صفة الساق

بعض الوهابية لا يرون القرآن مرجحا ولكن يرون في رواية المجاهيل والوضاعين مرجحا!!! الهلالي نموذجا في ترجيحه لرواية “فيكشف عن ساقه”!!

أكثر من ذلك فإن الهلالي لم ير في القرآن نفسه قوة لروايات الباب التي تخالف مشربه، وبيانه أن حديث أبي سعيد عند البخاري الذي جاء فيه “فيكشف عن ساقه”[31]هكذا بإضافة الساق إليه تعالى، جاء في رواية مسلم[32] “فيكشف عن ساق” بدون إضافة إلى الله وهو موافق للفظ القرآن “يوم عن يكشف عن ساق”، أي أن الروايات اختلفت في ذلك فرجح الإسماعيلي رواية من رواه بدون إضافة لموافقتها لفظ القرآن، قال الحافظ: ووقع في هذا الموضع يكشف ربنا عن ساقه وهو من رواية سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم فأخرجها الإسماعيلي كذلك ثم قال في قوله عن ساقه نكرة ثم أخرجه من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم بلفظ يكشف عن ساق قال الإسماعيلي هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن في الجملة لا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين تعالى الله عن ذلك ليس كمثله شيء[33].اهـ
فرفض الهلالي قول الإسماعيلي “هذه أصح لموافقتها لفظ القرآن”، لماذا؟ قال لأن “اشتراط موافقة الحديث للقرآن شرط باطل، روى فيه قوم لا خلاق لهم روايات أوهى من بيت العنكبوت وأفسد من الخل خالط العسل”[34]!!!
فتأمل يرعاك الله ، صار موافقة القرآن للسنة سبّةً عند القوم !!! فما شاء الله، فأين الإمام الشافعي المسكين حين قال: وما ينسب إلى الاختلاف من الأحاديث ناسخ ومنسوخ فيصار إلى الناسخ دون المنسوخ ومنها ما يكون اختلافا في الفعل من جهة أن الأمرين مباحان كاختلاف القيام والقعود وكلاهما مباح ومنها ما يختلف ومنها ما لا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى كتاب الله أو أشبه بمعنى سنن النبي مما سوى الحديثين المختلفين أو أشبه بالقياس فأي الأحاديث المختلفة كان هذا فهو أولاهما عندنا أن يصار إليه[35].
حقا مسكين الإمام الشافعي حينما جعل من علامات الترجيح في الأحاديث المختلفة هو ترجيح الحديث الموافق للقرآن فقال ” ومنها ما لا يخلو من أن يكون أحد الحديثين أشبه بمعنى كتاب الله ” فأين هو من علم فضيلة الشيخ الهلالي !!!
ولكن الهلالي الذي لا يرى في القرآن مرجحا هو نفسه يرى في ما يرويه المجاهيل والوضاعين قوة لرواية يكشف عن ساقه” حيث احتج بما رواه ابن منده في الرد على الجهمية (ص: 40): أخبرنا علي بن أحمد بن الأزرق، بمصر، ثنا أحمد بن محمد بن مروان، ثنا أحمد بن محمد بن أبي عبد الله البغدادي، ثنا يحيى بن حماد، ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يوم يكشف عن ساق} قال: «يكشف الله عز وجل عن ساقه». قال الهلالي في المنهل الرقراق ص64 عن هذا الحديث: إسناده صحيح.اهـ
قال وليد: ولكن فيه ابن مروان، ولا يوجد إلا واحد في لسان الميزان بهذا الاسم متهم بوضع الحديث[36]، فمن أين جاءته الصحة؟ فتأمل كيف يضعف أسانيد ابن عباس في تأويل الساق ويتشدد فيها ولا يرى فيها ما يقوي بعضها، بل لا يرى في القرآن مرجحا لرواية من روى الحديث بدون إضافة الساق إليه، ثم يصحح لغاية في نفسه ما في إسناده متهم بالوضع!!!
وفضلا عن ذلك فقد ورد من نفس هذا الطريق عن أبي هريرة في التوحيد لابن خزيمة (1/ 378): حدثنا محمد بن معمر بن ربعي القيسي قال ثنا يحيى بن حماد قال ثنا أبو عوانة عن سليمان قال وحدثني أبو صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي قال إن أحدكم ليلتفت ويكشف عن ساق.اهـ فهذه الرواية وردت على الجادة كما ترى أي بدون إضافة الساق إلى الله، ولكن الهلالي كتم هذه الطريق فلم يذكرها لئلا يفسد عليه صفوه مشربه!!!!
لا بل إن الهلالي ذكر بأن حديث أبي هريرة الذي عزاه لابن منده في الرد على الجهمية، ذكر الهلالي أيضا بأنه أخرجه ابن منده في الإيمان، والطبري في تفسيره، ولكن لدى الرجوع إليهما وجدت أن الرواية فيهما بدون إضافة، وهنا الخيانة العلمية!!
قال الطبري: قال وثني أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم: ” … حتى إن أحدهم ليلتف فيكشف عن ساق، فيقعون سجودا[37].
وجاء في الإيمان لابن منده (2/ 794): .. عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «ينفخ في الصور» .. فذلك قول الله عز وجل: {يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون}
وأزيدكم أيضا طريقا في الغيلانيات حيث جاء فيها: قال أبو عوانة: وحدثني الأعمش قال: وحدثني أبو صالح، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” حتى إن أحدهم ليلتفت فيكشف عن ساق قال: فيخرون سجدا[38].
فهذا ثلاث طرق لحديث أبي هريرة ليس فيها إضافة الساق، وموافقة للقرآن، فتكون طريق ابن منده الأولى في الرد على الجهمية، مخالفة لهذه الطرق فتكون شاذة، أم أن الهلالي هنا سيقول بأنه لا يشترط أن للحديث أن يوافق حديثا آخر كما لا يشترط أن يوافق القرآنَ؟ إذن لماذ حكم الهلالي على طرق ابن عباس بالاضطراب؟!! حيث زعم أنها تخالف بعضها فبعضها جاء فيها أن الساق كرب وشدة، وفي أخرى: يكشف الأمر وتبدو الأعمال، وفي بعضها يكشف عن أمر عظيم، وفي أخرى يوم[39]القيامة والساعة لشدتها ، وفي بعضها جاء أنها يوم القيامة[40]!! كذا قال ولكن هذا ليس بشيء إذ يمكن أن يجمع بين معظمها فيقال بأنه يُكشف عن أمر عظيم وكرب شديد وذلك يكون يوم القيامة حين تبلى السرائر وتنشر أعمال الناس على الملأ، فلا تنافي بين الروايات إذن، وهذا أصلا مصرح به تقريبا في رواية “يريد يوم ‌القيامة ‌والساعة ‌لشدتها”، ومع ذلك يتعالم الهلالي ويرد على الحافظ تصحيحه وتحسينه لآثار ابن عباس في الباب بزعم اضطرابها، والاضطراب إنما هو في عقل الهلالي!!!
على كل نحن حتى لو سلمنا بضعف كل الآثار التي رويت في تأويل الساق فهذا لا يضرنا بل هذا أحظّ لنا … إذغايته أن السلف لم يثبت عنهم أنهم تكلموا في الآية بتأويل ولا تفسير وهذا هو التفويض الذي نسبناه للسلف وأنكرتموه .. بل هو أشد عندكم من التأويل “فتبين أن قول أهل التفويض الذين يزعمون أنهم متبعون للسنة والسلف من شر أقوال أهل البدع والإلحاد”[41]!!
وبالتالي فماذا جنيتم من تضعيف آثار تأويل الساق كما فعل الهلالي سوى أنكم هدمتم أكبر صرح وحجة على تفسير السلف للصفات وهو أثر مجاهد… وهكذا يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعله عدوه به .. إذ أني لو قدحت – وفعلا قدحت كما تقدم – في أثر مجاهد في الاستواء لأقاموا الدنيا علي وقالوا كيف تضعّفه مع تعليق البخاري له بصيغة الجزم؟!! مع أن الألباني ضعّف أحديث في البخاري[42] وفي مسلم[43]ما هو مسند وليس فقط معلق ولكن عين الرضا عن كل عيب كليلة .

=====


[31]
 صحيح البخاري بتحقيق البغا (6/ 2706)

[32] صحيح مسلم – عبد الباقي 1/ 167

[33] فتح الباري (8/ 664)

[34] المنهج الرقراق 51

[35] اختلاف الحديث للإمام الشافعي (ص: 14)، ونحوه ما سلكته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في نقدها لبعض الأحاديث، ففي «صحيح البخاري» (4/ 1462 ت البغا): «3759 – حدثني عبيد بن إسماعيل: حدثنا أبو أسامة، عن هشام، عن أبيه قال: ذكر عند عائشة رضي الله عنها: أن ابن عمر رفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (أن الميت ليعذب في قبره ببكاء أهله). فقالت: وهل ابن عمر رحمه الله، إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ليعذب بخطيئته وذنبه، وان أهله ليبكون عليه الآن). قالت: وذاك مثل قوله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على القليب وفيه قتلى بدر من المشركين، فقال لهم مثل ما قال: أنهم ليسمعون ما أقول). أنما قال: (إنهم الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق). ثم قرأت: {إنك لا تسمع الموتى} {وما أنت بمسمع من في القبور}. تقول حين تبوؤوا مقاعدهم من النار»

[36] قال ابن النجار كان يرى رأي الفلاسفة قتل سكران قلت وهو تلميذ يعقوب بن إسحاق الكندي فيلسوف العرب.. وقال ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء هو أحمد بن محمد بن مروان قلت فكأن الطيب لقب أبيه وذكر عبد الله بن أحمد بن أبي طاهر في أخبار المعتضد أن أحمد بن الطيب هو الذي أشار على المعتضد بلعن معاوية على المنابر … ثم ذكر خبر في ذم معاوية ثم قال: قلت وهذا باطل موضوع ظاهر الوضع إن لم يكن أحمد بن الطيب وضعه وإلا فغيره من الروافض وقال النديم كان علمه أكثر من عقله وذكر له كتبا في المنطق والنجوم وغير ذلك.اهـ انظر: لسان الميزان ت أبي غدة (1/ 489)

[37] جامع البيان ت شاكر (23/ 557)

[38] الفوائد الشهير بالغيلانيات لأبي بكر الشافعي (2/ 794)

[39] وحرّفها الهلالي في المنهل الرقراق ص31 فقال “فيقوم القيامة” وإنما هي “يوم القيامة” كما في فتح الباري وكما في الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 185) “يريد يوم ‌القيامة ‌والساعة ‌لشدتها”، وقد سبق ذلك.

[40] المنهل الرقراق ص31

[41] درء تعارض العقل والنقل لابن تيمية – (1/ 205).

[42] كقول الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 184: 1640 – إن الله تعالى قال : من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، و ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ، و ما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه…أخرجه البخاري ( 4 / 231 ) .. من طريق خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره.قلت : و هذا إسناد ضعيف ، و هو من الأسانيد القليلة التي انتقدها العلماء على البخاري رحمه الله تعالى.اهـ وانظر: الأحاديث التي ضعفها الشيخ الألباني في صحيح البخاري، بحث من أبحاث مؤتمر الصحيحين للدكتور محمد حمدي أبو عبده.

[43] انظر كتاب : تنبيه المُسلم إلى تعدّي الألباني على صحيح مُسْلِم، المؤلف: محمود سعيد ممدوح الشافعي.

انظر المنشور كاملا

السابق
دليل جمع وتفريق الجواهر:
التالي
ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻮﻥ ﺑﺠﻮﺍﺯ ﺇﺧﺮﺍﺝ ﺍﻟﻘﻴﻤﺔ ﻓﻲ ﺯﻛﺎﺓ ﺍﻟﻔﻄﺮ من فقهاء السلف والخلف (منقول)