعملاً في اللغة للدلالة عليه )، وإرادته شرعاً ( بأن اقترن بما يُرَجّحه على معانيه الأخرى ).
وأما قوله ( لا تعتقدوا ما دلت عليه ) والسكوت هكذا، فهو للإيهام بأن تلك الألفاظ لا تدل إلا على معنى واحد، هو الحقيقة!! وهذا تلبيس، افترض فيه المُدَّعي أن سامعه لن ينظر في معاجم اللغة ويبحث في اللسان، ليكشف كذبه ومكره فيه.
وباقي الكلام ( تشنيع بحت ) كما أشار الشيخ، وقد علمت دوافعه لقوله، وألفت النظر هنا: أنه يسعى بالتكرار، لترسيخ مراده في نفس القارئ!! فتنبّه. ط
كذا في http://www.aslein.net/archive/index.php/t-977.html
[4] وكذا هو في بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (3/ 12)، وأيضا في (3/ 420)؛ و في مجموعة الرسائل والمسائل لابن تيمية – رشيد رضا (1/ 209)، وكذا في شرح العقيدة الأصفهانية (ص: 66)، وجاء في درء تعارض العقل والنقل (2/ 24):قال البخاري: (وحدث يزيد بن هارون عن الجهمية فقال: (من زعم أن الرحمن على العرش استوى على خلاف ما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي) .،. ونقله ابن القيم في اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 214) عن يزيد بن هارون، وفي موضع آخر من اجتماع الجيوش الإسلامية (2/ 216) قال: (قول عبد الله بن مسلمة القعنبي) : شيخ البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى قال بيان بن أحمد: كنا عند القعنبي فسمع رجلا من الجهمية يقول: {الرحمن على العرش استوى} [طه: 5] استولى. فقال القعنبي: من لا يوقن أن الرحمن على العرش استوى كما تقرر في قلوب العامة فهو جهمي؟ قال البخاري: محمد بن إسماعيل رحمه الله تعالى في كتاب خلق أفعال العباد عن يزيد بن هارون مثله سواء، وقد تقدم.اهـ
قال وليد: الذي في خلق أفعال العباد للبخاري (ص: 36): وَحَذَّرَ يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنِ الْجَهْمِيَّةِ وَقَالَ: «مَنْ زَعَمَ أَنَّ الرَّحْمَنَ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى عَلَى خِلَافِ مَا يَقِرُّ فِي قُلُوبِ الْعَامَّةِ فَهُوَ جَهْمِيٌّ، وَمُحَمَّدٌ الشَّيْبَانِيُّ جَهْمِيٌّ».اهـ فحذف ابن تيمية وابن القيم هذه الجملة الأخيرة…..!!!!!
وكلا القولين لا يصحا، وسيأتي بسط ذلك إن شاء الله في بحث بعنوان: “الفتح العلي في تحقيق ما روي في الاستواء عن ابن هارون والقعنبي” وسوف أنشره تباعا بعونه تعالى. وانظر حاليا للتعرف بإختصار على وجه ضعف الخبرين: العلو للذهبي بتحقيق السقاف ص429، و:ص440.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/729150197199005
السابق
ثمن جلباب الشيخ محمد حسان يثير الجدل في مصر! (منقول)
التالي
البيهقي وموقفه من الإلهيات، (سلسلة ابن تيمية حَكَما على الأمة ودِينها، بسلفها وخلفها، البيهقي نموذجا )