[1] كيف تحسم الجدل بصحيفة واحدة مع من ينسبون إلى الله المكان أو الجهة؟
جاء في كتاب المغني أو الغنية في أصول الدين للإمام عبد الرحمن بن مأمون النيسابوري، أبي سعد المتولي (المتوفى: 478هـ) (ص: 13):
” مسألة: البارئ تعالى قائم بنفسه….والغرض بهذا الفصل نفي الحاجة إلى المحل والجهة خلافاً للكرامية والحشوية والمشبهة الذين قالوا: إن الله تعالى في جهة فوق، وأطلق بعضهم القول: ” لأنه جالس على العرش مستقر عليه ” تعالى الله عن قولهم…..فإن استدلوا بظواهر الكتاب والسنة مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} وقوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} ….
……. الجواب معهم أن نعارضهم بآيات تخالف ظواهرها ظواهر هذه الآيات، وذلك مثل قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} إلى قوله: {هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} وقوله: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} وموجب الآيتين حلوله في كل مكان.
قال تعالى: {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} ومقتضى ظاهرها إنه محيط بالعلم فإن أعرضوا عن التأويل هذه الآيات مع الإيمان بظواهرها، والاعتقاد بأنه لا يكون في كل مكان، وإنه غير محيط بالعالم، أعرضنا نحن عن التأويل، وصرنا إلى الإيمان بما ورد مع الاعتقاد بأن الحق تعالى مُنَزَّه عن المكان.
وإن صاروا إلى التأويل وقالوا: المراد بقوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ} بالعلم لا بالذات وكذلك قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} يعني بالعلم، صرنا إلى التأويل.
قلنا: المراد بقوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} القدرة.
فإن قيل: إذا حملتم ذلك على القدرة لم يكن لتخصيص العرش فائدة.
قلنا: إن العرش أعظم المخلوقات فإذا قدر عليه عُلِمَ من طريق التنبيه إنه قادر على ما دونه.
كما أن مثل هذا يلزمهم فيما قالوا، فإن الله تعالى عالم بكل مخلوق غير بني آدم.
فإذا حملوا على العلم لم يكن لتخصيص بني آدم فائدة.
فإن قالوا: خُصَّ بني آدم تشريفاً لهم.
وخُصَّ العرش بذلك تشريفاًَ له.
فإن قيل: الاستواء إذا كان بمعنى القهر والغلبة يقتضي منازعة سابقة، وذلك محال في وصفه.
قلنا: والاستواء بمعنى الاستقرار يقتضي سَبْقَ اضطرار واعوجاج، وذلك محال في وصفه.اهـ
وانظر اللاحق:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=135180319991902&id=100004998042091