بل سترون العجب العجاب والأمر المستراب حين ترون كيف يُطلَق هذا المصطلح “الجهمية” على من يقول بالشيء، وعلى من يقول بضده …!!! فمثلا ستجدون أن من يؤول آيات الصفات وأحاديثها المتشابهة فهو جهمي، وأن من لايؤولها فهو جهمي!! ومن يفسرها فهو جهمي، ومن لا يفسرها فهو جهمي …!!! وأن من يقول استوى على العرش، ويسكت فلا يقول استوى بذاته فهو جهمي، وأن من يزيد على قوله “استوى على العرش” فهو جهمي..!!!! وأن من يقول استوى بمعنى استولى فهو جهمي، ومن يقول استوى بمعنى علا ولا يقول هو بمعنى جلس فهو جهمي!! ومن يقول الله يتكلم ويسكت فهو جهمي، ومن يقول بأنه يتكلم ولا يسكت فهو جهمي!!! ومن يقول استوى دون أن يقول استواء استقرار فهو جهمي، ومن يقول استوى استواء استقرار فهو مبتدع!!! وإذا أتينا إلى القرآن فستجدون أن كل قول قيل فيه: أطلق عليه ـ ولو تلميحا ـ أن قائله جهمي أو مبتدع!!!
“الجهمية المطاطة“
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/3371720682941930/
هذا المنشور هو جزء من ملف عندي بهذا العنوان بلغ حوالي 200 صحيفة، وقد كنت قد تعبت جدا في جمعه على مدار أشهر … ثم راجعته وصغت أول 40 ص منه خلال الأيام السابقة .. وسأنشرها في هذا المنشور والذي يليه بحول الله، ثم سأراجع وأصوغ ما بقي من الملف السابق وأنشره تباعا إن شاء الله، وهذا كله سيكون ضمن سلسلة ” هل الأشاعرة جهمية كما يشيع ابن تيمية وأتباعه؟”.
طبعا الهدف من هذا الملف أو النتيجة التي ستخرجون منها حينما تقرأون هذا المنشور وما سيليه من منشورات مماثلة إن شاء الله هو أن مصطلح “الجهمية” و”التجهم” مصطلح مرن واسع مطاط جدا يمكن أن يُلبَس لكل أحد ويطلق على كل قول!!
وهذا ما وقع وما لمسته وما سترونه فعلا؛ بحيث إنه ما من قول في مسائل الصفات أو حتى في غيرها إلا قيل – من قِبل هذا أو ذاك – بأن هذا قول الجهمية!! بل سترون العجب العجاب والأمر المستراب حين ترون كيف يُطلَق هذا المصطلح “الجهمية” على من يقول بالشيء، وعلى من يقول بضده …!!!
فمثلا ستجدون أن من يؤول آيات الصفات وأحاديثها المتشابهة فهو جهمي، وأن من لايؤولها فهو جهمي!! ومن يفسرها فهو جهمي، ومن لا يفسرها فهو جهمي …!!! وأن من يقول استوى على العرش، ويسكت فلا يقول استوى بذاته فهو جهمي، وأن من يزيد على قوله “استوى على العرش” فهو جهمي..!!!! وأن من يقول استوى بمعنى استولى فهو جهمي، ومن يقول استوى بمعنى علا ولا يقول هو بمعنى جلس فهو جهمي!! ومن يقول الله يتكلم ويسكت فهو جهمي، ومن يقول بأنه يتكلم ولا يسكت فهو جهمي!!! ومن يقول استوى دون أن يقول استواء استقرار فهو جهمي، ومن يقول استوى استواء استقرار فهو مبتدع!!!
وإذا أتينا إلى القرآن فستجدون أن كل قول قيل فيه: أطلق عليه ـ ولو تلميحا ـ أن قائله جهمي أو مبتدع!!! فمن يقول القرآن مخلوق فهو جهمي!!! ومن يقول القرآن ليس بمخلوق فهو مبتدع!!! ومن يقول بأن القرآن كلام الله، ويسكت فهو جهمي بل كافر!!! ومن يقول لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي، ومن يقولي لفظي بالقرآن ليس مخلوق فهو مبتدع …!! ومن يسكت عن الأمرين فهو جهمي واقفي كافر!!! ومن يقول: القرآن قديم فهو جهمي، ومن يقول بأنه حادث فهو جهمي!!! ومن يسكت فهو جهمي واقفي كافر!!! وهكذا دواليك !!!وهذا كله ترونه بأم العين موثقا أدناه في هذا المنشور وفي الذي يليه…!!!
فأنتم تلاحظون من هذه الأمثلة أن الوصف بالجهمية لم يعد قاصرا على آراء الجهم بن صفوان وأتباعه بل صار يطلق كمرادف لكلمة باطل أو مبتدَع أو نحو ذلك سواء قال بها الجهم أم لم يقلها، وسواء كان الذي أطلقها مصيبا أم مخطئا !!! وهذا يؤكد ما سبق أن أشرت إليه في أول هذه السلسلة من أن الجهمية نُسج – بفعل ابن تيمية وأتباعه – حولها الكثير من الأساطير والأوهام، لأنه نُسب إليها كثير من الأقوال التي لم تقل بها أو على الأقل لم تثبت عنها، بل قال بها خصومها من السلف والسلفية كما سترى!!!
لذلك فإن الإمام الأشعري حين ذكر الجهمية في مقالات الإسلامين لم يتكلم عنها إلا في أسطر قليلة[1]، وأما الفرق الأخرى فخصص لها عشرات الصفحات، فتكلم مثلا عن الشيعة من ص 5 إلى ص 85، ثم تكلم عن الخوارج إلى ص 132، ثم تكلم عن المرجئة إلى ص 155، ثم تكلم عن المعتزلة إلى ص 278، ثم تكلم ص 279، و 280 عن الجهمية فذكر في الصفحتين ثمانية أسطر، منها سطران عن مذهب جهم في الصفات!! ثم تكلم بعد ذلك في ص 281 و 282 عن الضرارية في صفحتين بأكثر مما تكلم به عن الجهمية!! أي أنه تكلم عن الجهمية بأقل من تكلمه عن فرقة مجهولة كالضرارية، وأما ابن تيمية فلا تكاد تجد صفحة من كتبه إلا ويذكر الجهم والجهمية ومذهبهم في مسائل الصفات فيها مرارا !!
مع أني ذكرت سابقا أن الجهم بن صفوان زعيم الفرقة لم يثبت عنه بالسند المتصل إليه شيء قط ، وهذا ما قلته إلا بعد استقراء كما بسطته في منشور سابق من هذه السلسلة[2]، انتهيت هناك إلى القول بأن “هذا الضجيج كله حول الجهم وآراءه ليس له معنى قط طالما أن تلك الآراء المنسوبة إلى جهم لا تثبت من جهة الإسناد”!!
وهذا المنشور وما سيليه سيؤكد ذلك، لأنك ستجد إطلاق وصف “الجهمية” على أقوال قال بها السلف أنفسهم كلهم أو جلهم أو بعضهم!!! بل كثيرا ما يسمى بالسلف والسلفية يطلقون هذا الوصف وينبذون به بعضهم بعضا وليس فقط يطلقونه على أتباع الجهم بن صفوان أو على الكلابية أو الأشعرية أو غيرهم من المذاهب والفرق الأخرى، ولا الفرق الأخرى تطلق هذا الوصف على أقوال قال بها السلف والسلفية!!!
وليس هذا فحسب بل إن هذا الوصف ينطبق تماما على كثير من الآراء التي قال بها ابن تيمية نفسه وأتباعه كما سبق من الأمثلة الموجزة السابقة التي سيأتي تفصيلها، وهذا ما ركزت عليه في الملف السابق أي أني جمعت مسائل كثيرة قال بها ابن تيمية وأتباعه ووُصفت من السلف أنفسهم بأنها قول الجهمية، وبالتالي فالوهابية الذين يجهدون أنفسهم ليثبتوا أن الأشاعرة جهمية وأن الجهمية كفار[3] … ليشفقوا على أنفسهم فهم أنفسهم جهمية كما سترى!!!! وهذا أوان الشروع بالأمثلة:
أولا: صفة السكوت من أثبتها فهو جهمي، ومن نفاها فهو جهمي!!!
أما أن من أثبت السكوت إلى الله فهو جهمي:
فقد قال الأشعري في الإبانة التي يحتفي به الوهابية: وكذلك يستحيل أن يوصف بخلاف الكلام من السكوت والآفات فوجب لذلك أن يكون لم يزل متكلما كما وجب أن يكون لم يزل عالما.. ومن فني كلامه لحقته الآفات وجرى عليه السكوت، فلما لم يجز ذلك على ربنا سبحانه صح أنه لم يزل متكلما؛ لأنه لو لم يكن متكلما وجب السكوت والآفات، تعالى ربنا عن قول الجهمية علوا كبيرا[4].
وجاء في التوحيد لابن خزيمة (1/ 349): ..أن كلام ربنا عز و جل لا يشبه كلام المخلوقين لأن كلام الله كلام متواصل لا سكت بينه ولا سمت لا ككلام الآدميين الذى يكون بين كلامهم سكت وسمت لانقطاع النفس أو التذاكر أو العي منزه الله مقدس من ذلك أجمع تبارك وتعالى.اهـ
ونحو هذا ـ أي أن الله لا يوصف بالسكوت ـ قال صالح عبد العزيز آل الشيخ في شرحه على الأربعين نووية ص424.
وأما ابن تيمية ـ وكذا ابن باز وابن عثيمين[5] ـ فيرى أن صفة سكوت الله ثابتة بالسنة وبإجماع السلف خلافا للكلابية والأشعرية والجهمية!!!
حيث قال ابن تيمية: “في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم ” {الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا عنه} ” رواه أبو داود… ويقول الفقهاء في دلالة المنطوق والمسكوت وهو ما نطق به الشارع وهو الله ورسوله وما سكت عنه…. فثبت بالسنة والإجماع أن الله يوصف بالسكوت”[6].اهـ
“وقد ذكر السلف – توضيحا لمذهبهم، وتميزاً له عن مذهب الكلابية والأشعرية ومن اتبعهم – أن الله يوصف بالسكوت، وأنه إذ اشاء تكلم وإذا شاء سكت، … .. ومن قال: إن القرآن شيئاً منه، ومن وحيه وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعدما كان يتكلم به في الأزل …فهو عندي جهمي يستتابيستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه”[7].
ثانيا: من ينكر أثر إجلاس النبي على العرش مع الله فهو من الجهمية، ومن يثبته فهو أيضا من الجهمية:
أما أن من ينكره فهو من الجهمية:
فقد قال الخلال: وقال أبو بكر بن إسحاق الصاغاني” من رد حديث محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد في قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] قال: «يقعده على العرش» ، فهو عندنا جهمي “[8]، وقال ” من رد حديث محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد في قوله {عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا} [الإسراء: 79] قال: «يقعده على العرش» ، فهو عندنا جهمي، يهجر ونحذر عنه،”[9] وقال أبو بكر يحيى بن أبي طالب: والله ما أعرف أحدا رده، ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث، يدعو إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمتنا، عجل الله له العقوبة”[10]. وقال أبو العباس هارون بن العباس الهاشمي: من رد حديث مجاهد فهو عندي جهمي، ومن رد فضل النبي صلى الله عليه وسلم فهو عندي زنديق لا يستتاب، ويقتل[11]. … وقال عبد الوهاب من رد هذا الحديث فهو جهمي[12].
وقال هارون بن معروف بعد أن حدث بأثر مجاهد: فبلغني أن مسلوبا من الجهال أنكر ذلك، فنظرت في إنكاره، فإن كان قصد مجاهدا، فابن عباس قصد، وإن كان لابن عباس قصد، فعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رد، وإن كان على رسول الله صلى الله عليه وسلم رد، فبالله كفر[13]
وقال الذهبي: فمن أفتى في ذلك العصر بأن هذا الأثر يسلم ولا يعارض أبو داود السجستاني صاحب السنن وإبراهيم الحربي وخلق بحيث أن ابن الإمام أحمد قال عقيب قول مجاهد أنا منكر على كل من رد هذا الحديث وهو عندي رجل سوء متهم سمعته من جماعة وما رأيت محدثا ينكره وعندنا إنما تنكره الجهمية [14].
وأما أن من يقول بحديث الإقعاد فهو جهمي:
فقد قال الخلال: قال أبو بكر يحيى بن أبي طالب: وقد كان كتب إلي هذا العجمي الترمذي كتابا بخطه، ودفعته إلى أبي بكر المروذي، وفيه: “أن من قال بحديث مجاهد فهو جهمي ثنوي“. وكذب الكذاب المخالف للإسلام، فحذروا عنه، وأخبروا عني أنه من قال بخلاف ما كتبت به فهو جهمي، فلو أمكنني لأقمته للناس[15].اهـ
قال وليد: فلاحظ كيف اجتمع في النص الأخير أن من يقول بأثر الإقعاد جهمي كما في قوله “من قال بحديث مجاهد فهو جهمي ثنوي“، ومن ينكره أيضا جهمي كما في قوله ” وأخبروا عني أنه من قال بخلاف ما كتبت به فهو جهمي “!!!
الذهبي والألباني وغيرهما ينكران أثر الإقعاد:
قال الذهبي: فأما قضية قعود نبينا على العرش فلم يثبت في ذلك نص بل في الباب حديث واه وما فسر به مجاهد الآية كما ذكرناه [16]. وقال أيضا: ..بحيث أن الفقيه أبا بكر أحمد بن سليمان النجاد المحدث قال فيما نقله عنه القاضي أبو يعلى الفراء لو أن حالفا حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش واستفتاني لقلت له صدقت وبررت. ثم تعقب الذهبي ذلك بقوله: فأبصر حفظك الله من الهوى كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر[17].اهـ
وأيضا أنكر الألبانيُّ كل الآثار والأقوال السابقة التي ساقها الخلال فقال الألباني: وتفسير بعضهم لقوله تعالى: “عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا” بإقعاده صلى الله عليه وسلم على العرش مع مخالفته لما في “الصحيحين” وغيرهما أن المقام المحمود الشفاعة العظمى، فهو تفسير مقطوع غير مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولو صح ذلك مرسلا لم يكن فيه حجة، فكيف وهو مقطوع موقوف على بعض التابعين؟! وإن عجبي لا يكاد ينتهي من تحمس بعض المحدثين السالفين لهذا الحديث الواهي والأثر المنكر، ومبالغتهم في الإنكار على من رده، وإساءتهم الظن بعقيدته! وقد ساق المصنف رحمه الله تعالى في الأصل أسماء طائفة منهم “ص124-126″، وزاد أسماء آخرين في “مختصره”[18].اهـ
ثم جاء بعض الوهابية فأنكر على الألباني إنكارَه، فقال: فقد تحذلق الألباني فقال: “هذا الأثر منكر؛ فإنه يتضمن نسبة القعود على العرش لله عز وجل، وهذا يسلتزم نسبة الاستقرار عليه لله تعالى، وهذا مما لم يرد؛ فلا يجوز اعتقاده ونسبته إلى الله عز وجل“[19].
وجاء وهابي آخر نشر مقالا بعنوان “تجهمات الذهبي المفوض” شنّع على الذهبي لإنكاره لأثر الإقعاد وأنكر عليه لأنه أنكر جلوس الله، ثم ختم مقاله بقوله “فلعنة الله تترى على المعطلة و أزواجهم و من يتخذهم أئمة في دينهم“[20].
ثالثا: سعيد بن جبير والبخاري والطبري جهمية لقولهم بأن كرسيه علمه!!!
قال البخاري في صحيحه: وقال ابن جبير: {كرسيه} [البقرة: 255]: «علمه»[21].اهـ وقد وصله ابن حجر في تغليقه عن أنه أسنده أيضا إلى ابن عباس[22]، وقد سبق أن أثبتنا صحة سند ابن عباس هذا[23].
وقال الطبري بعد أن حكى عدة أقوال في معنى الكرسي : …وأما الذي يدل على صحته ظاهر القرآن فقول ابن عباس الذي رواه جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير، عنه أنه قال: هو علمه … وأصل الكرسي: العلم، ومنه قيل للصحيفة يكون فيها علم مكتوب كراسة [24].اهـ وقال القرطبي: وقال ابن عباس : كرسيه علمه، ورجحه الطبري[25].
وأما ابن تيمية فقد قال في الحموية نقلا عن أبي نعيم الأصبهاني في كتابه «محجة الواثقين ومدرجة الوامقين» : وليس كرسيه علمه كما قالت الجهمية[26].اهـ قال وليد – رأف الله به – : وهذا الكتاب لأبي نعيم ليس موجودا حاليا ولا ذكره أحد في مؤلفات أبي نعيم ولا نقل عنه سوى ابن تيمية كما أقر بذلك التويجري محقق الحموية ص370.
وقد رد ابن تيمية على الطبري دون أن يسميه فقال : وطائفة اشتبه عليها ففسروا الكرسي بالعلم مع أن هذا لا يعرف في اللغة البتة … وأما تسمية العلم كرسيا فهذا لا يعرف في اللغة ولكن بعضهم تكلف له من قولهم كراس والكراس غير الكرسي[27].اهـ
وقال محمد خليفة التميمي في مقدمة تحقيقه لكتاب العرش للذهبي وهو يعدد الأقوال في الكرسي: القول الأول: أن المراد بالكرسي: العلم. وهذا القول هو قول الجهمية2، فقد أولوا الكرسي بمعنى العلمكما أولوا العرش بمعنى الملك، وكل ذلك فرارا منهم عن إثبات علو الله واستوائه على عرشه[28].
رابعا: الطبري ـ وكذا ابن حجر ـ جهمي مبتدع؛ لأنه أوّل العلو بالعلو المعنوي !!!
قال الطبري : وأما تأويل قوله: {وهو العلي} فإنه يعني: والله العلي، والعلي: الفعيل من قولك علا يعلو علوا: إذا ارتفع، فهو عال وعلي، والعلي: ذو العلو والارتفاع على خلقه بقدرته، وكذلك قوله: {العظيم} ذو العظمة، الذي كل شيء دونه، فلا شيء أعظم منه[29].اهـ
وقال أيضا في تفسير معنى استوى في اللغة: ومنها الاحتياز والاستيلاء كقولهم: استوى فلان على المملكة، بمعنى احتوى عليها وحازها. ومنها العلو والارتفاع، كقول القائل: استوى فلان على سريره، يعني به علوه عليه. وأولى المعاني بقول الله جل ثناؤه: {ثم استوى إلى السماء فسواهن} [البقرة: 29] علا عليهن وارتفع فدبرهن بقدرته وخلقهن سبع سموات. .. إلى أن قال: فإن زعم أن ذلك ليس بإقبال فعل ولكنه إقبال تدبير، قيل له: فكذلك فقل: علا عليها علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال[30].اهـ
وقد اعترض عبد الله الغنيمان على هذا التأويل فقال: قوله: ” فقل: علا عليها علو ملك وسلطان، لا علو انتقال وزوال”هو من جنس كلام أهل البدع، فلا ينبغي، وهو خلاف الظاهر من النصوص، بل هو من التأويل الباطل[31].
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح 6/ 136 : “وقيل: مناسبة التسبيح في الأماكن المنخفضة من جهة أن التسبيح هو التنزيه، فناسب تنزيه الله عن صفات الانخفاض كما ناسب تكبيره عند الأماكن المرتفعة، ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله ألا يوصف بالعلو من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس، ولذلك ورد في صفته العالي والعلي والمتعالي، ولم يرد ضد ذلك، وإن كان قد أحاط بكل شيء علمًا جل وعز”.اهـ
فتعقبه البرّاك قائلا: مضمون هذا الكلام أن الله عز وجل كما يستحيل أن يكون في جهة السفل يستحيل أن يكون في جهة العلو، ولا يلزم من ذلك أن لا يوصف بالعلو المعنوي؛ فالمستحيل عليه هو العلو الحسي. ويراد بالعلو الحسي علو الذات، وبالمعنوي علو القدر والقهر. وهذا هو مذهب المعطلة من الجهمية والمعتزلة، ومن تبعهم من الأشاعرة؛ فإنهم جميعًا ينفون علو الله عز وجل بذاته فوق مخلوقاته، ولذا ينفون استواءه على عرشه[32].اهـ
خامسا: البخاري مذهبه في اللفظ شر من الجهمية عند الذهلي وهو كافر عند أحمد … انتظره
——————————-
[1] حيث جاء في مقالات الإسلاميين ت ريتر (ص: 279) تحت عنوان “ذكر قول الجهمية”: الذي تفرد به جهم القول بأن الجنة والنار تبيدان وتفنيان، وأن الإيمان هو المعرفة بالله فقط والكفر هو الجهل به فقط، وأنه لا فعل لأحد في الحقيقة إلا الله وحده وأنه هو الفاعل وأن الناس إنما تنسب إليهم أفعالهم على المجاز كما يقال: تحركت الشجرة ودار الفلك وزالت الشمس وإنما فعل ذلك بالشجرة والفلك والشمس الله سبحانه إلا أنه خلق للإنسان قوة كان بها الفعل وخلق له إرادة للفعل واختياراً له منفرداً له بذلك كما خلق له طولاً كان به طويلاً ولوناً كان به متلوناً، وكان جهم ينتحل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقتل جهم بمرو قتله سلم بن أحوز المازني في آخر ملك بني أمية ويحكى عنه أنه كان يقول: لا أقول أن الله سبحانه شيء لأن ذلك تشبيه له بالأشياء، وكان يقول أن علم الله سبحانه محدث فيما يحكى عنه ويقول بخلق القرآن وأنه لا يقال أن الله لم يزل عالماً بالأشياء قبل أن تكون.اهـ
[2] حيث قلت هناك ((أنني بعد تصفحي لرسالة “مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية” وتتبعي للآراء التي نسبها الباحث ياسر القاضي في رسالته هذه إلى الجهم بن صفوان فقد وجدت أن أغلبها وبنسبة 90% تقريبا ليس له إسناد أصلا إلى الجهم، وإنما اعتمد الباحث ياسر على كتب الفرق والتاريخ والعقائد ـ لاسيما كتب ابن تيمية ـ ونحو ذلك، والتي غالبا كانت تنسب إلى الجهم أراءا وأقوالا دون سند، وغالبا ما يكون بينها وبين جهم عشرات بل مئات السنين، بل إن معظم الآراء التي نسبها الباحث ياسر إلى الجهم اعتمد فيها على كتب ابن تيمية الذي بينه وبين الجهم أكثر من ستة قرون … !! ولقد أحصيت الآراء التي رويت بالسند إلى الجهم فلم تتجاوز عدد أصابع اليد الواحدةفي كل رسالة ياسر القاضي المشار إليها والبالغة ألف صحيفة تقريبا كما تقدم، وحتى هذه الآراء المسندة يوجد في أسانيدها علل تمنع من صحتها كما سيأتي مفصلا وبالأدلة والبراهين. فتكون المحصلة أن الجهم بن صفوان على الرغم من كل هذا الضجيج المفتعل في معظمه، و المثار حول الجهم لا سيما من قبل ابن تيمية ـ وأتباعه طبعا ـ، والذي كرر كلمة الجهم أو الجهمية: 1925 مرة، هذا فقط في ثلاثة عشر كتابا من كتب ابن تيمية، وذلك بعد الاستعانة بالحاسوب ….. أقول: إن هذا الضجيج كله حول الجهم وآراءه ليس له معنى قط طالما أن تلك الآراء المنسوبة إلى جهم لا تثبت من جهة الإسناد))
انظر: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/922166534564036/
[3] انظر: “تكفير الأشاعرة” لخالد الغامدي، على هذا الرابط:
[4] الإبانة – الأشعري (ص: 63)
[5] انظر:
[6] «مجموع الفتاوى» (6/ 178)، وانظر: «صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة» لعلوي السقاف (ص203)، «العقيدة السلفية فى كلام رب البرية وكشف أباطيل المبتدعة الردية» (ص12)
[7] «موقف ابن تيمية من الأشاعرة» (3/ 1277)، والكلام بتمامه : “وقد ذكر السلف – توضيحا لمذهبهم، وتميزاً له عن مذهب الكلابية والأشعرية ومن اتبعهم – أن الله يوصف بالسكوت، وأنه إذ اشاء تكلم وإذا شاء سكت، وكان من أشهر ما وقع في ذلك قصة ابن خزيمة مع الكلابية – وكان ممن اعتنق مذهبه بعض تلامذته – فجرت ذكرها الحاكم في تاريخ نيسابور، ونقلها وعلق عليها شيخ الإسلام، وأشار أبو إسماعيل الأنصاري إلى هذه القصة في مناقب أحمد بن حنبل، ومما قاله فيها: “وجاءت طائفة فقالت: لا يتكلم بعد ما تكلم، فيكون كلامه حادثا”، ثم قال بعد ذكره لموقف أبي بكر بن خزيمة من هؤلاء: “فطار لتلك الفتنة ذلك الإمام أبو بكر، فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر ولقن في الكتاتيب، ونقض في المحاريب: إن الله متكلم، إن شاء الله تكلم وإن شاء سكت، فجزى الله ذلك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه وتوفير نبيه خيرا”. ويلاحظ التنصيص على ألفاظ واضحة البيان في مخالفة مذهب الكلابية والأشعرية، ومن ذلك قول ابن خزيمة – كما قصته مع الكلابية -: “الذي أقول به إن القرآن كلام الله ووحيه وتنزيله غير مخلوق، ومن قال: إن القرآن شيئاً منه، ومن وحيه وتنزيله مخلوق، أو يقول: إن الله لا يتكلم بعدما كان يتكلم به في الأزل … فهو عندي جهمي يستتاب، فإن تاب وإلا ضربت عنقه”. وذكر عن ابن خزيمة أيضاً أنه قال: “زعم بعض جهلة هؤلاءالذين نبغوا في سنتنا هذه أن الله لا يكرر الكلام فهم لا يفهمون كتاب الله … “.
[8] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 233)
[9] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 232)
[10] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 233)
[11] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 237)
[12] السنة – الخلال (1/ 248)
[13] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 234)
[14] العلو للعلي الغفار – (ص: 170)، انظر تفصيل ذلك في العلو بتحقيق السقاف ص445
[15] السنة لأبي بكر بن الخلال (1/ 234)
[16] العلو للعلي الغفار – (ص: 170)
[17] العلو للعلي الغفار (ص: 171)
[18] مختصر العلو للعلي العظيم (ص: 234)
[19] انظر مقال: “حول أثر مجاهد في تفسير المقام المحمود والرد على الألباني” على هذا الرابط
http://emad-farrag.blogspot.com/2014/10/blog-post_39.html
[20] وهذا جزء من المقال:
تجهمات الذهبي المفوض:
http://dawahilatawhed.blogspot.com/2016/06/blog-post_13.html
وقال أبو بكر بن عياش: قلت للأعمش: ما بال تفسير مجاهد مخالف – أو شئ نحوه؟ قال: أخذها من أهل الكتاب. (الطبقات الكبرى ط العلمية (6/ 20) وذكره الذهبي في السير أيضا.
وقد ساق الذهبي في الأصل أسماء طائفة منهم “ص124-126″، وزاد أسماء آخرين في “مختصره”، وإني لأراه كأنه أخذ بهيبتهم، فإنه يتردد بين مخالفتهم وموافقتهم! فإنه بعد أن نقل قول أبي بكر النجاد:
“لو أن حالفاً حلف بالطلاق ثلاثا أن الله يقعد محمدا صلى الله عليه وسلم على العرش، لقلت: صدقت وبررت”.
فقد تعقبه ( الذهبي) بقوله : “فأبصر -حفظك الله من الهوى- كيف آل الغلو بهذا المحدث إلى وجوب الأخذ بأثر منكر، واليوم فيردون الأحاديث الصريحة في العلو بل يحاول بعض الطغاة أن يرد قوله تعالى {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} … اهـ
وقال الذهبي أيضا : ومِنْ أَنكرِ ما جاء عن مجاهد في التفسير في قوله : (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: يُجلسه معه على العرش . ( ميزان الإعتدال3/439)
وقال الذهبي أيضا : وَلِمُجَاهِدٍ أَقْوَالٌ وَغَرَائِبُ فِي العِلْمِ وَالتَّفْسِيْرِ تُسْتَنْكَرُ…(السير 4/455
وقال الذهبي في “الكبائر” (ص: 153):وَلَو قَالَ: “إِن الله جلس للإنصاف، أَو قَامَ للإنصاف، كَفَرَ“.
فلعنة الله تترى على المعطلة و أزواجهم و من يتخذهم أئمة في دينهم
أخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، عن ابن عباس في قوله : يوم ندعوا كل أناس بإمامهم . قال : إمام هدى، وإمام ضلالة .اهـ
[21] صحيح البخاري (6/ 31) دار طوق النجاة، وبتحقيق البغا (4/ 1648)
[22] قال الحافظ في تغليق التعليق (4/ 185): قوله فيه : وقال ابن جبير كرسيه علمه. أخبرنا بذلك عبد القادر بن محمد بن علي أنا أحمد ح 221 بن علي بن الحسن الجزري أنا محمد بن إسماعيل خطيب مردا أنا علي بن حمزة الكاتب أنا أبو القاسم بن الحصين أنا أبو طالب بن غيلان أنا أبو بكر الشافعي ثنا إسحاق بن الحسن ثنا أبو حذيفة ثنا سفيان عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله {وسع كرسيه السماوات والأرض} قال علمه.
وقد روي عن جعفر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس. أخبرنا أبو بكر بن إبراهيم بن العز أنا أحمد بن أبي طالب أن محمد بن محمد ابن السباك كتب إليهم أنا أبو الفتح بن البطي أنا أحمد بن علي أنا أبو القاسم الطبراني أنا علي بن عمر بن إبراهيم ثنا أحمد بن محمد الجوزي ثنا الحسن بن مكرم ثنا يحيى بن حماد ثنا أبو عوانة عن مطرف عن جعفر أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال {وسع كرسيه السماوات والأرض} قال علمه.اهـ
[23] انظر:
https://www.facebook.com/…/permalink/2883433545103982
[24] جامع البيان ط هجر (4/ 539)
[25] الجامع لأحكام القرآن ج3 ص276
[26] الفتوى الحموية الكبرى (ص: 371)
[27] بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية (8/ 363)
[28] مقدمة تحقيق العرش للذهبي (1/ 348)
[29] جامع البيان ط هجر (4/ 544)
[30] جامع البيان ط هجر (1/ 457)
[31] شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/ 360)
[32] تعليقات الشيخ البراك على المخالفات العقدية في فتح الباري (6/ 136)