(1) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى” (وليد الزير آدمن 9)
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/417764741670887/
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد فهذه رسالة سميتها (التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى” ).
فأقول وبالله التوفيق: يحتج السلفية في تحريم مسائل القبور واعتبارها شركا وعبادة للقبور، بقوله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر : 3].
فهذه الآية عمدة السلفية في تفسيرهم للعبادة، وبها يعتبرون مسائل القبور من قبيل عبادة القبور نفسها والتقرب لأصحابها؛ ولطالما كرّر السلفيةُ هذه الآية في كتبهم، وكفّروا الناسَ واتهموهم بعبادة القبور استدلالا بهذه الآية، وخدعوا البسطاء من الناس وأتباعهم بالاستدلال بها، ويا ليتهم أوردوا الآية كاملة!! إذن لما خُدع الناس باستدلالهم بها، وأنا كنت واحدا ممن خُدع باستدلالهم بهذه الآية في أول الطلب، ولكن حين عَرفت تتمتها علمت أنهم اقتصروا على صدر الآية فقط لغاية في أنفسهم، إذ إنهم لو أكملوها لبان بطلان استدلالهم بها، لأن الله يُكذّب الكفارَ في آخر الآية بما ادّعوه في صدر الآية من أنهم لا يعبدون الأصنام إلا تقربا إلى الله، فكيف يُفْصل صدرُ الآية عن آخرها مع هذا الترابط الوثيق؟!! وهل هذا إلا كمن يقرأ “فويل للمصلين” تاركا تتمة الآية بل تتمة السورة وهي: “الذين هم عن صلاتهم ساهون…” وعلى الرغم من ذلك استمر بعض عتاة الوهابية بالدفاع عن المشركين وتصديقهم فيما كذبهم الله تعالى به…!! وهذا سيأتي بسطه مفصلا في موضعه إن شاء الله.
ولكن نعود فنسأل: ما وجه الدلالة من الآية على ما زعمه السلفية في الآية؟ لنستمع إلى أحدهم وهو يبيّن ذلك بقوله: ” فأخبر تعالى: أنهم تعلقوا على آلهتهم ، ودعوهم مع الله للشفاعة، والتقريب إلى الله تعالى- بالجاه، والمنزلة… ولم يريدوا منهم تدبيرا ، ولا تأثيرا، ولا شركة، ولا استقلالا([1])”.
ولكن أين في الآية أن الاستغاثة والتبرك بالقبور والسفر لزيارتها والدعاء والصلاة عندها والطواف بها ونحوها من مسائل القبور هي عبادة للقبور؟ فهل في الآية ما يدل على ذلك بمنطوقها أو مفهومها أو بإشارتها على الأقل؟!
قالوا: إن عبادة المشركين للأصنام كانت تتمثل في استغاثتهم بالأصنام وذبحهم لها وحلفهم بها والسجود لها([2])، فمن يستغيث بقبر أو يذبح له ونحو ذلك من مسائل القبور يكون قد فعل ما فعله المشركون بأصنامهم حيث كانوا يعبدون أصنامهم بهذه العبادات لتقربهم إلى الله زلفى، فصح الاستدلال بالآيات على أن مسائل القبور هي عبادة لغير الله([3]).
قلنا: هذا مصادرة على المطلوب فأين في الآية أن عبادة المشركين لأصنامهم تتمثل في استغاثتهم بأصنامهم وذبحهم لها ونحو ذلك؟! إن غاية ما في الآية أن المشركين كانوا يعبدون الأصنام تقربا إلى الله، وهذا لا نزاع في حرمته وشِرْك من يَفعل ذلك وكُفره، وإنما النزاع بيننا وبينكم في الاستغاثة والتبرك بالقبور ونحو ذلك، هل هذه الأمور داخلة في مسمى العبادة وتعريفها بحيث يكفر من يصرفها لغير الله، أم هذه مسائل فقهية لا علاقة لها بالعقيدة ولا بالتوحيد ولا يترتب عليها كفر ولا إيمان؟ والآية بمعزل عن بيان كلا الأمرين، فلا هي دلت على أن هذه المسائل من مسائل التوحيد كما تزعمون، ولا هي دلت على أنها من مسائل الفقه كما نزعم، بل إن الآية ليس فيها ذكر لهذه المسائل قط، فإن كان لكم دليل آخر على أن هذه المسائل داخلة في مسمى العبادة، فهذه دعوى أخرى غير التي نناقشها، إذ نحن نناقش هنا استدلالكم بآية الزمر لا بغيرها، إذ غيرها من الأدلة له موضع آخر سيأتي.
والحاصل أن نزاعنا في تفسير العبادة، لا في شِرك من يصرفها لغير الله، فالثاني ـ وهو شرك من يصرف العبادة لغير الله ـ لا نزاع فيه وهو ما تدل عليه الآية، وأما الأول ـ وهو تفسير العبادة بما ذكرتم من مسائل القبور ـ فلم تدل الآية عليه إذ ليس في الآية أكثر من النعي على المشركين وتقبيح عذرهم وقولهم: إنما نعبدهم ليقربونا إلى الله، فهل في الآية تفسيرٌ لشَكْل عبادتهم ونوعها التي صرفوها إلى أصنامهم؟
فالحاصل أن ما دلت عليه الآية ـ وهو كفر من يعبد غير الله ـ لا نزاع فيه، وما فيه النزاع وهو تفسير العبادة لم تدل عليه الآية.
فإن قيل:: إن الآية نعت ـ بمنطوقها ـ على المشركين اتخاذهم الأصنام وسائط تقربهم إلى الله، ….. انتظره
ـــــــــــــــــــــــــــ
([1]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (2 / 1034)
([2]) كشف الشبهات لابن عبد الوهاب ص28، جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (1 / 506)
([3]) جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية – (3 / 1425)