قال الإمام المفسر السلفي محمد بن جرير الطبري (ت:310ه): ((وقال الله تبارك وتعالى: يا موسى: ﴿اخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى﴾[طه:12] فخلعها فألقاها. واختلف أهل العلم في السبب الذي من أجله أمر الله موسى بخلع نعليه؛ فقال بعضهم: أمره بذلك لأنهما كانتا من جلد حمار ميت، فكره أن يطأ بهما الوادي المقدس، وأراد أن يمسه من بركة الوادي))(1) إلى أن قال: ((وقال آخرون: كانتا من جلد بقر، ولكن الله أراد أن يطأ موسى عليه السلام الأرض بقدميه؛ ليصل إليه من بركتها))(2) ثم فصل قائلا: ((وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: أمره الله تعالى ذكره بخلع نعليه ليباشر بقدميه بركة الوادي، إذ كان واديا مقدسا. وإنما قلنا: ذلك أولى التأويلين بالصواب؛ لأنه لا دلالة في ظاهر التنزيل على أنه أمر بخلعهما من أجل أنهما من جلد حمار، ولا لنجاستهما، ولا خبر بذلك عمن تلزم بقوله الحجة، وإن في قوله: ﴿إنك بالواد المقدس﴾[طه:12] بعقبه، دليلا واضحا على أنه إنما أمره بخلعهما لما ذكرنا))(3) وهذا فيه التبرك بالأماكن المقدسة.
وقال في تفسير قوله تعالى: ﴿وقال لهم نبيهم إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين﴾[البقرة:248] بعد أن ذكر أقوال أهل التفسير في الآية، ما نصه: ((وأولى القولين في ذلك بالصواب، ما قاله ابن عباس ووهب بن منبه، من أن التابوت كان عند عدو لبني إسرائيل كان سلبهموه، وذلك أن الله تعالى ذكره قال مخبرا عن نبيه في ذلك الزمان قوله لقومه من بني إسرائيل: ﴿إن آية ملكه أن يأتيكم التابوت﴾[البقرة:248] والألف واللام لا تدخلان في مثل هذا من الأسماء إلا في معروف عند المتخاطبين به، وقد عرفه المخبر والمخبر، فقد علم بذلك أن معنى الكلام: أن آية ملكه أن يأتيكم التابوت الذي قد عرفتموه، الذي كنتم تستنصرون به، فيه سكينة من ربكم))(4) وهذا فيه الاستنصار بآثار الأنبياء، ومما يزيدك الأمر وضوحا ما ذكره الإمام بعد أن سرد جملة من الأقوال في تفسير قوله تعالى: ﴿وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون﴾[البقرة:248] كما في الآية المذكورة؛ فقال -الإمام الطبري-: ((وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن الله تعالى ذكره أخبر عن التابوت الذي جعله آية لصدق قول نبيه عليه السلام الذي قال لأمته: ﴿إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا﴾[البقرة:247]. أن فيه سكينة منه، وبقية مما تركة آل موسى وآل هارون. وجائز أن تكون تلك البقية: العصا، وكسر الألواح، والتوراة أو بعضها، والنعلين، والثياب، والجهاد في سبيل الله. وجائز أن يكون بعض ذلك))(5) وهذا من الإمام واضح في التبرك والاستنصار بآثار الأنبياء عليهم السلام.
وقال الإمام أيضا: ((القول في تأويل قوله جل ثناؤه: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به﴾[البقرة:89]. يعني بقوله جل ثناؤه: ﴿وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا﴾[البقرة:89] أي: وكان هؤلاء اليهود -الذين لما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم من الكتب التي أنزلها الله قبل الفرقان، كفروا به- يستفتحون بمحمد صلى الله عليه [وآله] وسلم- ومعنى الاستفتاح: الاستنصار- ويستنصرون الله به على مشركي العرب من قبل مبعثه. وذلك قوله: ﴿ومن قبل﴾[البقرة:89] أي: من قبل أن يبعث))(6) وهذا فيه الاستنصار بذوات الأنبياء عليهم السلام.
وقال الإمام الطبري في تاريخه: ((وأخذ القوم جسد عبد الرحمن [بن ربيعة وكان يقال له ذو النور] فجعلوه في سفط، فبقي في أيديهم، فهم يستسقون به إلى اليوم ويستنصرون به))(7).
وقال الحافظ ابن حجر: ((وأخرج الطبري من طريق الواقدي: أن معاوية صالحهم [الروم] بعد فتحها [قبرس] على سبعة آلاف دينار في كل سنة فلما أرادوا الخروج منها قربت لأم حرام دابة لتركبها فسقطت فماتت فقبرها هناك يستسقون به ويقولون قبر المرأة الصالحة))(.
فيا أيها الباديسية: هل الإمام المفسر الطبري (ت:310ه): مشرك من عبدة القبور كما تفترون على الأبرياء؟!.
(1) تفسير الطبري (16/22-23)، تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان: مصر، الطبعة الأولى: 1422ه-2001م.
(2) تفسير الطبري (16/24).
(3) تفسير الطبري (16/25).
(4) تفسير الطبري (4/466).
(5) تفسير الطبري (4/477).
(6) تفسير الطبري (2/236).
(7) تاريخ الطبري أو تاريخ الرسل والملوك للإمام الطبري (4/305)، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعارف بمصر: الطبعة الثانية.
( فتح الباري شرح صحيح البخاري: (11/76)، المكتبة السلفية.