هل الإيمان قول وعمل

(هل العمل جزء من الإيمان)

(هل العمل جزء من الإيمان)
‘‘‘‘ثانياً: العلاقة بين الإسلام والإيمان عند السبكى.
يرى التاج السبكى أن الإسلام مغاير للإيمان ,وهذا مبنى على تحديده لمفهوم
كلاهما , فالإيمان عنده هو الجانب العلمى المختص بالتصديق والاعتقاد القلبى؛ والإسلام هو الجانب العملى المختص بالأعمال إقداماً وإحجاماً , ومع تغاير
مفهومهما إلا أنها متلازمان؛ إذ أن الانقياد لازم الإيمان وثمرته.


(1) راجع: الطبقات 1/ 127, والابهاج 1/ 282
(2) راجع: الطبقات 1/ 127


ولقد دعم السبكى مذهبه هذا بأمرين:-
الأمر الأول: نقده لمذهب المخالفين: ذهب جمع من الماتريدية والمعتزلة إلى أن الإسلام مرادف للإيمان , وهما اسمان لمسمى واحد.
ومعنى ترادفهما واتحادهما عدم انفكاك أحدهما عن الأخر بحسب المفهوم , فلا
يوجد انقياد باطني بلا انقياد ظاهري كما كان لأهل الكتاب ,وكما وجد لأبي طالب
حال الخطاب , وكما صدر لأبليس حال العتاب , ولا يصح الإسلام بدون إيمان
, ولكن قد يتقدم الإسلام على تحقق الإيمان, فبان بذلك أن الإسلام والإيمان شئ
واحد. (1)
وقد خص السبكى المعتزلة بالنقد فى هذه المسألة لاعتقاده أنهم خصومه فى
هذه المسألة , أما جمهور الماتريدية فقد بين سابقاً أن مذهبهم هو أن الإيمان
تصديق وإقرار، والعمل خارج عن مسماه, وهذا يدانى مذهب ابن كلاب، وفى هذا
الإطار فقد نقل السبكى أدلة المعتزلة على مذهبهم وردَّ عليها وذلك فيما يلى: –
أـ استدل المعتزلة على مذهبهم بأنه لو كان الإيمان غير الإسلام لم يقبل من
مبتغيه لقوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} (2)، واللازم باطل. (3)
يقول القاضى عبد الجبار ” بيَّن الله تعالى بقوله {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} أن الدين كله هو الإسلام ,والإسلام هو الدين, وإن ما عدا ذلك ليس من الدين والإسلام , وبين أن كل من ليس بمسلم من الخاسرين فى الأخرة. (4)


(1) راجع: شرح الفقه الأكبر 89,90
(2) سورة آل عمران آية (85)
(3) راجع: شرح المقاصد 3/ 444,والإبهاج 1/ 282
(4) تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضى عبد الجبار 64 طـ دار طلاب المعرفة


وقد صور السبكى شبهتهم هذه مبيناً أنها مبنية على دعواهم أن الإيمان هو العبادات، يقول السبكى ” واستدلت المعتزلة بأن الإيمان لغة هو التصديق , وهذا لا نزاع فيه، وفى الشرع العبادات , فكان حقيقة شرعية فيها؛ لأن العبادات هى الدين المعتبر لقوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} (1)
وأشار إلى ماسبق من العبادات , فالدين هو الإسلام لقوله {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} (2)، والإسلام الإيمان وإلا لم يقبل من فاعله بدليل قوله تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)} , والإيمان مقبول, فكان هو الإسلام فثبت أن الإيمان هو العبادات.
هذا تقرير شبهتهم فاعتمده , وهى مبنية على ما يدعونه من أن الإيمان العبادات وعندنا التصديق , وهل النطق بالشهادتين شرط فى الاعتداد به أو ركن؟
لأصحابنا فيه تردد”. (3)


(1) سورة البينة آية (5)
(2) سورة آل عمران آية (19)
(3) رفع الحاجب 1/ 405


فالإيمان عند المعتزلة هو العبادات , والإيمان هو الدين ,والدين هو الإسلام ,فدل هذا على أن الإيمان والإسلام شئ واحد، وقد رد السبكى على هذا الدليل مستعيناً بقواعد اللغة العربية , فقد بين السبكى فى رده أن لفظة ذلك (اسم الإشارة) فى قوله تعالى {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } مفرد , فلابد أن يكون المشار إليه مفرداً , ألا ترى أنه يصح أن تقول هذا الرجل, ولايصح قولك هؤلاء الرجل إشارة إلى القريب , كما يصح أن تقول ذلك الرجل، ولايصح قولك: أولئك الرجل إشارة إلى البعيد، كما أن اسم الإشارة (ذلك) فى الآية يشير إلى البعيد , والبعيد هنا هو الإخلاص لا الأعمال , ولما كان الإخلاص هو لب التصديق القلبى وعماده كانت هذه الآية مؤيدة لقول أهل السنة بأن الإيمان هو التصديق , وهكذا يستطيع السبكى بكل براعة قلب هذا الدليل عليهم , ويجعله دالاًعلى مدعاه. (1)
يقول السبكى ” ولك أن تعترض الشبهة بأن “ذلك” لا يعود إلى جميع ما تقدم, فإن
اسم الإشارة مفرد , فلا بد من عوده إلى شئ واحد وذلك للبعيد , والبعيد هنا
الإخلاص , فإذن الآية لنا عليهم؛ إذ أن مدعانا أن الإيمان الإخلاص فاعتمد هذا
الاعتراض بهذا التقرير” (2)
………


(1) راجع: رفع الحاجب 1/ 405, و شرح كافية ابن الحاجب لابن جماعة 205 طـ دار المنار
(2) راجع: رفع الحاجب 1/ 405


ب- واحتجت المعتزلة ثانياً على أن الإسلام هو الإيمان: بأن الله تعالى استثنى المسلمين من المؤمنين, قال تعالى {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ } (4)، والمستثنى من جنس المستثنى منه, فالإسلام من جنس الإيمان. (5)


(4) سورة الذاريات الآيتان (36,35)
(5) راجع: تنزيه القرآن عن المطاعن صـ 333, والكشاف للزمخشرى 4/ 284,وقارن: رفع الحاجب للسبكى 1/ 407، وشرح المقاصد 3/ 444


وأجيب عن هذا: بأنه لا يشترط فى الاستثناء أن يكون المستثنى من جنس المستثنى منه، بل يكفى لصحة الاستثناء الإحاطة والشمول بحيث يدخل المستثنى تحت المستثنى منه , ومعنى هذا أنه لا يشترط المساواة التامة فى المفهوم بين طرفى الاستثناء , بل يصح الاستثناء مع كون المستثنى منه أعم من المستثنى , فالتغاير بين مفهوم الإيمان والإسلام ظاهر وقائم مع صحة الاستثناء. (1)
أما السبكى فلم يحرر جواباً عن هذا الدليل , وإنما أورد عليه اعتراضاً وأجاب عنه ومفاده: قد يقول قائل: أين الاستثناء الذى تزعمه فى الآية، وليس فيها أداة الاستثناء (إلا) , فليس هنا إلا لفظة (غير) , وهى ظاهرة فى … الوصفية؟
وأجاب السبكى عن هذا: بأن غير هنا بمعنى إلا؛ إذ لو كانت على ظاهرها فى الوصفية لاختل المعنى , فيكون تقدير الكلام: فما وجدنا فيها المغاير لبيت المؤمنين, فيكون المنفى إذ ذاك بيوت الكفار, وهو باطل؛ لأنه وجد فيها … بيوتهم. (2)
يقول السبكى:” فإن قلت أين الاستثناء , وليس هنا إلا لفظة غير , وهى ظاهرة فى الوصفية؟
قلت: هى هنا بمعنى إلا؛ لأنها لو كانت على ظاهرها لكان التقدير فما وجدنا
فيها المغاير لبيت المؤمنين , فيكون المنفى إذ ذاك بيوت الكفار , وهو باطل؛ لأنه وجد فيها بيوتهم , فتقرر أنه استثناء مفرغ ,فيحتاج إلى تقدير شئ عام منفى يكون


(1) راجع: شرح المقاصد 3/ 444,وحاشية العصام على شرح النسفية 2/ 228,وحاشية أحمد ومنهواته على حاشية الخيالى على شرح العقائد النسفية 4/ 128.
(2) راجع: الإبهاج 1/ 283


هو المستثنى منه , ولابد من تقييد ذلك العام بكونه من المؤمنين , وإلا يلزم انتفاء بيوت الكفار، وقد عرفت ,بطلانه فيكون تقدير الآية ـ والله أعلم ـ: فما وجدنا فيها أحداً من المؤمنين إلا أهل بيت من المسلمين – أى: منهم – ويكون قد أوقع الظاهر موقع المضمر، وبهذا التقرير: يصح الاستثناء بـ (غير) التى هى بمعنى إلا , وإلا اختل المعنى” (1).
وبعدما أتم السبكى تقرير دليلهم على ما أرادوه , ودفع عنه الاعتراض الذى قد يخل بدلالته على المطلوب: تكلم عليه, وركز على التفرقة بين الاسم والوصف , فلا يلزم من كون الوصفين مترادفين أن يكون الاسمان اللذان اشتققنا منهما الوصفين كذلك , فلا يلزم من كون المسلم مؤمناً أن يكون الإسلام هو الإيمان (2) , وفى ذلك يقول السبكى ” ولك أن تقول: إن غاية ما تدل عليه الآية أن المسلم مؤمن , ولا يلزم من ذلك كون الإسلام هو الإيمان؛ لصدق الضاحك كاتب وكذب الضحك كتابة.” (3)
نقد السبكى لادعاء المعتزلة أن الإيمان هو العبادات
بعدما أتم السبكى الكلام على أدلة المعتزلة وبين من خلال مناقشته لهم انبناء أدلتهم على فكرة اعتبار الإيمان هو العبادات: عمد هنا إلى نقد هذه الفكرة ليسقط الأصل الذى يقوم عليه مذهبهم فى هذه القضية. (4)


(1) الإبهاج: 1/ 283
(2) راجع: رفع الحاجب 1/ 407
(3) راجع: رفع الحاجب 1/ 407
(4) راجع: رفع الحاجب 1/ 405,406


فمذهب المعتزلة قائم على أن الإيمان هو العبادات , واستدلوا على ذلك بأن قالوا: لو لم يكن الإيمان هو العبادات وكان عبارة عن التصديق فقط لكان قاطع الطريق مؤمناً؛ لأنه مصدق , وليس بمؤمن؛ لأنه مخزى بدخول النار قال تعالى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (1) , والعذاب العظيم يشتمل على دخول النار, وكل من يدخل النار فهو مخزى بدليل قوله {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ} (2) , والمؤمن لايخزى لقوله {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ} (3)، فقاطع الطريق ليس بمؤمن مع تصديقه , فإذن: الإيمان هو العبادات. (4)

  • وقد يستدل على هذا المطلوب بوجه آخر فيقال: لو لم تكن العبادات هى الإيمان لكان الزانى والسارق مؤمنين , لكنهما ليسا بمؤمنين لقوله صلى الله عليه وسلم: (لايزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) (5) مع أنهما مصدقان. (6)

(1) سورة المائدة آية (33)
(2) سورة آل عمران آية (192)
(3) سورة التحريم آية … (😎
(4) راجع: رفع الحاجب 1/ 408 بتصرف
(5) الحديث أخرجه: أحمد فى المسند 4/ 352 برقم (19125)،والدارمى فى سننه 2/ 156 برقم (2106)، والطبرانى فى الأوسط 5/ 81 برقم (4732)
(6) راجع: رفع الحاجب 1/ 409


  • وأجاب السبكى عن استدلالهم بالآية: بأن قوله تعالى {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ} ليس عاماً فى كل المؤمنين؛ لأنه خص فيه المخاطبين بالمعية , فكان للصحابة خاصة , أويقال: إنه كلام مستأنف , ويكون الذين مبتدأ خبره نورهم يسعى بين أيديهم , وليس مراده من كونه مستأنفاً أنه غير معطوف , بل إنه من عطف الجمل , فإن العطف موجود على كلٍ سواء كان مستأنفاً أم لم يكن , ولكن هل هو من عطف الجمل أو المفردات؟ فى هذا نظر. (1)
    ب- الأمر الثانى: الذى دعم به السبكى مذهبه
    ننتقل مع التاج السبكى إلى ثانى الأمور التى دعم بها السبكى مذهبه فى مغايرة الإسلام للإيمان , ويتمثل هذا الأمر في……’’’’ انتظره
    كذا في: الجانب العقدي لتاج الدين السبكي وموقفه من السلفية والمعتزلة (1/ 32)، “رسالة دكتوراه “؛ إعداد الباحث /عواد محمود عواد سالم
    وانظر السابق:
  • https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/643141882466504/
السابق
هل العمل جزء من الإيمان؟
التالي
كلام الإمام الحافظ الحجة شيخ الإسلام الإسماعيلي في أن عقيدة أهل الحديث في إثبات نصوص الصفات مع نفي الجوارح والأعضاء عن الباري عزوجل، وتحته انتقاد المحقق المجسم لكلامه واتهامه بأن كلامه باطل مردود!!