قال الإمام عبدالقاهر الجرجاني :
” وقد تَتَّبعَ العلماءُ الشعوذةَ والسِّحْر، وعُنُوا بالتَّوقُّفِ على حِيَل المُموِّهين؛ ليَعْرفوا فَرْقَ ما بينَ المُعجزة والحِيلة، فكان ذلك منهم مِنْ أعظمِ البِرِّ، إذْ كان الغرضُ كريماً والقَصْد شريفاً”.
دلائل الإعجاز(ص :٢٨).
وما صنيع الإمام الرازي في القرن السابع في معرفة (علم السحر) إلا لهذه (العلة) التي ذكرها الجرجاني في القرن الخامس،فهي سنة للعلماء سابقة قبل وجود فخر الملة الإمام الرازي بسسب هذه (العلة) التي ذكرها عن العلماء الإمام الجرجاني
وهو من علماء القرن الخامس وهي لمعرفة وبيان الفرق بين المعجزة وبين الشعوذة والسحر وحيلها،لأن كثير من مبطلي النبوة من ملاحدة ربوبية ذلك الزمان اكتفوا بالعقل عن النبوة
و قالوا أن معجزات الأنبياء أنها من قبيل السحر والشعوذة وكما تظهر أيدي مدعي النبوة الكاذبين ،ولهذا فإن علماء (أصول الدين ) آنذاك لا بد بعضهم سوف يعلم هذا العلم لإظهار الفرق بين المعجزة التي كانت تظهر على أيدي الانبياء وبين ممارسات الشعوذة والسحرة، حيث ان العلم بها تبين أنها تلك الشعوذات والطلمسات غيرخارجة من نطاق الأسباب العادية المقدورة مكتسبة ، بخلاف (حال المعجزة) فهي : خارجة من نطاق الأسباب العادية الممكنة المقدورة.
وإلا لو كانت (معجزات الأنبياء) مقدورة تعلم بعلم لما أعجزت (آيات) سيدنا (موسى عليه السلام) أمثال (سحرة فرعون) وهم جمع كل منهم واحد منهم سحار عليم ، ولما أذعنوا لها مما يدل أن معجزات الأنبياء : خارج نطاق الإكتساب والأسباب المقدورة وأنها لا تظهر تلك الآيات المعجزة تصديقا إلا لمدعي النبوة (الصادق) تصديقا له انه من الله لا تظهر تصديقا على يد مدعي النبوة (الكاذب) وهذا بخلاف حيل السحرة التي مقدورة تعلمها .
وقريب تتبع مادة الشعر الكلام الموزون بالقوافي والنتثر في علم البيان والبلاغة ، حيث أن بعضهم إعترض على هذا العلوم إنَّك لا تستطيعُ أن تَطْلُبَ منَ الشعر ما لا يُكْرَه حتى تَلْتبِسَ مما يُكره وهو ما يَوجد في الشعر من هَزْلٍ أو سُخْف، وهجاءٍ وسَبٍّ وكَذِبٍ وباطلٍ على الجُملةُ، فإِنّ علماء البلاغة والبيان والإعجاز البلاغي البياني
لَمْ يَقصدوْا من أجلِ ذلك المكروهِ، ولم يُرِيدْوه له، وإنما أردوه ليَعرف بهِ مكانَ بلاغةٍ، وجعلَه مِثالاً في براعةٍ، أو يَحْتَجَّ به في تفسير كتابٍ وسُنَّة، ويَنظرَ إلى نَظْمه ونَظْم القُرآن، فيرون موضعَ الإِعجازِ، ويقفَ على الجهة التي منها كان، ويتبيَّنَ الفصْلَ والفُرقان فحقُّ هذا التلبسِ بتلك العلوم من اهل العلم أن لا يُعتدَّ عليهم ذلك التلبس بتلك العلوم ذنباً، وأَنْ لا يُؤَاخَذواَ به ؛ إذْ لا تكونُ مؤاخذةٌ حتى يكونون عَمْدوٌا إلى أن تُواقِعَوا المكروهِ وقَصْدٌوا إليه وهذا ما لم يفعلوه ،وذاك أنَّهم قصدوا تعلم الجهةَ التي منها قامَتِ الحجةُ بالقُرآنِ وظهرتْ، وبانَتْ وبَهرت، وهيَ أنْ كانَ على حَدٍّ منَ الفَصاحةِ تقصرُ عنه قُوى البشرِ، ومُنْتهياً إِلى غايةٍ لا يُطمَح إِليها بالفِكر، وكان مُحالاً أن يَعرف كونَه كذلك، إِلا مَنْ عَرفَ الشعرَ الذي هو ديوانُ العَرب، وعنوانُ الأدب وهذا أمر حسن وهذا ما قصدوه من التلبس بتلك العلوم كما بين الإمام الجرجاني عن سنة وطريقة العلماء في مقصدهم من التلبس بهذه العلوم (فتنبه)
لهذا تكفى التشنيعات الفارغة في هذا الباب على أهل العلم.