الاجتهاد والتقليد واللامذهبية عند الوهابية

انعقد إجماع المسلمين على المَذَاهب الأربَعَة السُّنِّيَّة

قال شمس الدِّين الراعي الأندلسي (786-853هـ): ((انعقد إجماع المسلمين على مُتَابَعَة هؤلاء الأئمَّة الأربَعَة رضي الله عنهم، فَلَا يَجُوزُ الخرُوج عن المَذَاهب الأربَعَة اليوم.واعْلَم أنَّ الله تَعَالَى أَكرمُ مِن أَن يُعَذِّبَ عبدَه بوقُوعهِ في فعلٍ أو قولٍ قال بعض العلماء بِجَوَازهِ أو وَقَع الخِلَاف فيه بَيْنَهم.فإن قُلتَ: لِمَ خَصَّهم الله تعالى بذلك مَع أنَّ العقل والنَّقل يُجَوِّزَان أنَّه كان في علماء السَّلَف الصَّالح مَن هو في مَرْتَبَتهم أو أعلم منهم؟ فَلِمَ وَجَبَ اتِّبَاعُ الأَربَعَة دونَ غَيْرهم؟.قُلتُ: سَمِعْتُ شَيْخَنَا وسَيِّدنا قاضي القُضاة بغرناطة أبا القاسم محمَّد بن سراج أَعزَّه الله، يقول: “إنَّما ذلك لكَثرَةِ أتباعهم، عُرِفَت مَذَاهبهم وتَحقَّقت، وتواترَت أَقوَالهم عند أرباب مَذَاهبهم، وانعَقَدَ الإجْمَاع على اتِّباعهم والاقتداء بهم، فلَا يَجُوز لأحَدٍ اليوم أَن يَخرجَ عن المَذَاهب الأربعَة”.وقد ظهر من هذا أنَّهم في رُتْبَةٍ واحدةٍ في وجوب الاقتداء بهم، والاهتداء بهَدْيِهم، وليس تقصيرُ مَن قصَّرَ منهم في فنٍّ بالذي يُسقط رُتبته عن الآخر في وجوب الاقتدَاء به، فلكلِّ واحدٍ منهم منَ الفضائل والمناقب الشَّريفة ومكارم الأخلاق والرُّسوخ في العلم والدِّين ما حُشِيَتْ به الصُّحف، ونَقله الخَلَف والسَّلَف، وجلالتُهم في القلوب وعَظَمَتُهم في النُّفُوس من أقْوَى الأدلَّة على ذلك))(1).

__________

(1) “إنتصار الفقير السالك لترجيح مذهب الإمام مالك” (ص:125-126)، تحقيق: محمَّد أبو الأجفان، دار الغرب الإسلامي الطبعة الأولى:1981م.

السابق
القول الجلي في النذر للولي
التالي
اغتر ابن تيمية بشبهة الفلاسفة في مسألة قدم العالم وهي عدم جواز تخلف الفعل عن الفاعل المختار القادر، وضّح ذلك.