المحكم والمتشابه

[2] هل ثمة دلالة على العلو “الحسي” في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ } [غافر: 36، 37]

[2] هل ثمة دلالة على العلو في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ } [غافر: 36، 37]*

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/738714369575921/
وتتميا للفائدة أسوق كلامَ العلامة ابن جهبل في رده على الحموية لابن تيمية في استدلاله بهذه الآية (الحموية/ ص: 202)، حيث قال العلامة ابن جهبل كما في طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (9/ 50): “وَاسْتدلَّ بقوله تَعَالَى حِكَايَة عَن فِرْعَوْن {يَا هامان ابْن لي صرحا لعَلي أبلغ الْأَسْبَاب أَسبَاب السَّمَاوَات فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} فليت شعري كَيفَ فهم من كَلَام فِرْعَوْن أَن الله تَعَالَى فَوق السَّمَوَات وَفَوق الْعَرْش يطلع إِلَى إِلَه مُوسَى؟!!! أمّا أَن إِلَه مُوسَى فِي السَّمَوَات فَمَا ذكره، وعَلى تَقْدِير فهِم ذَلِك من كَلَام فِرْعَوْن فَكيف يسْتَدلّ بِظَنّ فِرْعَوْن وفهمه مَعَ إِخْبَار الله تَعَالَى عَنهُ أَنه زين لَهُ سوء علمه وَأَنه حاد عَن سَبِيل الله عز وَجل وَأَن كَيده فِي ضلال مَعَ أَنه لما سَأَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام وَقَالَ “وَمَا رب السَّمَوَات”[1] لم يتَعَرَّض مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام للجهة بل لم يذكر إِلَّا أخص بِالصِّفَاتِ وَهِي الْقُدْرَة على الاختراع وَلَو كَانَت الْجِهَة ثَابِتَة لَكَانَ التَّعْرِيف بهَا أولى فَإِن الْإِشَارَة الحسية من أقوى المعرفات حسا وَعرفا، وَفرْعَوْن سَأَلَ بِلَفْظَة “مَا” فَكَانَ الْجَواب بالتحيز أولى من الصّفة، وَغَايَة مَا فهمه ـ أي ابن تيمية ـ من هَذِه الْآيَة وَاسْتدلَّ بِهِ فهْمُ فِرْعَوْن فَيكون عُمْدَة هَذِه العقيدة كَون فِرْعَوْن ظَنّهَا فَيكون هُوَ مستندها؛ فليت شعري لم لَا ذكر النِّسْبَة إِلَيْهِ[2] كَمَا ذكر أَن عقيدة سَادَات أمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الَّذين خالفوا اعْتِقَاده فِي مَسْأَلَة التحيز والجهة الَّذين ألحقهم بالجهمية مُتَلَقَّاة من لبيد بن الأعصم الْيَهُودِيّ الَّذِي سحر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟!!!”اهـ
قال وليد ابن الصلاح: والواقع أن استدلال ابن تيمية وشيعته بهذه الآية لمن أعجب العجب، وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول: لقد أعرض ابنُ تيمية عن كل الآيات التي ذَكرتْ صراحة ما قاله موسى لفرعون حين سأله عن رب العالمين…. وليس في أيٍّ من تلك الآيات أيُّ ذكرٍ للعلو أو الجهة أو الحيز أو المكان أو الفوقية لا من قريب ولا بعيد …..بل لم يخبره موسى إلا بخالقيته تعالى وربوبيته كما سبق وكما سيأتي…فأعرض ابنُ تيمية عن تلك الآيات ثم أخذ بما أخبر فرعون عن موسى ….!!!!!!
الوجه الثاني: أن الله تعالى عقّب على صنيع فرعون ـ وهو طَلبه من هامان بناء الصرح ليطلع على إله موسى ـ فنعته في سورة غافر بنعوت ثلاثة أو أربعة هي من أشنع النعوت…
فنعته أولا بقوله: “وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ” وهذا يتضمن وصفين: سوء العمل، وتزيين الشيطان لفرعون عمله السيء هذا.
وثانيا : ” وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ” عن سبيل الهدى كما سيأتي.
وثالثا: “وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ” أي في خسار وهلاك.
فلو لم يذكر الله هذه الأوصاف عقب قولِ فرعون هذا الذي استنبط منه ابن تيمية أن موسى أخبره بأن الله في السماء …لكان الإعراض عن قول فرعون والأخذ بما أخبر الله عن موسى كما في الآيات السابقة: أولى؛ فما بالك وأن الله نعت فرعون بهذه الأوصاف الشنيعة تعقيبا على قوله هذا…!!!!!!!
فكيف تجاهل ابنُ تيمية كلَ هذه الأوصاف الشنيعة لفرعون وكلامه وصنيعه هذا ثم احتج به على أصول العقائد….فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون …..!!!!!!!!!!
الثالث: إن قول فرعون “وإني لأظنه كاذبا” ليس صريحا في أن موسى أخبر فرعون بأن الله في السماء؛ غاية ما هنالك أن هذا أحد الاحتمالات التي ذكرها بعضُ العلماء والمفسرين كالطبري ولم ينقله عن أحد من الصحابة أو التابعين أو أتباعهم؛ ونصُ كلامِ الطبري في تفسيره جامع البيان ط هجر (18/ 255): وقوله: {لعلي أطلع إلى إله موسى} يقول: انظر إلى معبود موسى، الذي يعبده، ويدعو إلى عبادته {وإني لأظنه} فيما يقول من أن له معبودا يعبده في السماء، وأنه هو الذي يؤيده وينصره، وهو الذي أرسله إلينا.اهـ وهذا يخالف صدرَ كلام الطبري نفسه فهو خال من كلمة “في السماء” كما سيأتي.
ويوجد احتمال آخر وهو أن فرعون قصد بقوله “وإني لأظنه كاذبا” أي في أن يوجد رب أو إله غيري وأن الله أرسله إلي؛ وهذا ما جزم به البغوي وابن كثير والقرطبي وأبو المظفر السمعاني وغيرهم، ونسبه ابن كثير للطبري، وهو فعلا ما نص عليه الطبري في صدر كلامه، فقال ابن كثير في تفسيره ت سلامة (6/ 238) عند قوله تعالى:{ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [القصص: 38]: وذلك لأن فرعون بنى هذا الصرح الذي لم ير في الدنيا بناء أعلى منه، إنما أراد بهذا أن يظهر لرعيته تكذيب موسى فيما زعمه من دعوى إله غير فرعون؛ ولهذا قال: {وإني لأظنه من الكاذبين} أي: في قوله إن ثم ربا غيري، لا أنه كذبه في أن الله أرسله؛ لأنه لم يكن يعترف بوجود الصانع، فإنه قال: {وما رب العالمين} [الشعراء: 23] وقال: {لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين} [الشعراء: 29] وقال: {يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} وهذا قول ابن جرير.اهـ
ونص كلام ابن جرير الطبري في تفسيره جامع البيان ط هجر (18/ 254): {يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري} [القصص: 38] فتعبدوه، وتصدِّقوا قولَ موسى فيما جاءكم به من أن لكم وله ربا غيري ومعبودا سواي.اهـ فجاءت عبارته هنا خالية من لفظ “في السماء”.
وقال ابن كثير في تفسيره/ ت سلامة (7/ 144) في سورة غافر: {فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأظُنُّهُ كَاذِبًا} ، وَهَذَا مِنْ كُفْرِهِ وَتَمَرُّدِهِ، أَنَّهُ كَذَّبَ مُوسَى فِي أَنَّ اللَّهَ، عَزَّ وَجَلَّ، أَرْسَلَهُ إِلَيْهِ.اهـ
وجاء في تفسير أبي المظفر السمعاني (4/ 141): وَقَوله: {وَإِنِّي لأظنه من الْكَاذِبين} أَي: لأظنه من الْكَاذِبين فِي زَعمه أَن للْأَرْض والخلق إِلَهًا غَيْرِي.اهـ
وقال السمعاني في موضع آخر من تفسيره (5/ 21):وَقَوله: {فَأطلع إِلَى إِلَه مُوسَى} أَي: أنظر إِلَى إِلَه مُوسَى. وَقَوله: {وَإِنِّي لأظنه كَاذِبًا} فِي دَعْوَاهُ أَن لَهُ إِلَهًا.اهـ
وقال القرطبي في تفسيره (15/ 315):” وإني لأظنه كاذبا” أي وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه إلها دوني.اهـ
وقال البغوي في تفسيره (7/ 149):{وإني لأظنه} يعني موسى، {كاذبا} فيما يقول إن له ربا غيري، {وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل}… قال ابن عباس: صده الله عن سبيل الهدى. وقرأ الآخرون بالفتح أي: صَدّ فرعون الناس عن السبيل. {وما كيد فرعون إلا في تباب} يعني: وما كيده في إبطال آيات موسى إلا في خسار وهلاك.اهـ
ولو أردنا الترجيح بين هذين الاحتمالين، لترجح لنا الاحتمال الثاني قطعا، وهو أن المراد وإني لأظنه كاذبا أي في أنه يوجد رب أو إله غير الله أرسله إليّ.
والدليل على هذا الترجيح هو أن موسى أخبر فرعونَ قطعا بأن الله هو رب السموات والأرض ورب كل شيء، لأن الله ذكر هذا بنصوص صريحة في القرآن في عدة مواضع؛ منها قوله تعالى: {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ } [الشعراء: 23، 24].
ومنها قوله تعالى :{ وَقَالَ مُوسَى يَافِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) } [الأعراف: 104]
ومنها: {قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَامُوسَى (49) قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50)} [طه: 49، 50]
وأما الاحتمال الأول وهو أن موسى أخبر فرعونَ بأن الله في السماء فهذا لم يذكره الله في القرآن قط؛ ولا ورد بذلك حديث صحيح مرفوع أو حتى موقوف؛ وإنما هذا ما نقله فرعون عن موسى ….فكيف يترك ابنُ تيمية ما نقله الله عن موسى في القرآن … ويأخذ بما نقله فرعونُ عن موسى …..أليس هذا من أعجب العجب… وسيتضح ذلك أكثر بالوجه التالي؟!!!!!
الوجه الرابع:….انتظره
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/677167492397276/
[1] كذا في المطبوع، وهو خطأ …وإنما المقصود هنا هو قوله تعالى:{قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ (23) قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ} [الشعراء: 23، 24].
[2] قال وليد: أي لِم لَم يَنسب ابنُ تيمية عقيدتَه إلى فرعون، حيث تلقاها من قول فرعون هنا؛ كما نسب ابنُ تيمية جماهيرَ الأمة من أهل السنة إلى لبيد بن الأعصم حين قال في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 232): ثم أصل هذه المقالة ـ مقالة التعطيل للصفات ـ إنما هو مأخوذ عن تلامذة اليهود والمشركين، وضُلاّل الصابئين، فإن أول من حُفظ عنه أنه قال هذه المقالة في الإسلام هو الجعد بن درهم، وأخذها عنه الجهم بن صفوان وأظهرها، فنُسبت مقالة الجهمية إليه، وقد قيل: إن الجعد أخذ مقالته عن أبان بن سمعان، وأخذها أبان عن طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم. وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم [اليهودي] الساحر الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.اهـ
قال وليد: وطريف جدا هذا الاتهام وهو أن التعطيل مأخوذ من اليهود؛ وابن تيمية نفسه يستدل بالتوراة على إثبات التجسيم؛ فمثلا قال في بيان تلبيس الجهمية (6/ 451) في سياق إثباته لحديث الصورة وأن الضمير يعود فيه على الله لا على آدم: “فهذا المعنى عند أهل الكتاب من الكتب المأثورة عن الأنبياء كالتوراة فإن في السِّفر الأول منها: “سنخلق بشراً على صورتنا يشبهها”.اهـ
لا …بل اسمع كيف يثني ابنُ القيم ثناء عاطرا على عقائد اليهود؛ فقد قال في كتابه الصواعق المرسلة (ج1، ص: 694): وذلك أن الكتاب الأول مصدق للقرآن فمن نظر فيه علم علما يقينا أن هذا وهذا من مشكاة واحدة لا سيما في باب التوحيد والأسماء والصفات فإن التوراة مطابقة للقرآن في ذلك موافقة له وهذا يدل على أن ما في التوراة من ذلك ليس هو من المبدل المحرف الذي أنكره الله عليهم بل هو من الحق الذي شهد للقرآن وصدقه ولهذا لم ينكر النبي عليهم ما في التوراة من الصفات ولا عابهم به ولا جعله تشبيها وتجسيما وتمثيلا…..اهـ
فهل اليهود معطلة وأخذنا التعطيل عنهم …أم هم مجسمة وعقائدهم موافقة لما في القرآن؟!!!

السابق
فذلكة تاريخية عن الإمام الطاهر العبيدي (منقول)
التالي
[1] هل ثمة دلالة على العلو في قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (36) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا …} [غافر: 36، 37]