الدرس الثالث والاربعون
الله خالق كل شئ
هنا سؤالان:
الأول: أن العبد لا يخلق أفعال نفسه كما تقدم بل يختارها، فهل الذي خلق الإيمان في العبد هو الله تعالى؟ وهل الذي خلق فيه الجهل والكفر هو الله تعالى؟
والجواب: نعم، إن الإنسان الذي اختار الإيمان خلق الله فيه الإيمان ورضيه له، والذي اختار الكفر والجهل خلق الله فيه الجهل والكفر ولم يرضه له، قال الله تعالى: «فلما زاغوا أزاع الله قلوبهم ﴾ [الصف: 5]، وقال : تعالى( ولا يرضى لعباده الكفر ﴾ [الزمر: 7]، فمن الجائز في حق الله تعالى خلق الخير والشر، وهو تعالى يخلق ما يشاء .
والسؤال الثاني : أن إرادة الله تعالى تخصص كل شيء ببعض ما يجوز عليه، والإنسان يجوز عليه الإيمان والكفر، والعلم والجهل، فهل إرادة الله في خصصت المؤمن بالإيمان، والكافر بالكفر؟ والعَالِم بالعلم، والجاهل بالجهل؟
والجواب : نعم، فإن المؤمن آمن بفضل الله وإرادته، والعَالِم علم بإرادة الله ورحمته، والكافر لم يكفر رغماً عن إرادة الله، والجاهل وهو الذي لا يعلم حقائق الأشياء، سواء أكان لا يعلم شيئاً أو يعلم الأشياء مغلوطة هذا أيضاً لو شاء الله لعلمه، قال الله تعالى : ( قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين﴾ [الأنعام: 149]، وقال الله تعالى : ( علم الإنسن ما لم يعلم » [العلق : 5]، وقال تعالى : ( من يهد الله فهو المهتد [الكهف: ۱۷].
وهذه المسألة يعبرون عنها بمسألة خلق الحسن والقبيح، والمراد بالحسن: ما لا يترتب عليه ذم وعقاب، والقبيح : ما يترتب عليه الذم في العاجل والعقوبة في الآجل، ومذهب أهل السنة أن الحسن والقبيح من خلق الله تعالى وبإرادته، وهو عز وجل يرضى الحسن ولا يرضى القبيح . والإنسان محاسب على اختياره، وهذا القول يبدو غريباً لكنه حق، لأننا إذا لم نقل به ترتب على نفيه أن بعض الأفعال ليست من خلق الله، وبعضها ليس بإرادة الله وهذا باطل، فالله خالق كل شيء، ولا يكون في ملكه شيء من غير إرادته، لكننا من باب التأدب مع الله تعالى نسب الخير إليه، وننسب الشر لأنفسنا، قال الله تعالى: ( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا – ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك وأرسلناك للناس رسولا وكفى بالله شهيدا ﴾ [النساء: ۷۸-۷۹]، فقد نصت الآية الأولى على أن النعمة والنقمة من عند الله) ثم بينت الآية الثانية أن النعمة فضل من الله والنقمة بسبب ما كسبت النفس، قال تعالى : ( وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ﴾ [الشوری : 30]، فنسب النقمة إلى النفس لتسببها وإن كان الفاعل هو الله تعالى ليعلمنا الأدب معه تعالى، لكن لا ننسى أن الإنسان يحاسب على اختياره، فقضية الكسب غير قضية خلق الأفعال كما تقدم .
والمعتزلة قالت: (إن الله تعالى يمتنع عليه إرادة الشرور والقبائح). زعموا أنه تعالى أراد من الكافر الإيمان وإن لم يقع منه، ولم يرد الكفر وإن وقع منه، وكذا أراد من الفاسق الطاعة لا الفسق، حتى إن أكثـر مـا يقـع مـن الـعـبـاد خـلاف مـراده تعالى، بـنـوا ذلك على أصلهم الفاسد من الحسن والقبيح العقليين، فقال: وعندنا جائز عقلاً عليه تعالى إرادة إيجاد الشر بإجرائه على أيدي العباد، وهو ما يعبرون عنه بالقبيح. والقبيح : ما يكون متعلق الذم في العاجل والعقاب في الآجل، لأن الحسن عندنا ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع. والمعتزلة استبدلت على مذهبهم: بأن إرادة الشرشر، وإرادة القبيح قبيحة، والله تعالى منزه عن الشرور والقبائح. ورد بأنه لا يقبح من الله تعالى شيء، وغاية الأمر أنه يخفى علينا وجه حسنه. ويلزم على مذهبهم أن أكثـر مـا يقع في ملكـه تعالى غير مراد له، و الشرور أكثر من الخيرات، ويرد مذهبهم قوله ﷺ: «ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن»). والقبيح عندهم هو الحرام بخصوصه، والحسن ما يشمل الواجب، والمندوب والمباح، والمكروه، وخلاف الأولى إن لم ندخله في المكروه. واصطلح كثير من أهل السنة على أن المنهي عنه مطلقاً قبيح ، والأحسن ما قاله إمام الحرمين : أن المكروه ـ ومنه خلاف الأولى ـ ليس بحسن ولا قبيح.