في مثل هذا اليوم من سنة ١٩٧٢ ألف وتسعمائة واثنتين وسبعين توفي العلامة المحقق والفهامة المدقق وحيد عصره وفريد دهره ونسيج وحده الإمام المتفنن الغائص في بحار العلوم المجيد عرض لآلئها لذوي الأبصار والفهوم أبو رجاء المعتز بالله وحده محمد محيي الدين بن العلامة الشيخ عبد الحميد بن العلامة الشيخ إبراهيم الأزهري الحنفي سقى الله قبره شآبيب الرحمة وروح روحه بالرضوان في أعلى الجنان..
ولقد كان الشيخ الجليل -سقى الله عهده- تذكار السلف في علو الهمة ونابغة الخلف في التفنن في العلوم مبرزا على الأقران فائقا في إحكام العبارة وحلو البيان فجمع بين العلم الغزير والبيان العذب النمير والتحقيق والتحرير.
فلا تدري إذا قرأت له أتعجب من سحر بيانه أم من سعة اطلاعه أم من دقة تقريره أم من حسن عرضه وجمال تحريره؟!
أما العربية فقد كان إمامها المقدم وعالمها المحكم وبحرها الزاخر نحوا وصرفا ولغة وبلاغة ولن تجد محبا للعربية إلا وقد أفاد من مؤلفاته وتحقيقاته وتعليقاته وبحوثه وفوائده.
فمن الذي لم يمر ب(مبادئ دروس العربية)او التحفة السنية او تنقيح الأزهرية أو منحة الجليل في تحقيق شرح ابن عقيل أو عدة السالك إلى تحقيق أوضح المسالك أو تحقيق شرح الأشموني على ألفية ابن مالك؟
ومن الذي درس الصرف فلم يستفد من تتمته الصرفية لشرح ابن عقيل ومن كتابه دروس في التصريف؟
وكان له نصيب في متن اللغة فكان ثاني اثنين في تأليف معجم لغوي وحقق كتاب جواهر الألفاظ وغيره وشرح مقامات بديع الزمان شرحا بديعا وهو في مقتبل الشباب، وشارك في البلاغة بكتاب تهذيب السعد وتحقيق المثل السائر.. وغير ذلك..
ولقد سارت الركبان بمؤلفاته وتحقيقاته في علوم العربية وعم نفعها الأقطار وطارت شهرته بها كل مطار حتى غطت على تفننه في العلوم.
فقد كان الشيخ _نور الله قبره_ علامة متبحرا ذا قدم راسخ في العلوم العقلية والنقلية.
فإن خطر ببالك الفقه والأصول فقد كان رئيس لجنة الفتوى بالجامع الأزهر وألف كتاببن جليلين في الأحوال الشخصية وفي الوصايا والتركات وهو منتدب بالسودان للتدريس بجامعته وحقق شرح الرحبية وزاده فوائد وتدريبات وألف كتابا تعليميا للمبتدئين في الفقه الشافعي وحقق عددا من كتب الفقه والاصول كموافقات الشاطبي ومسودة آل تيمية ومنهاج البيضاوي والطرق الحكمية لابن القيم والحاوي في الفتاوي للسيوطي والنهاية للولي البصير والشرح الصغير للدردير واللباب في شرح الكتاب للميداني والاختيار في تعليل المختار وغير ذلك.
وإن قلت قد يكون فقيها ولكنه أزهري لا يعرف الحديث فقد أخطأت ….الحفرة فلقد ألف شرحا ماتعا نافعا لألفية السيوطي في المصطلح قرأته قبل أكثر من عشرين عاما فكان وافيا كافيا لا مجرد تعليقات على بعض المواضع كما فعل صديقه الشيخ أحمد شاكر، ولقد حقق تنقيح الأنظار وعلق عليه وكتب له مقدمة حافلة وحقق سنن أبي داوود والجامع الصغير وغير ذلك وكان مشرفا على رسالة دكتوراه شيخنا نور الدين عتر عن الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه والصحيحين وله غير ذلك من الأعمال..
وإن قلت فليس له معرفة بالعلوم العقلية التي بينها وبين علوم اللغة والأدب بون شاسع فلست مصيبا أيضا فقد ألف كتابه الشهير في أدب البحث والمناظرة وحقق وعلق على شرح الملوي لسلم الأخضري في المنطق وحقق شرح عبدالسلام على جوهرة التوحيد للقاني وملأه علما وتعليقات مطولة هي في الحقيقة أبحاث ماتعة محررة وكتب شرحا مفيدا لكتاب المسايرة للكمال ابن الهمام وحقق الفرق بين الفرق للبغدادي وعلق عليه وكذلك مقالات الإسلاميين وكتب له مقدمة حافلة..
كما كانت له أعمال وتحقيقات في التاريخ والرجال كمروج الذهب وتاريخ الخلفاء ووفيات الأعيان وغيرها..
إن جهود الشيخ كثيرة اكتفيت بالإشارة إلى بعضها ولم أستوعب ذكرها ولا قصدت إلى ذلك ويكفيكمن القلادة ما أحاط بالعنق والحر تكفيه الإشارة..
ولئن طعن فيه بعض الفارغين والمترهلين فقد أنصفه العلامة الطناحي في مدخل لنشر التراث العربي والعلامة محمد رجب البيومي في النهضة الإسلامية في سير أعلامها ..
وإني لأناشد ورثة الشيخ ان يبادروا لطبع شرح الشيخ لمغني اللبيب الذي يقدر في سبع مجلدات وطبع تتمة شرحه وتعليقه على شرح الأشموني فيسدوا بذلك يدا بيضاء للشيخ والعربية.
أجزل الله مثوبته ورزقنا همته وأخلف الأمة أمثاله.
وسأضع في التعليق رابطا للقاءين تلفازيبن له لا أعرف لهما ثالثا.
وكتبه المعتز بالله وحده