من مغالطات التيمية لأجل حشو التجسيم!
س: قال ابن تيمية الحراني محاولا نسبة الفوقية بالجهة والمكان لربه..ما نصه: ((دَلَالَةُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى إثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَأَنَّهُ نَفْسُهُ فَوْقَ الْعَرْشِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ؛ كَقَوْلِهِ: {إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} وَقَوْلِهِ: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إلَيْهِ} وَقَوْلِهِ: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إلَيْهِ} وَقَوْلِهِ: {إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ}. وَقَدْ قِيلَ: إنَّ ذَلِكَ يَبْلُغُ ثَلَاثَمِائَةِ آيَةٍ وَهِيَ دَلَائِلُ جَلِيَّةٌ بَيِّنَةٌ مَفْهُومَةٌ: مِنْ الْقُرْآنِ مَعْقُولَةٌ: مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى))!!! [مجموع الفتاوى (224/5)]؟.
ج: أن يقال:
• قال الفخر الرازي: ((الْمُشَبِّهَةُ احْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ} [لمائدة:158] فِي إِثْبَاتِ الْجِهَةِ؟.
وَالْجَوَابُ: الْمُرَادُ الرَّفْعُ إِلَى مَوْضِعٍ لَا يَجْرِي فِيهِ حُكْمُ غَيْرِ اللَّه تَعَالَى كَقَوْلِهِ: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [الْبَقَرَةِ: 210]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النِّسَاءِ: 100]، وَكَانَتِ الْهِجْرَةُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي} [الصَّافَّاتِ: 99]))[التفسير الكبير (262/11)].
• وقال أيضا: ((قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات:99] يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ تَمَسُّكِ الْمُشَبِّهَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فَاطِرٍ: 10]؛ لِأَنَّ كَلِمَةَ “إِلَى” مَوْجُودَةٌ فِي قَوْلِهِ: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات:99] مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ الْإِلَهُ مَوجُوداً فِي ذَلِكَ المَكَانِ، فَكَذَلِكَ هَا هُنَا)) [التفسير الكبير (345/26)].
• وقال: ((السُّؤَالُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُشَبِّهَةَ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ: {فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ} [فصلت:38] فِي إِثْبَاتِ الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ لِلَّهِ تَعَالَى؟.
وَالْجَوَابُ: أَنَّهُ يُقَالُ: “عِنْدَ الْمَلِكِ مِنَ الْجُنْدِ كَذَا وَكَذَا”، وَلَا يُرَادُ بِهِ قُرْب المَكَانِ، فَكَذَا هَا هُنَا. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ [: “أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي” [=الحديث]، “وَأَنَا عِنْدَ الْمُنْكَسِرَةِ قُلُوبُهُمْ لِأَجْلِ”، {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ}[القمر:55]. وَيُقَالُ: عِنْدَ الشَّافِعِيِّ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يقْتل بالذَّمِي)) [التفسير الكبير (566/27)].
• وقال: ((احْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي مَكَانٍ، إِمَّا فِي الْعَرْشِ أَوْ فَوْقَهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} [المعارج:4] مِنْ وَجْهَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَوْصُوفٌ بِأَنَّهُ ذُو الْمَعَارِجِ وَهُوَ إِنَّمَا يَكُونُ كَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي جِهَةِ فَوْقٍ.
وَالثَّانِي: قَوْلُهُ: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] فَبَيَّنَ أَنَّ عُرُوجَ الْمَلَائِكَةِ وَصُعُودَهُمْ إِلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ تَعَالَى فِي جِهَةِ فَوْقٍ؟.
وَالْجَوَابُ: لَمَّا دَلَّتِ الدَّلَائِلُ عَلَى امْتِنَاعِ كَوْنِهِ فِي الْمَكَانِ وَالْجِهَةِ؛ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنَ التَّأْوِيلِ، فَأَمَّا وَصْفُ اللَّهِ بِأَنَّهُ ذُو الْمَعَارِجِ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْوُجُوهَ فِيهِ، وَأَمَّا حَرْفُ “إِلَى” فِي قَوْلِهِ: {تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:4] فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْمَكَانَ بَلِ الْمُرَادُ: انْتِهَاءُ الْأُمُورِ إِلَى مُرَادِهِ، كَقَوْلِهِ: {وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ} [هُودٍ: 123]. الْمُرَادُ: الِانْتِهَاءُ إِلَى مَوْضِعِ الْعِزِّ وَالْكَرَامَةِ، كَقَوْلِهِ: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي} [الصَّافَّاتِ: 99]، وَيَكُونُ هَذَا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ دَارَ الثَّوَابِ أَعْلَى الْأَمْكِنَةِ وَأَرْفَعُهَا)) [المعارج:639/30].