فتأمل إلى صنيع هؤلاء الذين هدموا القبور وفجروها منذ قرنين حتى الآن وأثاروا الفتن والإحن في سبيل ذلك أخذا بظاهر أحاديث الباب كيف تبين لهم أنفسهم أنها ليست على ظاهرها أصلا كما سبق.
ستجدون أبحاثا لم تفض بكارتها من قبل في الكتاب الذي سنطبعه إن شاء الله والمتعلق بنظرية ابن تيمية في تقسيم التوحيد.
وعلى سبيل المثال: أحاديث صحيح مسلم في الأمر بتسوية القبور كحديث فضالة “سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بتسويتها ” وحديث أبي الهياج “….ولا قبرا مشرفا إلا سويته”، وهذه أحاديث مشكلة لأن ظاهرها أن القبور يجب تسويتها بالأرض وهذا خلاف السنة أصلا وخلاف الإجماع من أن القبور ترفع حوالي شبرا … وهذا لم يخالف فيه أحد حتى الوهابية أنفسهم.
وكثير من كلام الفقهاء والشرّاح في هذه الأحاديث وجدته مضطربا ولا يكاد يتحصل منه كبير شيء …. وقد أطلت النظر والبحث في هذه الأحاديث حتى من الله عليّ بالوقوف على بحث مطول لأحد كبار السلفية حول هذه الأحاديث والنظر في معنى كلمة “التسوية” فيها واشتقاقاتها ومواردها في الكتاب والسنة والمعاجم … وأطال صاحبه النظر في ذلك وأورد عدة معان ووجوه للتسوية ثم بحث في أيٍّ من تلك المعاني يصلح أن ينزل عليه أحاديث مسلم السابقة ….
ثم خرج بالنتيجة التالية فقال بالحرف الواحد في آخر المطاف : “المعنى الثاني هو المختار عندي، فالمراد بتسوية القبر جعله سويًّا قويمًا على ما اقتضته الحكمة من غير إفراط ولا تفريط، وذلك على الهيئة التي قررها الشارع للقبور”.اهـ وكان استدل على هذا المعنى على التسوية بقوله تعالى {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ} [الانفطار: 7]، وبقوله جل ذكره: {أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا} [الكهف: 37].
قال وليد ابن الصلاح: وقد علقت هذا الكلام قائلا: وإذا كان الأمر كذلك فلا حجة في حديث فضالة وأبي الهياج على هدم ما بني على القبور، لأن تسوية القبور المأمور بها في هذا الحديث وكذا في حديث أبي الهياج لا تعني هدمها وتسويتها بالأرض، وإنما تعني جعل القبر سويا على الطريقة الشرعية والسنة النبوية كما خلص إليه هذا الباحث بعد بحثه السابق الماتع.
والسؤال ما هي الطريقة الشرعية التي يكون على هيئتها القبر؟ لا يوجد في حديث فضالة وأبي الهياج ذلك، فيُرجع إلى الأحاديث والأدلة الأخرى، أي أن معرفة تلك الهيئة الشرعية للقبور تؤخذ من الأدلة الأخرى لا من حديث فضالة طالما أننا انتهينا إلى التسوية فيه هي بالمعنى السابق.
ثم أوردتُ بعضَ الإيرادات على ذلك وأجبتُ عنها.
فتأمل إلى صنيع هؤلاء الذين هدموا القبور وفجروها منذ قرنين حتى الآن وأثاروا الفتن والإحن في سبيل ذلك أخذا بظاهر أحاديث الباب كيف تبين لهم أنفسهم أنها ليست على ظاهرها أصلا كما سبق. والله الموفق
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/1054525451328143/