الشيخ الأكبر ابن العربي يرد على الشيخ سعيد فودة وأمثاله.
الشيخ سعيد فودة يعلم أن الشيخ الأكبر ينفي الحلول والاتحاد بين الخالق والمخلوق، وإنما الذي يدعيه أن الشيخ الأكبر ينفي وجود العالم وأنه وهم وخيال وأن الموجود وحده هو الله، والعالم أمور اعتبارية قائمة بالذات الإلهية!!!
وهذا الفهم من الشيخ سعيد فهم لا أصل له في كلام الشيخ الأكبر بل هو من وهم وخيال الشيخ سعيد، ففهمه هو الوهم والخيال. وأما الشيخ الأكبر فإنه يرد على الشيخ سعيد وأمثاله حيث إنه يثبت أن الرب رب والعبد عبد، فهو القائل (فالرب رب والعبد عبد فلا تغالط ولا تخالط)(الفتوحات المكية، ج 3/ ص224.)
والشيخ الأكبر يفصل بين الرب والعبد في الوجود فوجودهما ليس واحدا، ومن يجمع بينهما في الوجود فهو واهم، حيث يقول: (وغاية صاحب الوهم أن يجمع بين الرب والعبد في الوجود وذلك ليس بجامع) الفتوحات المكية ج٣ ص ٣٧١.
فالشيخ الأكبر لا ينفي الوجود عن العبد وإنما ينفي أن يكون معنى الوجود جامعا للرب والعبد، وإنما لوجود العبد معنى منسوب إلى العبد، ولوجود الرب معنى منسوب إلى الرب، فالاشتراك بينهما في اسم الوجود والاختلاف في معناه، فهو من باب الاشتراك اللفظي، يقول الشيخ الأكبر في ذلك مكملا لكلامه السابق: ( فإني لا أعني بالجامع إطلاق الألفاظ، وإنما أعني بالجامع نسبة المعنى إلى كل واحد على حد نسبته إلى الآخر، وهذا غير موجود في الوجود المنسوب إلى الرب، والوجود المنسوب إلى العبد) (الفتوحات المكية، ج٣ ص ٣٧١)
وهذا الاختلاف في معنى الوجود المنسوب للرب ومعنى الوجود المنسوب للعبد، يحدده الشيخ الأكبر بأن وجود الرب هو عينه، وأما وجود العبد هو حكم يحكم به على العبد يصبح به موجودا وبدونه غير موجود، يكمل الشيخ الأكبر مبينا ذلك فيقول: ( فإن وجود الرب عينه، ووجود العبد حكم يحكم به على العبد، ومن حيث عينه(أي العبد) قد يكون موجودا وغير موجود) (الفتوحات المكية ج٣ ص ٢٧١).
فالشيخ الأكبر يرى أن وجود الرب هو عينه، وأما وجود العبد فهو أمر اعتباري يحكم به على عين العبد بالوجود، وبدونه يحكم على العبد أنه غير موجود، فهو بذلك يثبت للعبد عينا، ويحكم عليه بالوجود عند اتصافه بصفة الوجود التي هي صفة اعتبارية، وأما الرب فوجوده هو عينه، يكمل الشيخ الأكبر مبينا ذلك بقوله: ( والحد في الحالين على السواء في عينه(أي عين العبد) فإذا ليس وجوده عينه ووجود الرب عينه) الفتوحات المكية ج٣ ص ٢٧١- ٢٧٢).
وبهذا يتوضح للقارئ الفاهم أن الشيخ الأكبر يثبت وجودا للعبد ليس هو وجود الرب، وبينهما تمام التباين في المعنى، فوجود الرب عينه، ووجود العبد صفة اعتبارية يخرج بها العبد من حيز العدم إلى حيز الوجود.
والشيخ الأكبر بذلك يخالف مذهبي الأشاعرة في الوجود، فالوجود عندهم إما هو عين الموجود في الخالق والمخلوق وهو مذهب الإمام الأشعري ومن تبعه، وإما هو صفة اعتبارية في الخالق والمخلوق وهو مذهب جمهورهم، فخالفهما الشيخ الأكبر فجعل الوجود عين الموجود في الرب، وجعل الوجود صفة اعتبارية في العبد.
وبذلك يتوضح ويفهم معنى أن العبد لا وجود له في الحقيقة، لأن وجوده صفة اعتبارية، والاعتباري لا وجود له في الواقع، ولكن العبد له عين يكون موجودا بذلك الوجود الاعتباري في الواقع. فمن فرق بين الوجود والموجود وعلم أن الوجود أمر اعتباري لا وجود له في الخارج يصبح به العبد موجودا في الخارج، زال عنه كثير من اللبس في كلام الشيخ الأكبر.
ولا أوضح من ذلك لمن يريد أن يفهم.