تاريخ وتراجم وأعلام

في بيان محنة الإمام ابن فورك مع الكرامية (المُشبِّهة) أسلاف النابتة (منقول)

في بيان محنة الإمام ابن فورك مع الكرامية (المُشبِّهة) أسلاف النابتة، والرد على إضلال المدعو أبو مالك التلبنتي – بمسرحيته المعنونة ب(فضيحة للأشاعرة!! ابن فورك يزيل وصف النبوة بعد وفاة النبي).

أولا: أقرَّ المدعو أبو مالك بأن البيهقي – وهو من طلّاب ابن فورك – ألّفَ كتاب حياة الأنبياء في قبورهم تأكيدا على عقيدة الأشاعرة وردا على الفرية الكرامية التي ألصقت بهم، وباستاذه الإمام ابن فورك، فماذا يريد بعد؟!

ثانيا: هل من أنكر رسالة النبي بعد وفاته وأزال وصف النبوة عنه كما تدّعي؛ يُترَجم له بناصر مذهب الحديث والسنة كما وصفه الإمام النووي في كتابه (تهذيب الأسماء واللغات)…
و بالإمام العلّامة الصالح، كما ترجم له صاحب السير، وغيرهم من أهل التراجم، أم هذه قرينة صارفة لتهمة كرامية باطلة على إمام علّامة صالح كما يصفه الذهبي؟!!!

ثالثا: لماذا لا تجمع قول علماء المسلمين في باب تطرقه، لتظهر بصورة المنصف الباحث عن الحق، لا المدلِّس المُضلّل؟!!

لا غرابة في هذا من أهل الزيغ المتّبعون للمتشابه من القول ابتغاء الفتنة!

ثم من هم الذين اعتبروا أن النبي بموته انقطع نفعه لأمته؟!!!!
هذا نجده في كتبكم
وهو أشنع من هذا الكلام المفترى على ابن فورك رحمه الله.

باختصار:
الإمام ابن فورك واجه فرقة الكراميّة التي وشت به ونازعته أمره، ولمَّا تنبَّه أهل نيسابور إلى ابن فورك؛ عزموا على مراسلته ليحضر إليهم فكان لهم ذلك،
ولكنَّ فرقة الكراميّة لم تترك ابن فورك يمضي إلى ما عزم عليه، بل حاولت دائمًا أن تحيك له المؤمرات والمكائد، ومن ذلك وشايتهم به إلى السلطان محمود بن سبكتكين -سلطان بلاد ما وراء النهر من خراسان.
فدفع بهؤلاء إلى الافتراء عليه عند السلطان محمود بن سبكتكين، فادَّعوا أنه أنكر رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بعد موته،
وحاشاه – رحمه الله .

وكون الكرّامية هم أسلاف #النابتة الذين يستحلّون الكذب والتدليس على خصومهم نصرة لضلالهم، فلا غرابة في علو صراخهم على أئمة أهل السنة مجددا، كحال هذا الإنسان وابن شمس وأضرابهم من متعالمي النابتة، عاملهم الله عزّ وجلّ بعدله.

يقول الإمام السبكي ملخصا محنة ابن فورك مع الكرامية:
“فعظم على السلطان هذا الأمر وقال إن صح هذا عنه – أي ابن فورك – لأقتلنه وأمر بطلبه.
والذي لاح لنا من كلام المحررين لما ينقلون، الواعين لما يحفظون، الذين يتَّقون الله فيما يحكون، أنَّه لمّا حضر بين يديه وسأله عن ذلك كذَّب الناقل وقال ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق؛ أنَّ نبينا في قبره رسولُ الله أبد الآباد على الحقيقة لا المجاز، وأنه كان نبياً وآدم بين الماء والطين ولم تبرح نبوته باقية ولا تزال،

وعند ذلك وضح للسلطان الأمر وأمر بإعزازه وإكرامه ورجوعه إلى وطنه، فلمّا أيست الكرامية وعلمت أن ما وشت به لم يتم، وأنّ حيلها ومكايدها قد وهت؛ عدلت إلى السعي في موته والرَّاحة من تعبه، فسلَّطوا عليه مَن سمّه فمضى حميدا شهيدا.

هذا خلاصة المحنة.” انتهى كلام السبكي.

يقول الذهبي في ترجمته لابن فورك:
“الإمام العلامة الصالح، شيخ المتكلمين، أبو بكرن محمد بن الحَسَنِ بنِ فُوْرَكَ الأَصْبَهَانِيّ.

حَدَّثَ عَنْهُ: أَبُو بَكْرٍ البَيْهَقِيُّ، وَأَبُو القَاسِمِ القُشَيْرِيُّ، وَأَبُو بَكْرٍ بنُ خَلَف، وَآخَرُوْنَ، وَصَنَّفَ التَّصَانِيْفَ الكَثِيْرَة.

قَالَ عَبْدُ الغَافِرِ فِي “سيَاق التَّارِيْخ”: الأُسْتَاذُ أَبُو بَكْرٍ قَبْرُهُ بِالحِيرَة يُسْتَسقَى بِهِ.
وَقَالَ القَاضِي ابْنُ خَلِّكَان فِيْهِ: أَبُو بَكْرٍ الأُصُوْلِيّ، الأَدِيْبُ النَّحْوِيُّ الوَاعِظُ، دَرَّسَ بِالعِرَاقِ مُدَّةً، ثُمَّ تَوَجَّه إِلَى الرَّيّ، فسعَتْ بِهِ المبتدعَةُ يَعْنِي الكَرَّامِيَّة فَرَاسلهُ أَهْلُ نَيْسَابُوْر، فوردَ عَلَيْهِم، وَبنَوا لَهُ مَدْرَسَةً وَدَاراً، وَظهرت بَرَكَتُهُ عَلَى المُتَفَقّهَة، وَبلغت مُصَنَّفَاتُه قَرِيْباً مِنْ مائَة مصَنّف، وَدُعِي إِلَى مدينَة غَزْنَة، وَجرتْ لَهُ بِهَا مُنَاظَرَات، وَكَانَ شَدِيدَ الرَّدِّ عَلَى كرَّام، ثُمَّ عَادَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، فسُمَّ فِي الطَّرِيْق، فَمَاتَ بقُرْبِ بُسْت، وَنُقِلَ إِلَى نَيْسَابُوْرَ، ومشهده بالحيرة يزار،ويستجاب الدعاء عنده.
قُلْتُ: كَانَ أَشْعَريّاً، رَأْساً فِي فَنِّ الكَلاَم، أَخَذَ عَن أَبِي الحَسَنِ البَاهِلِيّ صَاحِبِ الأَشْعَرِيّ.” انتهى كلام الذهبي.

🔘وتلميذه القشيري قد نفى نسبة تلك المسألة إلى الأشاعرة، وقال إنّ نسبتها إليهم هي نسبةٌ باطلةٌ تمامًا،

🔘وبذلك جزم الإمام تاج الدين السبكي ودافع بشدة عن ابن فورك وردَّ على كلٍّ من ابن حزم الأندلسي والذهبي أشدَّ الرد.

يقول في طبقاته الكبرى:
“وكان شديد الرد على أبي عبد الله بن كرام وأذكر أن سبب ما حصل له من المحنة من شغب أصحاب ابن كرام وشيعتهم المجسمة.”

وأما ما ذكره ابن حزم في “النصائح” من أن ابن فورك قد قال بهذه المسألة وأن السلطان ابن سبكتكين قد قتله بالسُّم لأجل ذلك ، فقد بيّن التاج السبكي وغيره من الأشاعرة أن هذا كذب وافتراء عليه رضي الله عنه.

🔘يقول السبكي في طبقات الشافعية الكبرى:
” [والمسألة المشار إليها وهي انقطاع الرسالة بعد الموت
[مكذوبة قديما على الإمام أبي الحسن الأشعري نفسه] وقد مضى الكلام عليها في ترجمته، إذا عرفت هذا فاعلم
أن أبا محمد بن حزم الظاهري ذكر في النصائح أن ابن سبكتكين قتل ابن فورك بقوله لهذه المسألة، ثم زعم ابن حزم أنها قول جميع الأشعرية،
قلتُ وابن حزم لا يدري مذهب الأشعرية ولا يفرق بينه وبين الجهمية لجهله بما يعتقدون،

[وقد حكى ابن الصلاح ما ذكره ابن حزم ثم قال: ليس الأمر كما زعم بل هو تشنيع على الأشعرية أثارته الكرامية فيما حكاه القشيري ]”.
ا. هـ كلام السبكي.

أمّا قول الإمام الذهبي الذي فيه أن السلطان قتله لأنه ثبتت عليه مسألة إنكاره لرسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم فقد ردّه تلميذه التاج السبكي في الطبقات كذلك، بل الذهبي نقل في تاريخ الإسلام: (ﻗﺎﻝ اﺑﻦ اﻟﺼﻼﺡ: ﻟﻴﺲ ﻛﻤﺎ ﺯﻋﻢ، ﺑﻞ ﻫﻮ ﺗﺸﻨﻴﻊ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﺛﺎﺭﺗﻪ اﻟﻜﺮاﻣﻴﺔ ﻓﻴﻤﺎ ﺣﻜﺎﻩ اﻟﻘﺸﻴﺮﻱ).
ورأينا ترجمته له، وبيّن السبكي أنه عارٍ من الصحة فقال:

“أما أن السلطان أمر بقتله فشفع إليه، إلى آخر الحكاية
[فأكذوبة سمجة ظاهرة الكذب من جهات متعددة] منها:
أن ابن فورك لا يعتقد ما نقل عنه بل (يُكفّر قائله)، فكيف يعترف على نفسه بما هو كفر؟! وإذا لم يعترف فكيف يأمر السلطان بقتله،
[وهذا أبو القاسم القشيري أخص الناس بابن فورك فهل نقل هذه الواقعة ؟ بل ذكر أن من عزا إلى الأشعرية هذه المسألة فقد افترى عليهم وأنه لا يقول بها أحد منهم] “.

رحم الله هذا العالم الكبير رحمةً واسعةً ونفع المسلمين بعلمه.

السابق
من أسخف شبهات الربوبيين المنكرين للنبوات (منير خلوفي)
التالي
《ما هو حديثُ الجارية وما معناه؟》(منقول)