«شعب الإيمان» (1/ 31 ط الرشد):
«ج- البيهقي وعلم الكلام:
عاش البيهقي في فترة كانت مسائل الكلام موضوع مناقشات ومناظرات بين علماء الفرق المختلفة، فلم يجد بدأ من أن يدل بدلوه في هذا المضمار وألف كتبا حول “الإيمان” و”القدر” و”الرؤية” و “الأسماء والصفات و”الاعتقاد”. وكتابه “الجامع المصنف في شعب الإيمان” يختص بمباحث هذا العلم. وكان منهج البيهقي في كتبه هو ما جرى عليه أصحاب الحديث من إثبات الحق بنصوص من القرآن والسنة. ولم يلجأ إلى دلائل العقل والمنطق إلا للرد على معارضي السنة.
وقد وصفه كثير من المؤرخين بالأصولي، وهذه الكلمة -كما قال أبو سعد السمعاني – تطلق على من اختص بالأصول وهي علم الكلام. وعدّه شيخ الإسلام ابن تيمية من فضلاء الأشعرية الذين يمشون على السنة. وقد تخرج البيهقي على أساتذة متخصصين ممن لهم اليد الطولى في هذا العلم والذين اعترف بنبوغهم ومهارتهم العلماء من عصرهم ومن بعدهم.
وفي مقدمة هؤلاء:
1 – أبو إسحاق الإسفراييني، إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن مهران (م 418 هـ).
المتكلم، الأصولي الشافعي، كان يلقب بركن الدين. أحد العلماء المجتهدين في عصره، وأوحد زمانه في علم الكلام. أخذ عامة علماء نيسابور الكلام والأصول عنه. وكان ثقة ثبتا في الحديث انتخب عليه الحاكم عشرة أجزاء وذكره في “تاريخه” لجلالته ووصفه بالأصولي، الفقيه، المتكلم.
تقدم ونبغ في هذه العلوم، أقر له بالتقدم والفضل أهلُ العراق وخراسان.
_
(1) راجع “السير” (18/ 167)، “التقييد” (1/ 148)، “البداية والنهاية” (12/ 94)، “طبقات السبكي” (3/ 3).
• مجموعة فتاوى ابن تيمية (6/ 53).
(2) راجع “الأنساب” (1/ 295).
(3) ترجمته في “طبقات الشيرازي” (126)، “الأنساب” (1/ 225، 295، 296)، “تبيين كذب المفتري” (243، 244)، “تهذيب الأسماء واللغات” (2/ 170،169)، “وفيات الأعيان” (ا/ 28)، “السير” (17/ 353 – 355)، “الوافي” (6/ 105،104)، “طبقات السبكي” (3/ 111 – 114)، “طبقات ابن قاضي شهبة” (1/ 158 – 160)، “البداية والنهاية” (12/ 24)، “شذرات” (3/ 209)
قال السبكي: هو أحد أئمة الدين كلاما وأصولا وفروعا. جمع أشتات العلوم، واتفقت الأئمة على تبجيله وتعظيمه وجمعه شرائط الإمامة.
من مصنفاته:
“جامع الحليّ في أصول الدين والرد على الملحدين” في خمسة أجزاء.
“مسائل الدور”.
“أدب الجدل”.
“تعليقة في أصول الفقه”.
وقد ذكر السبكي حكاية مناظرة بينه وبين القاضي عبد الجبار المعتزلي، قال: قال عبد الجبار في ابتداء جلوسه: “سبحان من تنزه عن الفحشاء”.
فقال الأستاذ مجيبا: “سبحان من لا يقع في ملكه إلا ما يشاء”.
فقال القاضي عبد الجبار: “أفيشاء ربنا أن يعصى؟ “.
فقال الأستاذ: “أيُعصى ربنا قهرًا؟ “.
فقال القاضي: “أفرأيت إن منعني الهدى وقضى علي بالردى، أحسن إلى أم أساء؟ ” فقال الأستاذ: “إن كان منعك ما هو لك فقد أساء، وإن كان منعك ما هو له فيختص برحمته من يشاء“.
فانقطع عبد الجبار.
وقال النووي: كان الأستاذ أحد الثلاثة الذين اجتمعوا في عصر واحد على نصر مذهب الحديث والسنة في المسائل الكلامية، القائمين بنصرة مذهب الشيخ أبي الحسن الأشعري، وهم الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني، والقاضي أبو بكر الباقلاني، والإمام أبو بكر بن فورك.
_
(1) “طبقات الشافعية” (3/ 111).
(2) “طبقات الشافعية” (3/ 114)
=======
وكان الصاحب بن عباد يثني عليهم الثناء الحسن مع أنه معتزلي، مخالف لهم ولكنه أنصفهم فكان يقول:
ابن الباقلاني بحر مغرق، وابن فورك صل مطرق، والإسفراييني نار تحرق.
أخذ عنه البيهقي اعتمد عليه في المسائل الكلامية، وفي هذا الكتاب نقل عنه شرحه لأسماء الله الحسنى.
2 – محمد بن الحسن بن فورك، أبو بكر الأصبهاني (م 406 هـ).
الإمام العلامة، شيخ المتكلمين، والحبر الذي لا يجارى فقها وأصولا، وكلاما، ووعظا، ونحوا، مع مهابة وجلالة، وورع بالغ، رفض الدنيا وراء ظهره، وتوكل على الله.
كان رأسا في فن الكلام على مذهب الأشاعرة، أقام بالعراق مدة يدرس العلم، ثم توجه إلى الري فسعت به المبتدعة، فراسله أهل نيسابور والتمسوا منه التوجه إليهم، ففعل وورد نيسابور فبنى له بها مدرسة ودارا. وأحيا الله تعالى به أنواعا من العلوم وظهرت بركاته على جماعة المتفقهة.
سمع مسند أبي داود الطيالسي من عبد الله بن جعفر بن فارس وأخذ الكلام من أبي الحسن الباهلي.
كان شديد الرد على الكرَّامية، وهو الذي كسر شوكتهم، ولكنهم لم يتركوه ولم يزالوا به حتى وشوا به إلى السلطان محمود بن سبكتكين واتهموه بأنه يعتقد أن نبينا محمدًا المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ليس نبيا اليوم، وأن رسالته قد انقطعت بموته، فأمر
_
(1) “تهذيب الأسماء واللغات” (2/ 170)، وراجع أيضًا “تبيين كذب المفتري” (244)، “السير” (17/ 354)، و”طبقات السبكي” (3/ 112)، و”طبقات ابن قاضي شهبة” (1/ 159، 160).
(2) ترجمته في “تبيين كذب المفتري” (232)، “إنباه الرواة” للقفطي (3/ 110)، “وفيات الأعيان” (4/ 372)، “السير” (17/ 214 – 216)، “الوافي” (2/ 344)، “طبقات السبكي” (3/ 52 – 55)، “طبقات ابن قاضي شهبة” (1/ 185، 186)، و”فيه محمد بن حسين” “شذرات” (3/ 181، 182)، “تاريخ التراث” (4/ 51 – 54)
=====
السلطان بإحضاره، وسأله عن ذلك فكذّب الواشين، وبيّن ما هو معتقد الأشاعرة على الإطلاق من أن النبي – صلى الله عليه وسلم – حيّ في قبره على الحقيقة، وأنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين، ولم تبرح نبوته باقية ولا تزال.
ولما أيست الكرامية من النيل منه لدى السلطان سلطوا عليه من سمّه. وذكر ابن فورك سبب اشتغاله بعلم الكلام فقال: “إني كنت بأصبهان اختلف إلى فقيه فسمعت أن الحجر يمين الله في الأرض فسألت ذلك الفقيه عن معناه فلم يجب بجواب شاف. فأرشدت إلى فلان من المتكلمين فسألته فأجاب بجواب شاف، فقلت لا بدَّ لي من معرفة هذا العلم فاشتغلت به”.
بلغت مصنفاته في أصول الفقه وأصول الدين ومعاني القرآن قريبا من مائة مصنف. منها:
1 – بيان مشكل الحديث. وله أسماء أخرى.
2 – كتاب الحدود في الأصول.
3 – النظامي في أصول الدين.
4 – رسالة في علم التوحيد.
5 – تفسير القرآن.
6 – الإبانة عن طريق القاصدين والكشف عن مناهج السالكين والتوفر إلى عبادة رب العالمين.
7 – مجرد مقالات أبي الحسن الأشعري.
8 – شرح كتاب العلم والمتعلم.
وقد روى عنه البيهقي كثيرا في هذا الكتاب ونقل أقواله.
_
(1) راجع “طبقات السبكي” (3/ 53)
==========
3 – الحسن بن أبي بكر أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن محمد بن شاذان، أبو علي البزاز (339 – 425 هـ).
الإمام الفاضل الأصولي.
سمع من أبي عمرو بن السماك وعبد الله بن جعفر بن درستويه، وأبي سهل بن زياد، وغيرهم، وله “مشيخة كبرى” وهي عواليه من الكبار، و”مشيخة صغرى” عن كل شيخ حديثا.
روى عنه الخطيب، وأبو إسحاق الشيرازي، وخلق كثير.
قال الخطيب: كتبنا عنه، وكان صحيح السماع، صدوقا يفهم الكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري، ويشرب النبيذ على مذهب الكوفيين ثم تركه بأخرة. وكان يعدّ من أحسن محدثي عصره.
روى عنه البيهقي كثيرا في هذا الكتاب، وله عنه رواية في كتبه الأخرى.
4 – أحمد بن الحسن بن أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص، أبو بكر، الحرشي، الحيري، النيسابوري (325 – 421 هـ).
مسند خراسان، قاضي القضاة، عالم، محدث، أصولي، فقيه. درس الفقه على أبي الوليد حسان بن محمد، والكلام والأصول على أصحاب أبي الحسن الأشعري. وسمع الحديث من أبي العباس الأصم، وأبي أحمد بن عدي وغيرهما.
انتقى عليه الحاكم، وأثنى عليه، وفخم أمره، وكان بصيرا بالمذهب، فقيه النفس، يفهم الكلام. وله مصنفات في الأصول والحديث.
أكثر عنه البيهقي الرواية في هذا الكتاب وفي كتبه الأخرى.
_
(1) ترجمته في “تاريخ بغداد” (7/ 279، 280)، “تبيين كذب المفتري” (245)، “السير” (17/ 415 – 418)، “التذكرة” (3/ 1075)، “البداية والنهاية” (12/ 39)، “الجواهر المضيئة” (1/ 186، 187)، “شذرات” (3/ 228، 229)، “تاريخ التراث” (1/ 475).
(2) “تاريخ بغداد” (7/ 379).
(3) ترجمته في “الأنساب” (4/ 122 – 124 – الحرشي) و (4/ 327 – الحيري)، “السير” (17/ 356 – 358) “الوافي” (6/ 306)، “طبقات السبكي” (3/ 3)، “شذرات” (3/ 217)
======
5 – أبو ذر الهروي، عبد بن أحمد بن محمد بن عبد الله، الأنصاري، الخراساني، المالكي (355 – 434 هـ).
الحافظ الإمام، المجود، راوي صحيح البخاري عن الثلاثة: المستملي والحموي والكشميهني، سكن مكة وبها توفي.
أخذ الكلام على مذهب أبي الحسن الأشعري عن القاضي أبي بكر الباقلاني، وبث ذلك بمكة، وحمله عنه المغاربة إلى المغرب والأندلس. وقبل ذلك كان علماء المغرب لا يدخلون في الكلام بل يتقنون الفقه أو الحديث أو العربية.
ويذكر أبو ذر قصة ميله إلى علم الكلام فيقول: “إني كنت ماشيا ببغداد مع الحافظ الدارقطني فلقينا أبا بكر بن الطيب -الباقلاني- فالتزمه الشيخ أبو الحسن، وقبل وجهه وعينيه، فلما فارقناه قلت له: من هذا الذي صنعت به ما لم أعتقد أنك تصنعه وأنت إمام وقتك؟ “.
فقال: هذا إمام المسلمين، والذابّ عن الدين. هذا القاضي أبو بكر محمد بن الطيب.
قال أبو ذر: فمن ذلك الوقت تكررت إليه مع أبي.
قال الذهبي: ولأبي ذر مصنفات في الصفات على منوال أبي بكر البيهقي بحدثنا وأخبرنا. ومن مؤلفاته:
1 – “مستدرك” لطيف على الصحيحين.
2 – كتاب السنة.
_
(1) ترجمته في “تاريخ بغداد” (11/ 141)، “تبيين كذب المفتري” (255، 256)، “السير” (17/ 554 – 562)، ” تذكرة الحفاظ” (3/ 1103 – 1108)، “البداية والنهاية” (12/ 50، 51)، “طبقات المفسرين” للداودي (1/ 372 – 374)، “شذرات” (3/ 254)، “تاريخ التراث العربي” (1/ 479).
(2) راجع “السير” (17/ 558)، “التذكرة” (3/ 1104، 1105).
(3) راجع “السير” (17/ 559)
=======
1 – كتاب الجامع.
4 – كتاب دلائل النبوة.
5 – كرمات الأولياء. وغير ذلك.
روى عنه البيهقي في هذا الكتاب وفي كتبه الأخرى.
6 – أبو منصور البغدادي، عبد القاهر بن طاهر (م 429 هـ).
كان من أكبر تلامذة الأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، وكان متبحرا في سبعة عشر فنا. وكان يضرب به المثل.
قال أبو عثمان الصابوني: كان الأستاذ أبو منصور من أئمة الأصول وصدور الإسلام بإجماع أهل الفضل، بديع الترتيب، غريب التأليف، إماما، مقدما، مفخما، ومن خراب نيسابور خروجه منها، وكان خرج منها لأجل فتنة وقعت من التركمان، ولما وصل إلى إسفرايين ابتهجوا بمقدمه إلى الغاية.
أخذ عنه أكثر أهل خراسان وله مؤلفات كثيرة نافعة منها:
1 – تفسير القرآن.
2 – تأويل متشابه الأخبار.
3 – فضائح المعتزلة.
4 – فضائح الكرامية.
5 – الإيمان وأصوله.
6 – الفرق بين الفرق.
7 – أصول الدين. وغير ذلك.
_
(1) ترجمته في “تبيين كذب المفتري” (253)، “إنباه الرواة” (2/ 185 – 186)، “وفيات
الأعيان” (3/ 203)، “فوات الوفيات” (2/ 370 – 372)، “السير” (17/ 572، 573)،
“طبقات السبكي” (3/ 328 – 342)، “البداية والنهاية” (12/ 44)، “طبقات ابن قاضي
شهبة” (1/ 213 – 215)، “بغية الوعاة” (2/ 105).
(2) “تبيين كذب المفتري” (253)، وراجع “السير” (17/ 572، 573)
=====
أخذ عنه البيهقي وروى عنه في هذا الكتاب وفي كتبه الأخرى.
7 – أبو عثمان الصابوني، إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم، النيسابوري (373 – 449 هـ).
الواعظ، المفسر، المتفنن. كان أبوه من أئمة الوعظ بنيسابور فقتل ولولده هذا تسع سنين، فأجلس مكانه، وحضر أول مجلسه أئمة الوقت في بلده، كالشيخ أبي الطيب الصعلوكي، والأستاذ أبي بكر بن فورك، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني، ثم كانوا يلازمون مجلسه ويتعجبون من فصاحته وكمال ذكائه وحسن إيراده. وصفه الأستاذ أبو إسحاق بـ “سيف السنة وغيظ أهل الزيغ”.
وقال فيه البيهقي: “إمام المسلمين حقا، وشيخ الإسلام صدقا”.
وروى عنه في هذا الكتاب وغيره.
كذا في مقدمة كتاب شعب الإيمان
الكتاب: شعب الإيمان
المؤلف: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي (٣٨٤ – ٤٥٨ هـ)
حققه وراجع نصوصه وخرج أحاديثه: د عبد العلي عبد الحميد حامد [ت ١٤٤٣ هـ]
أشرف على تحقيقه وتخريج أحاديثه: مختار أحمد الندوي [ت ١٤٢٨ هـ]، صاحب الدار السلفية ببومباي – الهند
الناشر: مكتبة الرشد للنشر والتوزيع بالرياض بالتعاون مع الدار السلفية ببومباي بالهند
الطبعة: الأولى، ١٤٢٣ هـ – ٢٠٠٣ م
عدد الأجزاء: ١٤ (الأخير فهارس)
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]