الحلقة السادسة والسبعون
🌺فخر الدين الرازي
محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين التيمي البكري الإمام فخر الدين الرازي ابن خطيب الري
إمام المتكلمين ذو الباع الواسع في تعليق العلوم والإجتماع بالشاسع من حقائق المنطوق والمفهوم والإرتفاع قدرا على الرِفاق وهل يجري من الأقدار إلا الأمر المحتوم
بحر ليس للبحر ما عنده من الجواهر وحبر سما على السماء وأين للسماء مثل ما له من الزواهر وروضة علم تستقل الرياض نفسها أن تحاكي ما لديه من الأزاهر
انتظمت بقدرِه العظيم عقود الملة الإسلامية وابتسمت بدرِه النظيم ثغور الثغور المحمدية تنوّع في المباحث وفنونها وترفّع فلم يرض إلا بنكَت تسحر ببيونها وأتى بجنات طلعها هضيم وكلمات يقسم الدهر أن الملحد بعدها لا يقدر أن يضيم
وله شعار أوى الأشعري من سننه إلى ركن شديد واعتزل المعتزلي علما أنه ما يلفِط من قول إلا لديه رقيب عتيد
وخاض من العلوم في بحار عميقة وراض النفس في دفع أهل البدع وسلوك الطريقة
أما الكلام فكل ساكت خلفَه وكيف لا وهو الإمام رد على طوائف المبتدعة وهد قواعدهم حين رفض النفس للرفض وشاع دمار الشيعة وجاء إلى المعتزلة فاغتال الغيلانية وأوصل الواصلية النقمات الواصبية وجعل العمرِية أعبدا لطلحة والزبير وقالت الهذلية لا تنتهي قدرة الله على خير وصبر وأيقنت النظامية بأنه أذاق بعضهم بأس بعض وفرق شملهم وصيرهم قطعا وعبست البشرية لما جعل معتزلهم سبعا وهشم الهشامية والبهشمية بالحجة الموضحة وقصم الكعبية فصارت تحت الأرجل مجرحة وعلمت الجبائية مذ قطعها أن الإسلام يجب ما قبله وانهزم جيش الأحيدية فما عاد منهم إلا من عاد إلى القبلة وعرج على الخوارِج فدخلوا تحت الطاعة وعلمت الأزارِقة منهم أن فتكات أبيضه المحمدية ونار أسمرِه الأحمدية لا قبل لهم بها ولا استطاعة وقالت الميمونية اليمن من الله والشر وخنست الأخنسية وما فيهم إلا من تحيز إلى فئة وفر والتفت إلى الروافض فقالت الزيدية ضرب عمرو وخالد وبكر زيدا وقالت الإمامية هذا الإمام ومن حاد عنه فقد جاء شيئا إدا وأيقنت السليمانية أن جنها حبس في القناني وقالت الأزلية هذا الذي قدر الله في الأزل أن يكون فردا وعوَّذه بالسَبع المثاني وقال المنتظرون هذا الإمام وهذا اليوم الموعود وجعلت الكيسانية في ظلال كيسه وسجل عليهم بالطاعة في يوم مشهود ونظر إلى الجبرية شزرا فمشى كل منهم على كُره الهوَينا كأنه جاء جبرا وعلمت النجارية أن صنعها لا يقابل هذا العظيم النجار ونادت الضرارية لا ضرر في الإسلام ولا ضرار وتطلع على القدرية فعبس كل منهم وبسر ثم أقبل واستصغر وكان من الذباب أقل وأحقر فقتل كيف قدر وانعطف إلى المرجئة وما أرجأهم وجعل العدمية منه خالدية في الهون وساءهم بنارهم ودعا الحلولية فحل عليهم ما هو أشد من المنية
وأصبحت الباطنية تأخذ أقواله ولا تتعدى مذهب الظاهرية وأما الحشوية قبح الله صنعهم وفضح على رؤوس الأشهاد جمعهم فشرِبوا كأسا قطع أمعاءهم وهربوا فِرارا إلى خسي الأماكن حتى عدم الناس محشاهم وصار القائل بالجهة في أخس الجهات وعرِض عليه كل جسم وهو يضرِب بسيف الله الأشعري ويقول ( هل منْ مزيد ) هات حتى نادوا بالثبور وزال عن الناس افتراؤهم ومكرهم ( ومكر أولئكَ هوَ يبور ) وأما النصارى واليهود فأصبحوا جميعا وقلوبهم شتى ونفوسهم حيارى ورأيت الفريقين ( سكارى وما هم بسكارى ) وما من نصراني رآه إلا وقال أيها الفرد لا نقول بالتثليث بين يديك ولا يهودي إلا سلم وقال ( إنا هدنا إليك )
وأما الشَرعيات تفسيرا وفقها وأصولا وغيرها فكان بحرا لا يجارى وبدرا
ولقد أجاد ابن عنين حيث يقول فيه
ماتت به بدع تمادى عمرها * دهرا وكاد ظلامها لا ينجلي )
( وعلا به الإسلام أرفع هضبة * ورسا سواه في الحضيض الأسفل )
ولد الإمام سنة ثلاث وأربعين وقيل أربع وأربعين وخمسمائة
واشتغل على والده الشيخ ضياء الدين عمر وكان من تلامذة محيى السنة أبي محمد البغوي وقرأ الحكمة على المجد الجيلي بمراغَة وتفقّه على الكمال السمناني ويقال إنه حفظ الشامل في علم الكلام لإمام الحرمين
وكان أول أمره فقيرا ثم فتحت عليه الأرزاق وانتشر اسمه وبعد صيته وقصد من أقطار الأرض لطلب العلم
وكانت له يد طولى في الوعظ بلسان العربي والفارسي ويلحقه فيه حال وكان من أهل الدين والتصوُّف وله يد فيه وتفسيره ينبىء عن ذلك
وعبر إلى خوارزم بعد ما مهر في العلوم فجرى بينه وبين المعتزلة مناظرات أدت إلى خروجه منها ثم قصد ما وراء النهر فجرى له أشياء نحو ما جرى بخوارزم فعاد إلى الري ثم اتصل بالسلطان شهاب الدين الغوري وحظي عنده ثم بالسلطان الكبير علاء الدين خوارزمشاه محمد بن تكُش ونال عنده أسنى المراتب واستقر عنده بخراسان
واشتهرت مصنفاته في الآفاق وأقبل الناس على الاشتغال بها ورفضوا كتب المتقدمين
وأقام بهراة وكان يلقب بها شيخ الإسلام وكان كثير الإزراء بالكرامية فقيل إنهم وضعوا عليه من سقاه سما فمات
وكان خوارزمشاه يأتي إليه وكان إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمائة نفس من الفقهاء وغيرهم
وكان شديد الحرص جدا في العلوم وأصحابه أكثر الخلق تعظيما له وتأدبا معه له عندهم المهابة الوافرة ومن تصانيفه التفسير والمطالب العالية ونهاية العقول والأربعين والمحصل والبيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان والمباحث العمادية والمحصول وعيون المسائل وإرشاد النظار وأجوبة المسائل البخارية والمعالم و تحصيل الحق والزبدة وشرح الإشارات وعيون الحكمة وشرح الأسماء الحسنى
وقيل شرح مفصل الزمخشري في النحو ووجيز الغزالي في الفقه وسقط الزند لأبي العلاء وله طريقة في الخلاف و مصنف في مناقب الشافعي حسن وغير ذلك
وأما كتاب السر المكتوم في مخاطبة النجوم فلم يصح أنه له بل قيل إنه مختلق عليه
طبقات الشافعية الكبرى للسبكي باختصار