هل الإيمان قول وعمل

هل العمل جزء من الإيمان؟

[1] هل العمل جزء من الإيمان؟

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/636476936466332/

‘‘‘‘‘‘موقف ابن تيمية من مذهب الأشعرى (في الإيمان)
وعلى منوال ابن حزم نسج ابن تيمية , فادعى أن مذهب الشيخ الأشعرى فى الإيمان هو عين مذهب جهم بن صفوان , ثم ادعى أن الشيخ كان دائماً يميل إلى نصر أقوال أهل الحديث لكن على وفق الأصول التى تلقاها عن المتكلمين والفلاسفة؛ ولذا تراه فى النهاية يتبنى مذهباً مخالفاً للمحدثين وللأصوليين معاً، ويواصل ابن تيمية تحامله على الشيخ فيدعى أن القول بمذهب الأشعرى فى الإيمان الذى هو فى الحقيقة عين مذهب جهم كفرُ كما أفتى بذلك إمام السنة الإمام أحمد بن حنبل.
يقول ابن تيمية ” وأبو الحسن الأشعرى نصر قول جهم فى الإيمان مع كونه نصر المشهور عن أهل السنة من أنه يستثنى فى الإيمان, فيقول: أنا مؤمن إن شاء الله (1)، وهو دائماً ينصر قول أهل الحديث , لكنه لم يكن خبيراً به , فينصره على ما يراه هو من الأصول التى تلقاها عن غيرهم , فيقع فى التناقض الذى ينكره هؤلاء وهؤلاء …. ثم قال: واتبعه أكثر أصحابه على نصر قول جهم فى ذلك , ومن لم يقف إلا على كتب الكلام ولم يعرف ما قاله السلف وأئمة السنة فى هذا الباب: يظن أن ما ذكروه هو قول أهل السنة , وهو قول لم يقله أحد من أئمة السنة , بل قد كفر أحمد بن حنبل ووكيع (2) وغيرهما من قال بقول الجهم فى الإيمان الذى نصره أبو الحسن.” (3)
وقول ابن تيمية هذا مبنى على التحامل والتعصب وعلى عدم المعرفة بمذهب الشيخ فى الإيمان.

  • الموقف الثانى: توفيق السبكى بين مذهب الأشاعرة وبين مذهب السلف.
    بعدما شرح السبكى مذهبه فى الإيمان الذى هو فى الحقيقة مذهب الشيخ الأشعرى وأكثر المتكلمين من أهل السنة ودافع عنه , ورد على تحامل ابن حزم عمد إلى التوفيق بين مذهبه وبين العبارة التى يتناقلها السلف والخلف , وهى قولهم: الإيمان اعتقاد بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان , وهذا قول متواتر لا يسع أحداً إنكاره، وفى هذا المقام بين التاج السبكى أنه لا تناقض بين مذهبه وبين هذه العبارة ثم زاد الأمر إيضاحاً فذكر أن هذه العبارة المنقولة عن السلف مكونة من ثلاثة أجزاء: ـ

(1) راجع: الطبقات 1/ 91
(2) وكيع: هو وكيع بن الجراح, من أكابر العلماء العاملين , ولد سنة 129هـ ,كان يصوم الدهر , ويختم القرآن كل ليلة , توفى سنة 197هـ ودفن بطريق العراق حين رجع من الحج. *راجع: لواقح الأنوار للشعرانى 1/ 63 طـ المكتبة الشعبية
(3) مجموع فتاوى ابن تيمية 7/ 120


1 – الجزء الأول: قولهم (اعتقاد بالجنان): وهذه الجزئية لا إشكال فيها, فإنها متطابقة تماماً مع مذهب الشيخ الأشعرى, فإن نص مذهبه هو أن الإيمان تصديق بالقلب , فلا يتعارض مع هذه الجزئية. (1)
2 – الجزء الثانى: قولهم (إقرار باللسان): والمعنى به: التلفظ بالشهادتين والإعلان عن الإيمان , وليس فى هذه الجزئية إشكال معتبر, فالإقرار بمقتضى هذه العبارة المأثورة عن السلف ركن وجزء داخل فى ماهية الإيمان , وإلى هذا القول ذهب عبد الله بن سعيد والإمام أبو حنيفة وجمهور الماتريدية , وهو أحد الروايتين فى تفاريع المذهب الأشعرى. (2)
= أما التاج السبكى فيرى: أن الإقرار شرط لابد منه من القادرعليه, ولا يعتبر الإيمان بدونه. (3)
فالمحصلة واحدة , فالكل مجمع على أن الإقرارـ شرطاً كان أو شطراً ـ لابد منه , ولا يتحقق الإيمان بدونه، وإن كان الأقرب ـ فيما أرى ـ القول بأن الإقرار شرط خارج عن ماهية الإيمان لابد منه عند القدرة عليه ليصح إيمان الأخرس ومن اخترمته المنية قبل التمكن منه. (4)
3 – الجزء الثالث: (عمل بالأركان): وهذه الجزئية هى جُلُّ الإشكال فى هذه القضية؛ لأن جمهورالأشاعرة قد أخرجوا العمل عن ماهية الإيمان؛ لأن الإيمان اسم للتصديق القلبى ولا دليل على النقل أى: نقل لفظ الإيمان من معنى التصديق إلى كونه اسماً للأركان الثلاثة التى هى (التصديق، الإقرار، العمل) واستدلوا على ذلك بما يلى: ـ


(1) راجع: الطبقات 1//98 وقارن اللمع للأشعرى 122
(2) راجع: التوحيد 373,والتمهيد للنسفى 378, والأبكار 5/ 8 وشرح المقاصد 3/ 417, والفقه الأكبر لملا على القارى صـ 58
(3) راجع: الطبقات 1/ 87
(4) راجع: الطبقات 1/ 98


أ- الإجماع على عدم نفع الإيمان عند حلول العذاب، قال تعالى{يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ} الأنعام: 158
ب- الإجماع على امتناع إطلاق لفظ الكافر على تارك الأعمال , فمن ترك طاعة أو فعل معصية لا يقال إنه تارك للإيمان , فدل هذا على المغايرة بينهما
ج- الإجماع على أن الإيمان شرط فى صحة العبادات , والشرط غير المشروط.
د- وأيضاً: لو كان العمل جزءً من ماهية الإيمان للزم أن من زادت طاعاته
على طاعات النبيين أن يكون إيمانه أكمل من إيمانهم , وهذا ممتنع. (2)
هـ- وفوق كل ما تقدم: دلت النصوص الكثيرة على المغايرة بين الإيمان والعمل، ومن ذلك:
قوله تعالى {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا} (3)، وقوله تعالى {إِن الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ (((} (4)، فقد عُطِِف العمل على الإيمان، والعطف بينهما يقتضى المغايرة. (5)
و- إثبات الأمر والنهى بعد إثبات الإيمان , وذلك أن الأمر والنهى هو الموجب للعمل إقداماً وإحجاماً , فوروود الأمر والنهى بعد إثبات الإيمان دال على أن العمل ليس جزءً من ماهيته. (6)


(1) سورة الأنعام آية (158)، وراجع: تفسير ابن كثير 2/ 197
(2) راجع: الأبكار 5/ 20 ,21, وشرح المواقف 8/ 325 , وشرح المقاصد 3/ 432.
(3) سورة التغابن آية (9)
(4) سورة البينة آية (7)
(5) راجع: شرح المقاصد 3/ 342
(6) راجع: شرح المقاصد 3/ 432


ز- وكذلك أيضاً: دلت النصوص القطعية على جواز اجتماع الإيمان والمعصية ومن ذلك: قوله تعالى {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ (} (1)، وقوله عزوجل {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} الحجرات: 9
فمجموع هذه الأدلة دال على أن الأعمال خارجة عن مسمى الإيمان، وهذه النتيجة تتعارض مع العبارة المأثورة عن السلف، ولقد فهم البعض هذه الجزئية من مذهب الأشاعرة بصورة خاطئة , فظن أن مذهبهم يدعو إلى استبعاد العمل من كيان الإيمان وإهمال قيمته, ويعتبره كماً مهملاً , وبذلك يتحول العمل من كونه ثمرة للتصديق القلبى والإذعان القولى وبرهاناً عليه إلى عمل مضاد , ويتحول الإيجاب إلى سلب، وظن الظانون أن مذهب أهل السنة مشعر بقلة الاكتراث بالطاعة أو المعصية، ودعوة صريحة إلى حياة التحرر والانحلال من آداب الشرع وشعائره. (3)
ولقد زاد البعض فأطلق العنان للسانه وقلمه فوصف جمهور أهل السنة بأنهم جهمية مرجئة بسبب مذهبهم فى الإيمان , وزاد ابن تيمية الأمر سوءً فوصف القائلين بمذهب الأشاعرة فى الإيمان بالكفر؛ لأن قولهم هو عين قول جهم , وقول جهم كفر. (4)


(1) سورة الأنعام آية (82)
(2) سورة الحجرات آية (9)
(3) راجع: من العقيدة إلى الثورة 5/ 81
(4) راجع: الفتاوى لابن تيمية 7/ 120


  • ولقائل أن يقول: سلمنا جدلاً بأن الأعمال ليست جزءً من ماهية الإيمان , ولكن محل السؤال هنا عن مدى معقولية صدور المعاصى من المؤمن مع علمه بضررها فى الدنيا والأخرة , ولعل ذلك يقرب من قول سقراط ” الفضيلة المعرفة ” فإن معرفة الفضائل باعث على فعلها (1)، ولقد صوَّر العلامة ابن خلدون هذه الفكرة تصويراً رائعاً , فجعل تمكن الإيمان فى النفس وصيرورته ملكة راسخة فيها مانعاً من إتيان المعاصى , غير أن ابن خلدون تسامح فى اللفظ فسمى هذه الحالة (عصمة من المرتبة الثانية) أو (عصمة بالتبعية) (2) * ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن الإنسان إذا كان مؤمناً وتعرض لإغراء المعصية فإنه يتزاحم على خاطره حالان: الإيمان القديم , والرغبة الناشئة عن هذا الإغراء , فإذا غلب الإيمان ارتدت الرغبة الآثمة إلى منطقة اللاوعى , ويبقى الإيمان وحده، فيحركه نحو الفضيلة , وإذا كان العكس صار الإيمان مغلوباً، والميل إلى المعصية غالباً، وبالتالى يتحرك الإنسان نحو المعصية, وبهذا التفسير المستلهم من علم النفس الحديث يمكننا تفسير صدور المعصية من المؤمن. (3)
  • أقول: وإذا ما عدنا إلى نقد البعض للمذهب الأشعرى بشأن إخراج العمل عن ماهية الإيمان وجدناه ينضوى على كثير من المغالطات , فإن الأشاعرة لم يهملوا قيمة العمل , بل دعوا إليه واعتبروا أن تاركه فاسق أمره إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه , ولكنه ليس خارجاً عن بوتقة الإيمان لاستجماعه حقيقة الإيمان التى هى تصديق القلب. (4)

(1) راجع: الأشعرى للدكتور حمودة غرابة 179, 180
(2) راجع: المقدمة 324
(3) راجع: أبا الحسن الأشعرى للدكتور / حمودة غرابة صـ 180،179
(4) راجع الإرشاد صـ 159،158


فتصوير المذهب الأشعرى فى هذه الجزئية على أنه دعوة إلى الانحلال والتحرر من شعائر الدين, أو أنه إسقاط للعمل بالكلية , أو أنه إحياء لفكر المرجئة والجهمية تفسير يحركه التعصب، كما أنه ينضوى على بغض شديد للمذهب الأشعرى , ففرق شاسع بين قولهم بأن العمل ليس جزءً من ماهية الإيمان , وبين فهم الخصوم لمذهبهم على أنه إسقاط للعمل بالكلية.’’’’’

كذا في: الجانب العقدي لتاج الدين السبكي وموقفه من السلفية والمعتزلة (1/ 32)، “رسالة دكتوراه “؛ إعداد الباحث /عواد محمود عواد سالم

وانظر السابق:

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/521527921294568/

السابق
هل الرافعي أعلم بالحديث من النووي ؟
التالي
(هل العمل جزء من الإيمان)