مقولة: “القول في بعض الصّفات كالقول في البعض الآخر” لا تصح..
يقول الدكتور محمد عيّاش الكبيسي في كتابه [ “الصفات الخبريّة عند أهل السنة والجماعة”، صفحة 122 ]، وهو ينتقد مقولة “القول في الصفات واحد” ويستعرض الفوارق الجليّة بين الصفات الخبرية وغيرها، ما نصه :((وهذا الأصل لا يمكن أن يستقيم أبداً، لأنّ الباحث في نصوص الصفات يجد بوضوح الفروق الآتية:
(1) الصفات غير الخبريّة كلّها ثابتة بالسمع مع العقل، بخلاف الصفات الخبرية التي طريق ثبوتها الخبر الـمُجرّد، وهذا أمرٌ متّفقٌ عليه عند الجميع، وهذا لوحده كافٍ في الرّد على هذا الأصل، فإذا اقترن بذلك أنّ العقل يُعارض ظاهر الخبر – كما يرى أهل التأويل – بَانَ الفرق الأوسع.
ولنأخذ مثالاً على هذا :
كون الله قادراً، هذا ثابتٌ بالعقل، فالعقل لا يتصوّرُ إلـهاً عاجزاً، وثابتٌ بالنّقل أنّ الله على كلّ شيءٍ قدير.
وأما اليدان، فعلى أقلّ تقدير يتّفق عليه الجميع أنّ العقل لا يُدرك هذه الصفة.
لكن بالنّظر العقلي الـمُجرّد قد يصلُ الإنسان إلى نفي ذلك عن الله، لأنّ العقل حاكمٌ على اليد أنّها صفة الحيوان، يستعينُ بها على أداء أعماله، فهي دليل عجزه، بدليل أنّ الأشل أو الأقطع لا يستطيع أداء عمله كما يُريد، فاليد جاءت لتكَمِّل نقصاً ذاتيًّا في الحيوان، فلماذا تكون للفعَّال الـمُطلق يد ؟
ثمّ اليد دليل التركيب في الذّات، وهذا أمارة الحدث، لافتقاره إلى الـمُركِّب أو الـمُخصِّص.
فإن قيل : إنّ اليد ليست هي العضو المعروف في الحيوان، ولكنّها يد تليق بالله.
قيل : العقل لا يعرف غير هذه اليد بمعناها المعروف في الحيوان، وأمّا اليد التي تقولون عنها : تليق بذات الله، فإنّ كانت تُفيد التركيب فعلى أيّ صفةٍ كانت فهي لا تليق بالله، لأننا لم نَنْفِ اليد المعروفة إلاّ لأنّها تُفيدُ التركيب.
وإن كانت لا تُفيدُ التركيب، فهذا هو قول الـمُؤَوِّلين، لأنّهم قالوا : الله يخلق بقدرته، فحينما يرد مثلاً : أنّ الله خلق الأنعام وبنى السماء بيده، قال جلّ جلاله : { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ } [ يس : 71 ]، وقال المولى سبحانه : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } [ الذاريات : 47 ]، وقد اتفقنا هنا أنّ اليد ليست عضواً، وإنّما هي صفة يقدِر الله بها على الخلق، فلا أقرب لمعنى هذه اليد من القدرة.
(2) إذا جعلنا الدّليل العقلي بجانب، واتجهنا إلى دراسة الأدلّة السّمعية في الصفات، فإنّنا سنجدها مُختلفة.
فأغلب الصفات التي دلّ العقل على وجوبها جاءت في النّقل مقصودة لذاتها، وربما مُقترنة بصيغة الأمر بالإيمان بها : { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ } [ محمد : 19 ]، { وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة : 223 ]، وهكذا في الإرادة والسمع والقدرة ونحوها.
بينما أغلب النّصوص في الصّفات الخبرية لم تأتِ لتقرير صفةٍ لله، أو الأمر بالإيمان بها، وإنّما يتكلّم الله سبحانه عن سفينة نوح ويصفُ سيرها فيقول جلّ جلاله : { تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ } [ القمر : 14 ]، وتكلّم الله عن الإنفاق وسعته عند الله فيقول عزّ وجلّ : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } [ المائدة : 64 ]، ولم يأتِ أبداً نصٌّ يقول : آمِنُوا أنّ الله له عينٌ أو اعلَمُوا أنّ الله مُتَّصفٌ باليدين.
بينما تجد التأكيد على الصفات الأخرى، حتى كان من أسلوب القرآن المعروف أن يختم آياته بتقرير تلك الصفات : { وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ المائدة : 120 ]، { وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ]، { وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ إبراهيم : 4 ]، { وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ البقرة : 29 ]، بينما لم يرد : وهو الذي له يدان ونحوهما.
وخلاصة الأمر أنّ الصفات غير الخبرية سيق لها نصّ أصَالَةً، وأغلب الصفات الخبرية لم يُسَق النّص لها، وإنّما ذكرت في النّص عَرضاً، والفرق بين الحالتين معروف في كتب الأصول، فافترقت الخبرية عن غيرها من هذا الجانب، وهو في غاية الأهميّة، والله أعلم.
(3) اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات غير الخبرية يُعطيها قوة تفتقر إليها الصفات الخبرية.
وعلى سبيل المثال : الله قديرٌ وهو مُتّصفٌ بالقدرة، وعليمٌ وهو مُتّصفٌ بالعلم، وسميعٌ وهو مُتّصفٌ بالسمع، وهكذا.
بينما أغلب الصفات الخبرية لَم تشتق منها أسماء الله عزّ وجلّ، فَلَم يُسَمِّ الله نفسه مَاكِراً أو مُستهزئاً
أو مُخادعاً أو مُترَدِّداً أو مُستوياً أو النَّازِل أو الآَتِي ونحوهما، وهذا فارِقٌ آخر لا يقلّ أهميّةً عن سابقيْه.
(4) شيوع الخلاف في الصفات الخبرية عند أهل السنة والجماعة، بل وعند السلف، كما نقل ابن تيمية لنا اختلاف الصحابة في تأويل الساق، وكما اختلف هو وتلميذه ابن القيّم في تأويل الوجه، مع عدم وجود أيّ خلافٍ يُذكر في غير هذه الصفات، لا عند السلف ولا عند غيرهم من أهل السنة، دليلٌ على وجود فرق بين هذه الصفات وتلك، فكيف إذاً يُسلّم لابن تيمية هذا الأصل)).انتهى
https://www.facebook.com/100006739351796/posts/3233803860187561/