ونحن نقول لدمشقية: والله لو جاءكم الشافعي لرفضتموه ولقلتم له ” أصابتك عدوى القبورية “….!!!!
كثير من الوهابية حين يتكلمون في مسألة البناء على القبور وأن هذا محرم وأنه شرك أو ذريعة إلى الشرك وأنه يجب هدم ذلك يؤيدون ذلك بنص مبتور عن الإمام الشافعي رضي الله عنه، وهذا تجده في كتبهم[1] وفي مواقعهم الالكترونية[2]. وأضرب بأحدهم كمثال على ذلك، وهو المدعو عبد الرحمن دمشقية حيث يقول في كتابه المسمى موسوعة أهل السنة (ص: 260): فقد روى عنه ـ أي عن الشافعي ـ النوويُّ[3] قوله فيما يبنى على القبر ” رأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها ولم أر الفقهاء يعيبون عليه ذلك “. والله لو جاءكم الشافعي لرفضتموه ولقلتم له ” أصابتك عدوى الوهابية “.اهـ(انظر الصورة أدناه رقم :3، 4)
والواقع أني كنت حين أقرأ هذا النص المبتور عن إمامنا الشافعي المطلبي رحمه الله أستغرب بعض الشيء لأنه يفيد أن الشافعي يرى هدم ما بنى على القبور مطلقا دون تفصيل، وهو خلاف ما ذهبه إليه الشافعية[4] من التفريق بين ما بني في المِلك وما بني في المقبرة المسبلة كما سنرى، وكنت أظن أن الشافعية خالفوا إمامهم في هذا التفريق، بل قال الشوكاني في نيل الأوطار (4/ 104): ولا دليل على هذا التفصيل، وقد قال الشافعي: رأيت الأئمة بمكة يأمرون بهدم ما يبنى.اهـ
ثم رأيت العلامة الكوثري عليه شآبيب الرحمة نقل في مقالاته[5] نصّ الشافعي كاملا فاندهشت منه فعلا لأنه فيه أربع حقائق ليست في ذاك النص المبتور وإليك نص الشافعي كاملا:
جاء في الأم للشافعي تـ رفعت فوزي (2/ 631): قال الشافعي:…وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره وليس بأن يكون فيه تراب من غيره بأس إذا إذا زيد فيه تراب من غيره ارتفع جدا, وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه وأحب أن لا يبنى, ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء, وليس الموت موضع واحد منهما, ولم أر قبور المهاجرين والأنصار مجصصة (قال الراوي): عن طاوس: {إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – نهى أن تبنى القبور أو تجصص}
قال الشافعي: وقد رأيت من الولاة من يهدم بمكة ما يبنى فيها فلم أر الفقهاء يعيبون ذلك فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شيء أن يبنى منها وإنما يهدم إن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس.اهـ (انظر الصورة: 1، 2)
ويستفاد من نص الشافعي هذا أمور أربعة:
أولا: أنه صرح بجواز بل باستحباب رفع القبر قدر شبر أو نحوه وذلك في قوله ” وإنما أحب أن يشخص على وجه الأرض شبرا أو نحوه “.
ثانيا: أنه يَحمل النهيَّ عن البناء على القبور الذي جاء في بعض الأحاديث[6] على الكراهة التنزيهية لقوله ” وأحب أن لا يبنى, ولا يجصص فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء ” ولو كان البناء على القبور شركا أو ذريعة إليه أو حتى محرما لاستحال أن يقول الشافعي ” وأحب أن لا يبنى …” إذ كأن بذلك يقول “وأحب أن لا يُشرك بالله، أو أحب أن لا يشرب الخمر ….”!!! وهذا يرد على ما زعمه الوهابية من أن الكراهة هنا تحريمية.
ثالثا: أنه نصّ على علة النهي عن البناء على القبور فقال ” فإن ذلك يشبه الزينة والخيلاء ” وليس هي الشرك أو الذريعة إليه كما يصرح به هؤلاء فهذا أحدهم يقول “…. تحريم بناء المساجد والقبب على القبور، وتحريم تجصيصها، ووجوب المبادرة إلى هدمها؛ لأن ذلك من أفعال المشركين، وذرائع الشرك وموجبات اللعنة. ” [7]
رابعا وهو الأهم: أنه صرّح بالفرق بين ما يبنى على القبر إذا كان مكان القبر ملكا للمقبور فلا يُهدم البناء، وبين ما يكون القبر المبنى عليه في مقابر المسلمين فيهدم لا من أجل أنه شرك أو ذريعة إليه كما يزعم الوهابية، وإنما من أجل أن لا يضيق على المسلمين، وذلك صريح قوله ” فإن كانت القبور في الأرض يملكها الموتى في حياتهم أو ورثتهم بعدهم لم يهدم شيء أن يبنى منها وإنما يهدم إن هدم ما لا يملكه أحد فهدمه لئلا يحجر على الناس موضع القبر فلا يدفن فيه أحد فيضيق ذلك بالناس “، وهذا التفصيل خلاف ما عليه ابن تيمية وأتباعه ومنهم دمشقية نفسه[8] وابن القيم الذي صرح بهدم ما يبنى على القبور مطلقا حتى ولو كان مسجدا[9].
فهذه أربعة أمور أفادها نصُّ الشافعي الكامل الذي ساقه العلامة الكوثري لا المبتور الذين يسوقه الوهابية كما فعل دمشقية ثم قال مستهزئا ((والله لو جاءكم الشافعي لرفضتموه ولقلتم له ” أصابتك عدوى الوهابية “)) ونحن نقول لدمشقية: والله لو جاءكم الشافعي لرفضتموه ولقلتم له ” أصابتك عدوى القبورية “….!!!!
ولدينا مزيد …. سنوضحه في الكتاب الموعود إن شاء الله. انظر
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/1049861761794512/
كتبه وليد ابن الصلاح
==============================
[1] انظر كتاب: القبورية (اليمن نموذجا) – الشيخ أحمد بن حسن المعلم ص54
[2] انظر:
http://www.dorar.net/enc/firq/2199
http://www.saaid.net/kutob/9.htm
http://islamport.com/w/aqd/Web/90/2442.htm
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=249191
[3] نص النووي كاملا في المجموع شرح المهذب – (5 / 298): قال الشافعي في الام ورأيت من الولاة من يهدم ما بني فيها قال ولم ار الفقهاء يعيبون عليه ذلك ولان في ذلك تضييقا على الناس. قال اصحابنا وان كان القبر في ملكه جاز بناء ما شاء مع الكراهة ولا يهدم عليه.اهـ ودمشقية كما ترى بتر قوله ” ولان في ذلك تضييقا على الناس …” وستعرف لماذا بتره.
[4] جاء في العزيز شرح الوجيز – للرافعي – (5 / 226): ويكره تجصيص القبر والكتابة والبناء عليه …. ولو بني عليه هدم إن كانت المقبرة مسبلة وإن كان القبر في ملكه فلا
وفي مغني المحتاج – (1 / 364): ( ولو بني ) عليه ( في مقبرة مسبلة ) وهي التي جرت عادة أهل البلد بالدفن فيها ( هدم ) البناء لأنه يضيق على الناس ولا فرق بين أن يبني قبة أو بيتا أو مسجدا أو غير ذلك
[5] ص155
[6] كحديث مسلم في صحيحه (2/ 667) عن أبي الزبير عن جابر قال * نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه.
[7] انظر : جهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية (3/ 1627)
[8] انظر: موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 276)
[9] حيث قال في إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (1/ 210): وكذلك القباب التى على القبور يجب هدمها كلها، لأنها أسست على معصية الرسول، لأنه قد نهى عن البناء على القبور كما تقدم. فبناء أسس على معصيته ومخالفته بناء غير محترم. وهو أولى بالهدم من بناء الغاصب قطعاً.وقد أمر رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم بهدم القبور المشرفة كما تقدم.
فهدم القباب والبناء والمساجد التى بنيت عليها أولى وأحرى، لأنه لعن متخذى المساجد عليها ونهى عن البناء عليها.اهـ