في مثل هذا اليوم قبل إحدى وأربعين سنةً كانت تدمر ــ المدينة الأكثر حضوراً في عمق التاريخ عند العالم كلِّه إلَّا أبناءَها أبناءَ سوريا فهي عندهم السّجنُ الأكثر رعبًا، والكلمةُ التي تثيرُ فرائصَ قائِلها لحظةَ التفكيرِ بنطقِ حروفِها ــ على موعدٍ مع المجزرة.
تقدمت جحافلُ رفعت الأسد تمتطي الحقدَ الأرعنَ وتمتشقُ الغدرَ المتغطرسَ إلى زنازين السّجن الذي يتلفَّعُ نزلاؤُه ببقايا جلدٍ أحرقَتْه سياطُ الجلَّادِ ولهيبُ الشَّمسِ، ويحتَمُونَ بقفَصٍ صَدريٍّ برَزت أعظُمُه من وطأةِ القهرِ والجوعِ، ويذودُونَ عن بقايا الحياةِ بمحاولةِ التَّقوقعِ على جدارِ الزَّنزانةِ كجنينٍ مُلتصقٍ بجدارِ الرَّحم.
وتبدأ المعركةُ بينَ الرَّصاصةِ والنَّظرة، وبينَ البندقيَّةِ والعين، وبينَ قعقعة السِّلاحِ وجلجلةِ التكبير.
كانَ دمُهُم المتراشقُ يخطُّ على الجدرانِ تاريخاً أعمقَ بكثيرٍ من ذلك الذي تُسطِّره الأعمدةُ الرُّومانيَّةُ الخرساء على مرمى حجرٍ من رفرفةِ أرواحِهِم.
وكانت أشلاؤُهم المدفونةُ بصمتٍ وبحرصٍ على جهالةِ موضعها تتهيَّأُ لكتابةِ مستقبلٍ عَزَّ نظيرُه؛ فتفرِعُ جيلًا كاملًا يمتدُّ من شريانِ الحبِّ إلى حدودِ الحنينِ يكسرُ بيديه قضبانَ قَهرهِ ويمحو بِدَفقِ دمهِ آثارَ الطُّغيانِ التي طالَما بكت الدِّيارُ تحتَ وطأةِ رجسِهَا بصمتٍ.
وستعلمُ الدُّنيا كلّها أنَّ دماءَ ألفٍ ومئتي شهيدٍ من خيرةِ أبناء سوريا قضَوا في مجزرةِ تدمرَ لا محالةَ ستنتصرُ على بنادقِ الطُّغيانِ وإن طالَ الزَّمن، وأنَّ جلجلةَ التَّكبيرِ ستَهزِمُ قَعقَعةَ أسلحتِهم كلِّها ولو بعدَ حين.
مجزرة_تدمر
محمّد خير موسى