أدب ومُلح وطرائف

من لطائف النحاة: (زيد قائم) وما فيها من مباحث منطقية، وكلامية، وفلسفية!!

|| من لطائف النحاة: (زيد قائم) وما فيها من مباحث منطقية، وكلامية، وفلسفية!!

قال جلال الدين السيوطي تـ909هـ في [بغية الوعاة] (1 /99) -في ترجمة شيخه محمد بن سليمان الكافيجي تـ879هـ-، ما نصه:

[قال لي يوماً أعرب: “زيد قائم”، فقلت: قد صرنا في مقام الصغار، ونسأل عن هذا!

فقال لي: في “زيد قائم” مائة وثلاثة عشر بحثاً.

فقلت: لا أقوم من هذا المجلس حتى أستفيدها، فأخرج لي تذكرته فكتبتها منها].

•قلتُ:

علق عليه أمير البيان شكيب أرسلان تـ1366هـ في حواشيه على [تاريخ ابن خلدون] (138): [وما سبقنا الأوربيون في المعارف العمرانية والوسائل المادية إلا بكثرة اشتغالنا بزيد قائم إلى الحد الذي يخرج عن اللزوم، بينما كانوا يقضون أوقاتهم بالعلوم الرياضية، والتجارب الطبيعية المفيدة، وهكذا تفوقوا وتغلبوا علينا].

أولاً:

استنكره بعضٌ؛ إذ لا تعارض بين قيام أناسٍ بالعلوم الدينية، وآخرون بالدنيوية، مع إمكان الجمع بينهما، وقد حصل كثيراً.

والحق: لم يكن الأديب الكبير شكيب أرسلان معارضاً لـ الانتاج المعرفي -كما يتوهم!-:

-فقد قيد كلامه بـ[الحد الذي يخرج عن اللزوم]، وسبقه آخرون على مر التاريخ قديماً وحديثاً، -وقد علم كل أناس مشربهم! -، ويطالع مقال الأديب مصطفى المنفلوطي تـ1924م الموسوم بـ(زيد وعمرو) -وسجن النحاة لـ أجلها- ضمن [النظرات] (1 /26) له، ففيه حكاية ظريفة، ووصايا عزيزة، وأعمق عبارة فيه، قوله: [ويلٌ للعلم من العلماء].

-ولما صنف شكيب تـ1366هـ كتابه الموسوم بـ[لماذا تأخر المسلمون؟ ولماذا تقدم غيرهم] ساق أول عقبةٍ لـ(تخلف الركب)= الجهل عموماً، ونقص العلم خصوصاً، وتأثير العقائد على تصرفات المسلمين كـ(الجبر)!

وقال كلمته الرائعة (42): [فقد أضاع الإسلام جاحد وجامد] فـ الجاحد يأبى إلا أن يفرنج المسلمين حيث لا يعتز بمدينة دينه، وجامد على العلوم الشرعية لا يشتغل بما سواها، ولا يستحدث تطوراً في أصول التعليم والتقدم المعرفي.

-اشتمل تصنيفه السابق: (75-80) تفنيداً لـ(زعم!) بعض الجاحدين ممن يرجع مبدأ تأخر تقدم المسلمين إلى المدنية الإسلامية مع مقارنة لـ مشاهير الحضارات السابقة، والأمم السالفة.

ثانياً:

لم يكن مقصد الكافيجي تـ879هـ بـ قوله هذا: [في “زيد قائم” مائة وثلاثة عشر بحثاً] تعداد الوجوه في إعرابها؛ وإنما إشارات بحثية في مختلف المسائل: منطقية، وكلامية، وفلسفية، أوردها السيوطي تـ911هـ في [الأشباه والنظائر] (4 / 271-278) -كلها-.

فهو أوسع حتى من استنباطات دحلان تـ1304هـ في رسالته: (إعراب: “جاء زيد” وفيما يتعلق بهذا التركيب من سائر العلوم).

وساق السيوطي تـ911هـ في [الأشباه والنظائر] (3/ 140) أعظم مما تقدم: مسألة ابن العريف تـ376هـ (ضربَ الضّاربُ الشّاتمُ القاتِلُ محبك وادك قاصدك معجبا خالدا في داره يومَ عيدٍ) التي بلغ عدد وجوه إعرابها إلى: (2721600)، وجعلها الصفدي تـ764هـ في [الوافي] (12/ 184): (272068) واستوف الكلام عليها في [تذكرته] -كما قال-، وهي من الفضول الذي قامت مقاصد ابن مضاء القرطبي تـ592هـ في [الرد على النحاة] (80-83) على نبذها!

ثالثاً:

عدَّ أئمة الشأن ما يشبه -أو يقارب- إفادات الكافيجي تـ879هـ من الغريب عن الصناعة؛ إذ وظيفته لا تتعلق بشيء منها، ولهذا عاب اللغوي الفيلسوف ابن السيد البطليوسي تـ521هـ في [رده على ابن باجة] (258/مجموع الرسائل) إدخاله صناعة المنطق في توجيه إعرابٍ اختلفا عليه، وردَّه إلى:

-جهل المتكلم بـ(الصناعة).

-أو قصد المغالطة والاستراحة بالانتقال إلى صناعة أخرى إذا ضاقت عليه طرق الكلام.

فـ عادة من أحب علماً وألفه: مزج العلوم الأخرى به، إذ الفطام عن المألوف من الشديد على الشراح؛ كما أفاده الغزالي تـ505هـ في [المستصفى] (1/ 10)، والطوفي تـ716هـ [شرح البلبل] (1/ 83)، وذم أبو حيَان الأندلسي تـ745هـ في [تذكرة النحاة] (691) كتاب فخر الدين الرازي تـ606هـ (المحرر في النحو) لـ ابتعاده عن مقاصد النحاة، وحكى القدح فيه عن شيخه النحوي أحمد الغرناطي تـ708هـ؛ فـ انظره.

محمود أبو حيَان

•|[ كُنَّاشَةُ المَنْهُومِ المُسْتَهَامِ ]|•

السابق
هات مسألة أو صفة من الصفات المتشابهة وتكلم فيها الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ حصرا وفسروها وبينوها وأجمعوا عليها ثم خالفهم الأشاعرة والماتريدية(مناظرة)
التالي
•||مزج الشروح بـ:(كافة العلوم) -لمن كان في الابتداء- طريقة منحرفة المزاج عقيمة من الانتاج(منقول)