مقالات في التجسيم

هل الله تعالى مركب عند ابن تيمية؟

قال صديقنا العلامة أحمد زاهر في رسالته “قياس الأولى وأثره في فهم صفات الله بين الأشاعرة وابن تيمية”: ويدعي (أي ابن تيمية) أن إثبات لفظ الجسم ونفيه أيضاً بدعة وكذلك الأعضاء والجوارح وأنه يجب أن يستفصل القائل: إن الله ليس بجسم عن معنى كلامه، فإن المعنى فيه حق وباطل.

فمن قال: إن الله جسم وأراد بالجسم هذا المركب -أي: من الجواهر الفردة أو المادة والصورة- فهو مخطئ في ذلك، (ومن قصد نفي هذا التركيب عن الله؛ فقد أصاب في نفيه عن الله، لكن ينبغي أن يذكر عبارة تبين مقصوده.

ولفظ التركيب قد يراد به أنه ركبه مركب، أو أنه كانت أجزاؤه متفرقة فاجتمع، أو أنه يقبل التفريق، والله منزه عن ذلك كله.

وقد يراد بلفظ الجسم والمتحيز ما يشار إليه بمعنى أن الأيدي ترفع إليه في الدعاء، وأنه يقال: هو هنا وهناك، ويراد به القائم بنفسه، ويراد به الموجود. ولا ريب أن الله موجود قائم بنفسه، وهو عند السلف وأهل السنة ترفع الأيدي إليه في الدعاء، وهو فوق العرش. فإذا سمى المسمي ما يتصف بهذه المعاني جسماً؛ كان كتسمية الآخر ما يتصف بأنه حي عالم قادر جسماً، وتسمية الآخر ما له حياة وعلم وقدرة جسماً) (1) ..

ثم نازع (أي ابن تيمية) هؤلاء من حيث اللغة وورود الشرع فبدّعهم في إطلاق لفظة لم ترد وفي مخالفتهم للغة، ولم يَنتقد عليهم المعنى كما رأيت، وهو الذي حصل فيه الخلاف بين ابن تيمية والأشاعرة، ونلاحظ أن التركيب الذي نفاه ابن تيمية يشمل ثلاث أنواع منه وهي:

1 – التركيب بمعنى أن الله قد ركبه غيره.

2 – التركيب بمعنى أن أجزاءه كانت متفرقة فاجتمعت.

3 – التركيب بمعنى أن أجزاءه تقبل التفريق.

لكن التركيب أشمل من ذلك فهو يعم أيضاً المركب الذي لم يركبه أحد غيره ولا يقبل التفريق والجمع ولكن له أجزاء تقبل القسمة بالإمكان، وتنقسم بالوهم، ويشمل المركب الذي يشار إلى جزء منه إشارة مغايرة للإشارة إلى جزئه الآخر فهذا مركب أيضاً ولو في الذهن ويمكن قسمته بالوهم ونفرق بين أجزائه بالإشارة، ولم ينف ذلك ابن تيمية بل ذهب ينفي التركيب بمعان نتفق على بطلانها وانتفائها عن الله تعالى فقال: (فيقال لهم: أما كون الرب سبحانه وتعالى مركباً ركبه غيره؛ فهذا من أظهر الأمور فساداً، وهذا معلوم فساده بضرورة العقل. ومن قال هذا، فهو من أكفر الناس وأجهلهم وأشدهم محاربة لله، وليس في الطوائف المشهورين من يقول بهذا).

__________

(1) – مجموع فتاوى ابن تيمية، ص 419 – 420.

***********************

وكذلك إذا قيل: هو مؤلف أو مركب -بمعنى أنه كانت أجزاؤه متفرقة فجمع بينها كما يجمع بين أجزاء المركبات من الأطعمة والأدوية والثياب والأبنية- فهذا التركيب من اعتقده في الله؛ فهو من أكفر الناس وأضلهم؛ ولم يعتقده أحد من الطوائف المشهورة في الأمة. بل أكثر العقلاء عندهم أن مخلوقات الرب ليست مركبة هذا التركيب، وإنما يقول بهذا من يثبت الجواهر المنفردة.

وكذلك من زعم أن الرب مركب مؤلف بمعنى أنه يقبل التفريق والانقسام والتجزئة، فهذا من أكفر الناس وأجهلهم، وقوله شر من قول الذين يقولون: إن لله ولداً، بمعنى أنه انفصل منه جزء فصار ولداً له، وقد بسطنا الكلام على هذا في تفسير (قل هو الله أحد) وفي غير ذلك.

وكذلك إذا قيل: هو جسم، بمعنى أنه مركب من الجواهر المنفردة، أو المادة والصورة؛ فهذا باطل، بل هو أيضاً باطل في المخلوقات فكيف في الخالق سبحانه وتعالى؟! (1)

ومما يؤكد ذلك ما قاله ابن تيمية رداً على الإمام الرازي: (وإن قال: أريد بالمنقسم أن ما في هذه الجهة غير ما في هذه الجهة، كما يقال: إن الشمس منقسمة بمعنى إن حاجبها الأيمن غير حاجبها الأيسر، والفلك منقسم بمعنى أن ناحية القطب الشمالي غير ناحية القطب الجنوبي، وهذا هو الذي أراده، فهذا مما تنازع الناس فيه، فيقال له: قولك إن كان منقسماً كان مركّباً تقدم إبطاله وتقدم الجواب عن هذا الذي سميته مركباً وتبين أنه لا حجة أصلاً على امتناع ذلك، بل تبين أن إحالة ذلك تقتضي إبطال كل موجود، ولولا أنه أحال على ما تقدم لما أحلنا عليه، وتقدم بيان ما في لفظ التركيب والتحيز والتغير والافتقار من الاحتمال، وأن المعنى الذي يقصد منه بذلك يجب أن يتصف به كل موجود، سواء كان واجباً أو ممكناً، وأن القول بامتناع ذلك يستلزم السفسطة المحضة) (2).

__________

(1) – مجموع فتاوى ابن تيمية، ص 427 – 428.

(2) – بيان تلبيس الجهمية (1/ 32).

السابق
[1] هل صحيح أن الأشاعرة لم يهتموا ببيان الشرك في كتبهم ولا حذروا من عبادة غير الله، ولذلك وقعوا فيه؟
التالي
مسألة النزول وموقف الإمام الطبري منها، بحث ماتع ونافع وموسع في صفة النزول من رسالة دكتوراه أزهرية.