الاجتهاد والتقليد واللامذهبية عند الوهابية

ما أقل الفقه في أصحاب الحديث (منقول)

ما أقل الفقه في أصحاب الحديث

قال محمد بن يزيد المستملي: سألت أحمد بن حنبل عن – شيخه – عبد الرزاق – صاحب
المصنف المطبوع في أحد عشر مجلدا -: أكان له فقه؟ فقال: ما أقل الفقه في أصحاب الحديث (كما في ترجمة (محمد بن يزيد المستملي) في “طبقات الحنابلة” لابن أبي يعلى 329: 1).
وجاء في “تقدمة الجرح والتعديل” لابن أبي حاتم (ص 293)، في ترجمة (أحمد بن حنبل)، وفي “مناقب الإمام أحمد” لابن الجوزي (ص 63)، وفي “تاريخ الإسلام” للذهبي – مخطوط – من طريق ابن أبي حاتم، في ترجمة (أحمد بن حنبل) أيضا، ما يلي:
“قال إسحاق بن راهويه: كنت أجالس بالعراق أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وأصحابنا، فكنا نتذاكر الحديث من طريق وطريقين وثلاثة، فيقول يحيى بن معين من بينهم: وطريق كذا، فأقول: أليس قد صح هذا بأجماع منا؟ فيقولون: نعم، فأقول: ما مراده؟ ما تفسيره؟ ما فقهه؟ فيبقون – أي يسكتون مفحمين – كلهم! إلا أحمد بن حنبل”. انتهى.
[كبار الحفاظ الأقدمين وحدود معرفتهم بالفقه:]

  • قال عبد الفتاح: هذا النص يفيدنا بجلاء أن المعرفة التامة بعلم الحديث – ولو من أولئك الأئمة الكبار أركان علم الحديث في أزهى عصور العلم – لا تجعل المحدث الحافظ (فقيها مجتهدا) إذ لو كان الاشتغال بالحديث يجعل (الحافظ): (فقيها مجتهدا)، لكان الحفاظ الذين لا يحصى عددهم، والذين بلغ حفظ كل واحد منهم للمتون والأسانيد ما لا يحفظه أهل مصر من الأمصار اليوم: أولى بالاجتهاد ولكنهم صانهم الله تعالى فما زعموه لأنفسهم.
    بل إن سيد الحفاظ الإمام (يحيى بن سعيد القطان) البصري، إمام المحدثين وشيخ الجرح والتعديل: كان لا يجتهد في استنباط الأحكام، بل يأخذ بقول الإمام أبي حنيفة، كما في ترجمة (وكيع بن الجراح) في “تذكرة الحفاظ” للحافظ الذهبي (307: 1). وفي “تهذيب التهذيب” (450: 10) في ترجمة (أبي حنيفة النعمان بن ثابت): “قال أحمد بن

سعيد القاضي: سمعت يحيى بن معين – تلميذ يحيى القطان – يقول: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: لا نكذب الله، ما سمعنا رأيا أحسن من رأي أبي حنيفة، وقد أخذنا بأكثر أقواله“. انتهى.
وكان إمام أهل الحفظ في عصره وكيع بن الجراح الكوفي، محدث العراق، لا يجتهد أيضا، ويفتي برأي الإمام أبي حنيفة الكوفي، ففي “تذكرة الحفاظ” للحافظ الذهبي (307: 1)، و”تهذيب التهذيب” (126: 11 – 127): “قال حسين بن حبان، عن ابن معين – تلميذ وكيع -: “ما رأيت أفضل من وكيع، كان يستقبل القبلة، ويحفظ حديثه، ويقوم الليل، ويسرد الصوم، ويفتي بقول أبي حنيفة“.
وكذلك هؤلاء الحفاظ الأئمة الأجلة، الذين عناهم الإمام إسحاق بن راهويه في كلمته المذكورة، ومنهم يحيى بن معين، كانوا لا يجتهدون، وقد أخبر عنهم أنهم كانوا يفيضون في ذكر طرق الحديث الواحد إفاضة زائدة، فيقول لهم: ما مراد الحديث؟ ما تفسيره؟ ما فقهه؟ فيبقون كلهم إلا أحمد بن حنبل.
وهذا عنوان دينهم وأمانتهم وحصافتهم وورعهم، إذ وقفوا عند ما يحسنون، ولم يخوضوا فيما لا يحسنون، وذلك لصعوبة الفقه الذي يعتمد على الدراية وعمق الفهم للنصوص من الكتاب والسنة والآثار، وعلى معرفة التوفيق بينها، وعلى معرفة الناسخ والمنسوخ، وما أجمع عليه، وما اختلف فيه، وعلى معرفة الجرح والتعديل، وقدرة الترجيح بين الأدلة، وعلى معرفة لغة العرب، ألفاظا وبلاغة ونحوا ومجازا وحقيقة
ومن أجل هذا قال الإمام أحمد، لما سأله محمد بن يزيد المستملي – كما تقدم -، عن المحدث الحافظ الكبير (عبد الرزاق بن همام الصنعاني) صاحب التصانيف التي منها “المصنف”، وشيخ الإمام أحمد نفسه، وشيخ إسحاق بن راهويه، ويحيى بن معين، ومحمد بن يحيى الذهلي، أركان علم الحديث وروايته في ذلك العصر، وشيخ خلق سواهم، المتوفى سنة 211 عن 85 سنة: “أكان له فقه؟ فقال الإمام أحمد: ما أقل الفقه في أصحاب الحديث!
وروى الإمام البيهقي في “مناقب الشافعي” (152: 2): “عن الربيع المرادي قال: سمعت الشافعي يقول لأبي علي بن مقلاص – عبد العزيز بن عمران، المتوفى سنة 234، الإمام الفقيه -: تريد تحفظ الحديث وتكون فقيها؟ هيهات! ما أبعدك من ذلك – ولم يكن هذا لبلادة فيه حاشاه -.
قلت – القائل البيهقي -: وإنما أراد به حفظه على رسم أهل الحديث، من حفظ الأبواب والمذاكرة بها، وذلك علم كثير إذا اشتغل به، فربما لم يتفرغ إلى الفقه، فأما الأحاديث التي يحتاج إليها في الفقه، فلا بد من حفظها معه، فعلى الكتاب والسنة بناء أصول الفقه، وبالله التوفيق.
وقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ – هو الحاكم النيسابوري – قال: أخبرني أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المؤذن، قال: سمعت عبد الله بن محمد بن الحسن يقول: سمعت إبراهيم بن محمد الصيدلاني يقول: سمعت إسحاق بن إبراهيم الحنظلي – هو إسحاق بن راهويه – يقول: ذاكرت الشافعي، فقال: لو كنت أحفظ كما تحفظ لغلبت أهل الدنيا.
وهذا لأن إسحاق الحنظلي كان يحفظه على رسم أهل الحديث، ويسرد أبوابه سردا وكان لا يهتدي إلى ما كان يهتدي إليه الشافعي من الاستنباط والفقه، وكان الشافعي يحفظ من الحديث ما كان يحتاج إليه، وكان لا يستنكف من الرجوع إلى أهله فيما اشتبه عليه، وذلك لشدة اتقائه لله عز وجل، وخشيته منه، واحتياطه لدينه”. انتهى.
قال عبد الفتاح: وفي كل من هذين النصين الغاليين فوائد عظيمة جدا، ففيه أن الجمع بين الفقه والحديث على رسم أهل الحديث متعذر – إلا لمن أكرمه الله بذلك – إذ قال الشافعي في هذا: هيهات!.
وفيه بيان الإمام البيهقي لهذا المعنى بجلاء ووضوح وهو إمام محدث وفقيه، فلكلامه مقام رفيع في هذا الباب.
وفيه دعم الإمام البيهقي رحمه الله تعالى هذا الذي قاله في تفسير كلمة الشافعي

انتهي من التعليق الممجد للكنوي 1///212//

لذلك قال ابن ابن مفلح في الآداب الشرعية 2///96

قال المروزي قال أبو عبد الله يعجبني أن يكون الرجل فهما في الفقه وقال عبد الله: سمعت أبي يقول سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: عليك بالفهم في الفقه مرتين.
وقال أبو بكر بن محمد بن يزيد المستملي: سألت أحمد عن عبد الرزاق: كان له فقه؟ فقال: ما أقل الفقه في أصحاب الحديث وقال إبراهيم بن هانئ قال لي أبو عبد الله يا أبا إسحاق ترك الناس فهم القرآن وقال مالك ربما كانت المسألة، أو نزلت المسألة فلعلي أسهر فيها عامة ليلي وقال صالح: سألت أبي عن الرجل يكون في القرية وقد روى الحديث ووردت عليه مسألة فيها أحاديث مختلفة كيف يصنع قال لا يقل فيها شيئا.
وقال إسحاق بن إبراهيم قيل لأبي عبد الله يكون الرجل في القرية فيسأل عن الشيء الذي فيه اختلاف قال يفتي بما يوافق الكتاب والسنة وما لم يوافق الكتاب والسنة أمسك عنه قيل له فيخاف عليه قال لا، وعن أبي موسى قال من علمه الله علما فليعلمه الناس وإياه أن يقول ما لا علم له به فيصير من المتكلفين، ويمرق من الدين.
وقال مهنا قلت لأحمد في مسألة فقال لي: قد ترك هذا الناس اليوم ومن يعمل بهذا اليوم قلت له: وإن ترك الناس هذا فلا يترك معرفة علمه يعرفه الناس حتى لا يموت قال نعم، حدثني بقية بن الوليد قال قال الأوزاعي تعلم من الأحاديث ما لا يؤخذ به كما تعلم ما يؤخذ به، فقال أحمد يقول نعرفها وقال أحمد: ثنا سعيد بن جبير من علم اختلاف الناس فقد فقه، وعن قتادة قال قال سعيد بن المسيب ما رأيت أحدا أسأل عما يختلف فيه منك قال قلت إنما يسأل من يعقل عما يختلف فيه فأما ما لا يختلف فيه فلم نسأل عنه.
وروى أحمد عن سعيد بن جبير قال: أعلم الناس أعلمهم بالاختلاف، وعن
ابن عمر قال من رق وجهه رق علمه، وعن الشعبي مثله.

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات 1//61
وقال أحمد: لما قدم علينا الشافعى من صنعاء، سرنا على المحجة البيضاء. وقال: كانت أقفيتنا لأصحاب أبى حنيفة حتى رأينا الشافعى، فكان أفقه الناس فى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم -. وقال: لا يستغنى، أو لا يشبع صاحب الحديث من كتب الشافعى. وقال: ما كان أصحاب الحديث يعرفون معانى أحاديث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فبينها لهم.

السابق
ثبوت التفويض عن الإمام أحمد بن حنبل والنصوص والروايات الصريحة عنه في ذلك
التالي
ماذا تعلم عن الحركة الوهابية (منقول)