شطحات الصوفية

هل يصح ما نُقل عن أبي يزيد البسطامي من قوله (سبحاني)، وإن صحت فما محملها؟

هل يصح ما نُقل عن أبي يزيد البسطامي من قوله (سبحاني)، وإن صحت فما محملها؟
في الواقع لقد شكك غير واحد من العلماء فيما ما نقل عن البسطامي أعلاه؛ فمنهم الإمام أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية فقال السلمي: ويحكى عنه (أي عن أبي يزيد) في الشطح أشياء، منها ما لا يصح، أو يكون مقولا عليه، وكان يرجع إلى أحوال سنية.اهـ
ومنهم الغزالي في إحياء علوم الدين 1/61: وأما أبو يزيد البسطامي رحمه الله فلا يصح عنه ما يحكى (أي من قوله سبحاني)، وإن سُمع ذلك منه فلعله كان يحكيه عن الله عز و جل في كلام يردده في نفسه كما لو سمع وهو يقول: “إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني”، فإنه ما كان ينبغي أن يفهم منه ذلك إلا على سبيل الحكاية. ومنهم الزبيدي في في شرحه على الإحياء المسمى إتحاف السادة المتقين(1/ 251).
ومنهم الحافظ الذهبي فقال في سير أعلام النبلاء ( 13 / 86 – 87 ) : وجاء عنه (أي عن البسطامي ) أشياء مشكلة لا مساغ لها ، الشأن في ثبوتها عنه ، أو أنه قالها في حال الدهشة والسكر ، والغيبة والمحو، فيطوى، ولا يحتج بها .
وترجم له الذهبي في كتابه في تاريخ الإسلام (20/ 110) فقال: طَيْفُور بْن عِيسَى أبو يزيد البَسْطامي الزاهد العارف، مِن كبار مشايخ القوم……. إلى أن قال الذهبي:وقد نقلوا عنه أشياء من متشابه القول الشأن في صحتها عنه ولا تصح عن مسلم فضلا عن مثل أبي يزيد منها : سبحاني .اهـ
ومنهم من حمل كلام البسطامي على الفناء والسكر، فقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (2/ 396): فهذه الحال تعتري كثيرً امن أهل المحبة والإرادة في جانب الحق, وفي غيرجانبه… فإنه يغيب بمحبوبه عن حبه وعن نفسه , وبمذكوره عن ذكره… فلا يشعر حينئذ بالتميز ولابوجوده , فقد يقول في هذه الحال : أنا الحق أو سبحاني أومافي الجبة إلا الله ونحوذلك.
وقال في مجموع الفتاوى (2/ 461): لكن بعض ذوي الأحوال قد يحصل له في حال الفناء القاصر سكر وغيبة عن السوي والسكر وجد بلا تمييز . فقد يقول في تلك الحال : سبحاني أو ما في الجبة إلا الله أو نحو ذلك من الكلمات التي تؤثر عن أبي يزيد البسطامي أو غيره من الأصحاء وكلمات السكران تطوى ولا تروى ولا تؤدى.اهـ
وقال السيوطي في الحاوي للفتاوي: وأما قول أبي يزيد البسطامي رحمه الله تعالى: [سبحاني، ما أعظم شأني] فهو في معرض الحكاية عن الله، وكذلك قول من قال: [أنا الحق] محمول على الحكاية، ولا يُظَنُّ بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد،لأن ذلك غير مظنون بعاقل، فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات.اهـ
قال وليد: والحاصل أن في ثبوت ذلك عن البسطامي شك، وإن ثبت فمحمول على حال الغيبة والفناء؛ وهي كلمة تطوى ولا تروى فضلا عن أن تتخذ سنة للبطالين كما أشار الغزالي وابن تيمية، وعليه فلا داعي لتلك الحملة التي يشنها بعض الناس على البسطامي بسبب هذه الكلمة ويرمونه بالزندقة والكفر والإلحاد، وأنه يقول بالحلول والاتحاد ووحدة الوجود وما إلى ذلك من النعوت التي تجدها في مقالات كثيرة على الشبكة، والطريف أنهم يتمسكون بابن تيمية رحمه الله، وقد رأيت قوله في هذه المسألة، والحمد لله رب العالمين.

السابق
الجمع بين آيتي المعارج والسجدة في مدة صعود الأمر وعروج الملائكة هل هو ألف سنة أم خمسون ألف سنة؟
التالي
(1) التقرب إلى الله زلفى في تفسير قوله تعالى “مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى”