حكم الاستغاثة ودعاء غير الله

(2)حذارِ أن يخدعك ابن تيمية ـ وكذا أتباعه ـ بالتهويل والتشنيع والخلط ونقْل الإجماعات المضحكة وبعقيدة السلف المزعومة [1] (الاستغاثة بغير الله)

مقتطفات:

  • لكن لاحظت أنهم وفي أحيان كثيرة لا يجدون أصلا من نص على الإجماع قبل ابن تيمية ولذلك صاروا يعنونون في كثير من الأحيان بعنوان آخر مثل: “ذِكر من نقل الإجماع قبل ابن تيمية أو تكلم في المسألة قبله“.
  • وباختصار أقول إن هؤلاء فشلوا في مهتهم وهي إثبات أن كل الإجماعات التي نقلها ابن تيمية قد سُبق إليها .
  • حتى هؤلاء الباحثين الثلاثة الذي ندبوا أنفسهم للدفاع عن إجماعات ابن تيمية ضد من يشكك أو يطعن فيها : أقروا مرغمين – وإن كان على استحياء – في نهاية المطاف أن السلف لم يتكلموا في مسألة الاستغاثة سوى في أثر سالم السابق وقد قلنا إن ابن تيمية هو أول من يخالف إطلاقه، هذا إن صح أصلا!!

(2)حذارِ أن يخدعك ابن تيمية ـ وكذا أتباعه ـ بالتهويل والتشنيع والخلط ونقْل الإجماعات المضحكة وبعقيدة السلف المزعومة [1]

قام ثلاثة طلاب في كلية أصول الدين بجامعة أم القرى بالسعودية بإعداد ثلاث رسائل ماجستير جمعوها وطبعوها في كتاب واحد بعنوان ” المسائل العقدية التي حكى فيها ابن تيمية الإجماع ” في 994 صحيفة!

ما الهدف من هذه الدارسة؟!!

ذكر الباحثون ص6 أن من أسباب اختيارهم للموضوع هو بيان دقة ابن تيمية وتحريه في نقل الإجماع ورد الدعاوى الكاذبة والاتهامات الباطلة التي تشكك أو تطعن في نقله للإجماع في مسائل الاعتقاد عن السلف!!

ولذلك انتهج الباحثون أن يذكروا أولا الإجماع الذي نقله ابن تيمية في المسألة ثم يذكرون عنوانا وهو “ذِكر من نقل الإجماع قبل ابن تيمية“، لكن لاحظت أنهم وفي أحيان كثيرة لا يجدون أصلا من نص على الإجماع قبل ابن تيمية ولذلك صاروا يعنونون في كثير من الأحيان بعنوان آخر مثل: “ذِكر من نقل الإجماع قبل ابن تيمية أو تكلم في المسألة قبله“، أي أنهم أضافوا جملة ” أو تكلم في المسألة قبله ” لماذا؟ لكي يبقى لهم ما يقولونه فيأتوا بنص من هنا وهناك لهذا العالم أو ذاك كآراء فردية لا علاقة لها بالإجماع، وذلك لئلا يرجعوا بخفي حنين، فتسقط رسالتهم سقوطا مروعا!!

بل لاحظت أن الباحثين الثلاثة هؤلاء أحيانا يقرون على استحياء بأنه لم ينقل الإجماع فيها قبل ابن تيمية، بل أحيانا كثيرة راحوا يشيرون – ربما دون أن يشعروا – إلى الخلاف في المسألة التي ادعى ابن تيمية الإجماع فيها بل نقلوا فعلا الخلاف فيها ثم راحوا يعتذروا لابن تيمية آنا وينتصروا له آنا .

وباختصار أقول إن الباحثين الثلاثة هؤلاء فشلوا في مهتهم وهي إثبات أن كل الإجماعات التي نقلها ابن تيمية قد سُبق إليها أي ثمة من نقل تلك الإجماعات قبله!! وتعالوا لأضرب لكم أمثلة من كتابهم وأنتم احكموا عليهم وقولوا هل نجحوا في مهتهم؟

نتاول ص85 وفيها عنوان: الباب الثاني: توحيد الألوهية والربوبية، ففي المبحث الثاني ص111 منه نجد عنوان “دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله” ثم ذكر المسألة فبدأ بتعريف الدعاء لغة وشرعا، إلى أن يصل إلى ص114 و 115 فينقل نصوص ابن تيمية وهو ينقل الإجماع على أن ذلك – أي الاستغاثة – ضلال وشرك باتفاق المسلمين!!

ثم المفارقة أن الباحث في ص121 وتحت عنوان: “ذِكر من نقل الإجماع قبل ابن تيمية“: لم يذكر لنا الباحث أحدا نقل لنا الإجماع قبله في أن الاستغاثة بغير الله شرك، بل أقر على استحياء بأن السلف لم يكن لهم كثير كلام فيها لعدم وقوعها في عصرهم فلم يحتاجوا لبيانها!! ومع ذلك ركب الباحث رأسه وقال: لم يختلفوا فيها!! دون أن يأتينا بنص لأحد العلماء قبل ابن تيمية حكى الإجماع على ذلك!!!

ولعله شعر بالإحراج، فلذلك راح ينقل لنا قاله بعض العلماء في المسألة!! فنقل لنا أثرا عن أحد التابعين وهو سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال : ” لا تسأل أحدا غير الله “!!! ولكن أين الإجماع هنا؟! بل أين محل الشاهد؟! أنت أصلا عنونت المسألة بقولك ” دعاء غير الله وسؤاله ما لا يقدر عليه إلا الله” يعني أنت نفسك قيدتَ الحظرَ فأفاد ذلك بأنه يجوز دعاء أو سؤال غير الله فيما يقدر عليه، فإن كان ما قاله سالم إجماعا فأنت وابن تيمية أول المخالفين لهذا الإجماع!! وكذا يقال في آيات الباب كقوله تعالى “فلا تدعوا مع الله أحدا” فهذه ظاهرها تحريم دعاء غير الله مطلقا سواء فيما قدر عليه أم لا، وهو خلاف مذهب ابن تيمية!!

ثم ذكر لنا الباحث نصوصا للطبري والحليمي وابن عقيل الحنبلي والشهرستاني، زعم بأنها تفيد حظر الاستغاثة!!! أي أن مجموع من نقل عنه هم خمسة … فصار الأمر عنده إجماعا!!!! هذا طبعا لو سلمنا جدلا بأن هؤلاء الخمسة يقولون بأن المستغيث بالغائب والميت مشرك!!! وهذا غير مسلّم كما ترون من نصوصهم المصورة أدناه اللهم إلا نص ابن عقيل ولكن هذا متوفى سنة 513 هـ كما ذكر المؤلف أي بعد قرنين من السلف، فكيف صارت المسألة إجماعية عند السلف؟!!!

أصلا المسألة خلافية حتى بين الحنابلة، قال ابن القيم: سئل القاضي – أي أبو يعلى – عن مسائل عديدة وردت عليه من مكة وكان منها: – ما تقول في قول الإنسان إذا عثر: (محمد أو علي) ؟ فقالإن قصد الاستغاثة فهو مخطىء لأن الغوث من الله تعالى فقال وهما ميتان فلا يصح الغوث منهما ولأنه يجب تقديم الله على غيره[2]“.اهـ

فهذا القاضي أبو يعلى الحنبلي قال عن ذلك أنه مجرد خطأ، وكان المفروض أن يكون قوله عند السلفية أولى لأمرين، الأول: لأنه فقيه معتمد في مذهبهم بل هو عمدة الحنابلة، والثاني: أنه من المثبتة في الصفات حتى اتُهم بالتجسيم، وأما ابن عقيل فهو عند السلفية من الجهمية لأنه من نفاة الصفات كما صرح ابن تيمية[3]، ولكن بما أن ابن عقيل قال ما يوافق مذهبهم أخذوا به وتغاضوا عن “جهميته” وأعرضوا عن أبي يعلى!!

بل الإمام أحمد نفسه كان يستغيث بالملائكة عندما يضل الطريق أخذا بالحديث كما أقر بذلك الألباني في سياق كلامه عن حديث “إذا أضل أحدكم شيئا..فليقل: يا عباد الله أغيثوني.. فإن لله عبادا لا نراهم “، وأورد لفظا آخر له وهو ” إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني “.

ثم قال الألباني: ” فهذا الحديث – إذا صح – يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول يا عباد الله ” إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء، هذا ، ويبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه ، لأنه قد عمل به ، فقال ابنه عبد الله في ” المسائل “: ” سمعت أبي يقول : حججت خمس حجج منها ثنتين راكبا وثلاثة ماشيا ، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول: ( يا عباد الله دلونا على الطريق ! ) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق[4].

بل مسألة الاستغاثة حدثت في عهد الفاروق رضي الله عنه كما دل على ذلك أثر مالك الدار المشهور، فقد روى البيهقي وابن أبي شيبة بإسناد صحيح كما قال الحافظ ابن حجر[5]وابن كثير[6]، من طريق الأعمش عن أبي صالح عن مالك الدار أن الناس أصابهم قحط في زمن عمر، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله استسق لأمتك، فجاءه في النوم وأخبره أنهم يسقون فكان كذلك”[7]ففي هذا الأثر استغاثة ذلك الرجل بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد انتقاله للرفيق الأعلى، وقد اعترض الوهابية على هذا الأثر من ناحية ثبوته ومن ناحية دلالته، وقد رددت على ذلك بالتفصيل في رسالتي ” الجهر والإسرار بأثر مالك الدار”[8].

بل روى مسلم في صحيحه عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي سل فقلت أسألك مرافقتك في الجنةقال أو غير ذلك قلت هو ذاك قال فأعنى على نفسك بكثرة السجود [9].اهـ فهنا سأل ربيعةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ما لا يقدر عليه إلا الله وهو الشفاعة لإدخاله الجنة كما جاء ذلك صريحا عند أحمد في مسنده بلفظ “حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة “([10])، فلم يُنكِر عليه النبيُّ صلى الله عليه وسلم ولا قال له: إن الشفاعة لله كلها، ولا تكون لي إلا يوم القيامة بعد أن يأذن لي ربي، فاطلبها من الله وقل: اللهم لا تحرمني شفاعته؛ تماما كما زعم ذلك ابن عبد الوهاب[11]…..!!!.

ولذلك استحب الفقهاء التشفع بالنبي عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، قال النووي: ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتوسل به في حق نفسه ويستشفع به إلى ربه سبحانه وتعالى ومن أحسن ما يقول ما حكاه الماوردي والقاضي أبو الطيب وسائر أصحابنا عن العتبي مستحسنين له قال ( كنت جالسا عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أعرابي فقال السلام عليك يا رسول الله .. وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك إلى ربي.اهـ

ونصوص الفقهاء في ذلك كثيرة .. بمن فيهم الحنابلة فقد قال ابن قدامة أيضا في آداب زيارة المصطفى أن الزائر يقول: “اللهم إنك قلت وقولك الحق ( ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم … ) وقد اتيتك مستغفرا من ذنوبي، مستشفعا بك إلى ربي ، فأسئلك يا رب أن توجب لي المغفرة كما أوجبتها لمن أتاه في حياته ، اللهم اجعله أول الشافعين([12]).

فأي إجماع يُدعى بعد ذلك على أن الاستغاثة شرك أكبر؟!! إن كان ثمة إجماع هنا فهو على الجواز لا العكس !! فيا حسرتا كم كفّر القومُ المسلمين وسفكوا دمائهم واستحلوا أعراضهم وأموالهم بهكذا إجماع لا وجود له إلا في عقل ابن تيمية .. حتى هؤلاء الباحثين الثلاثة الذي ندبوا أنفسهم للدفاع عن إجماعات ابن تيمية ضد من يشكك أو يطعن فيها : أقروا مرغمين – وإن كان على استحياء – في نهاية المطاف أن السلف لم يتكلموا في مسألة الاستغاثة سوى في أثر سالم السابق وقد قلنا إن ابن تيمية هو أول من يخالف إطلاقه، هذا إن صح أصلا!!

ننتقل إلى المبحث الرابع ص 140: تحريم الطواف بقبور وأبدان الأنبياء والصالحين … انظر اللاحق: https://www.facebook.com/…/permalink/3229065217207478/

——————–

[1] انظر السابق:

https://www.facebook.com/…/permalink/955736971206992/

[2] بدائع الفوائد 4/ 40

[3] فمثلا يقول ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل 1/ 101: أن كل متغير محدث، لأنه لا يسبق الحوادث، لامتناع حوادث لا أول لها، وكل ما قامت به الحوادث فهو متغير، فيجب أن يكون محدثا، فهذه الطريق التي سلكناها هي طريقة إبراهيم الخليل. وهذا مما ذكره خلق من النفاة، مثل بشر المريسي وأمثاله، ومثل ابن عقيل وأبي حامد والرازي، وخلق غير هؤلاء.اهـ

[4] سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (2/ 111)

[5] انظر فتح الباري (2 / 495)

[6] انظر: جامع المسانيد، مسند عمر 1/223، وانظر: البداية والنهاية 10/74، للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي (774هـ)، تحقيق عبد الله التركي، دار هجر بمصر، ط1/ 1998م.

[7] دلائل النبوة للبيهقي – (7 / 47)، مصنف ابن أبي شيبة 17/63، للحافظ أبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي (235 هـ)، تحقيق : الشيخ محمد عوامة، شركة دار القبلة، مؤسسة علوم القرآن، ط1/ 2006م.

[8] انظرها على:

[9] 489 صحيح مسلم – (1 / 353)، 489، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه.

([10]) كما في مسند أحمد، ط/ الرسالة – (25 / 479) ولفظه: فقال يا رسول الله حاجتي قال وما حاجتك قال حاجتي أن تشفع لي يوم القيامة، قال: ومن دَلَّك على هذا، قال: ربي؛ قال: إما لا فأعني بكثرة السجود. قال محققو مسند أحمد : إسناده صحيح. وقال الهيثمي: رجاله رجال الصحيح. انظر مجمع الزوائد 2/249، وانظر: شفاء السقام في زيارة خير الأنام ص165، للإمام تقي الدين السبكي (756هـ)، دار الجيل ببروت، ط1/1991م. وانظر الشفاعة للوادعي ص287

[11] وفي ذلك يقول ابن عبد الوهاب في كشف الشبهات (ص: 24): الفرق بين الشفاعة الشرعية والشركية .. فإذا كانت الشفاعة كلها لله، ولا تكون إلا من بعد إذنه، ولا يشفع النبي – صلى الله عليه وسلم – ولا غيره في أحد حتى يأذن الله فيه، ولا يأذن إلا لأهل التوحيد. تبين لك أن الشفاعة كلها لله فأطلبها منه فأقول: اللهم لا تحرمني شفاعته، اللهم شفعه في، وأمثال هذا.اهـ

([12]) المغني ج 3 – ص 590، ونقله في كشاف القناع مقرا له 2/599، وقال نحوه ابن عقيل الحنبلي في التذكرة كما في السيف الصقيل للكوثري ص177.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3192744977506169/

السابق
فإنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القَدِيد بمكة…. فكأنه قال: أنا ابن امرأة مسكينة، تأكل مفضول الطعام، فكيف تخاف مني! (منقول)
التالي
تقرير العلامة محمد العربي التباني حول مادة كتاب “الرد الوافر على من زعم بأن من سمى ابن تيمية شيخ الإسلام: كافر” والذي حاول مؤلفه الحافظ ابن ناصر الدين الدمشقي (ت: 842هج) الرد بطريقته على العلامة العلاء البخاري (ت: 841هج).. (منقول)