قال صديقنا العلامة أحمد زاهر سالم في أطروحته العلمية “قياس الأولى وأثره في فهم صفات الله بين الأشاعرة وابن تيمية” (ص: 326):
ثم يغرق ابن تيمية في تشبيه الله بخلقه فيقيس قدرته على قدرتهم ويستدل بذلك على إثبات قدرة الله على ذاته، وهو كلام باطل يشمئز منه قلب المسلم قبل عقله، لأنه لا يقدر ولا يعظم الله حق قدره وتعظيمه، ولأنه يتنافى مع مبدأ الألوهية والكمال والاستغناء الذاتي، وصدق الله القائل: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ … سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ) (1).
فقدرة الله تعالى عند ابن تيمية ليست صفة أزلية تتعلق بمقدوراتها منذ الأزل تعلقا صلوحيا وفيما لا يزال متعلقا تنجيزيا عند وقوعها، بل هي صفة قديمة النوع حادثة الأفراد، كما سبق نقله عنه.
وبيان ذلك أن ابن تيمية لما اعتقد أن الفعل من الكمال وأن دوامه دوام الكمال؛ قال بدوام الفعل الإلهي وأن الله لم يزل فعالا لم يزل متكلما لم يزل خالقا، وأن فعله لا يصدر عنه بلا مشيئة ولا قدرة، فليس هو موجبا بذاته، ولا علة أزلية مستلزمة للفعل، بل هو سبحانه القادر المختار الذي يوجب بمشيئته وقدرته ما شاء وجوده (2).
والقول بدوام الفعل الإلهي المتوقف على المشيئة والقدرة يقتضي تجدد وحدوث وتغير المشيئة والقدرة عند تجدد كل فعل، ومن ثم قال ابن تيمية بالقدر المتعاقبة وأنها حادثة الأفراد قديمة النوع.
وقد اغتر ابن تيمية بشبه الفلاسفة في مسألة قدم العالم، ومن ذلك قوله: (إن القدرة التامة والإرادة الجازمة تقتضي وجود الفعل، ولا يتصور عدم الفعل إلا لعدم كمال القدرة أو لعدم كمال الإرادة)، معللا ذلك بأنها المرجح التام للفعل الممكن، فمع وجودهما يجب وجود ذلك الفعل، قائماً على ما يجده الإنسان في نفسه، وأنه إذا توجهت إرادته لأمر وكانت لديه القدرة عليه ولم يحل دونه حائل ولا مانع وتحقق وقوعه، مدعيا أنه بهذا التحرير يزول الإشكال (3).
__________
(1) ـ الزمر:67.
(2) – منهاج السنة ج 1 ص 242.
(3) – منهاج السنة ج 1 ص 12.
****************************************
والحق أنه قد أضاف إشكالاً جديداً، فإننا متفقون على أن النوع لا وجود له، ومعنى ذلك في الحقيقة أن صفة القدرة حادثة، وفي ذلك من النقص والعيب ومشابهة المخلوقين ما فيه.
ثم إن مقدمات ابن تيمية غير مسلمة له ولا صحيحة، فإن الفعل ليس كمالاً، وإنما القدرة عليه بالنسبة لله هو الكمال، وكيف يثبت لنا القول بأنه تعالى قادر مختار مع القول بدوام الفعل وأنه الكمال الواجب لله! فإن الثاني يسلب الأول وينافه. ولا نسلم أن القدرة التامة والإرادة الجازمة يجب مع وجودهما وجود الفعل عقبهما مباشرة، وأن ذلك يقتضي قدم العالم بأسره، وهو باطل مخالف للضرورة، بل إنهما يتعلقان في الأزل بالمفعول فيما لا يزال، فيوجد في الوقت والمكان الذي شاءه الله ولا يتخلف، أي: إن الإرادة في الأزل خصصت الممكن ببعض ما يجوز عليه وتعلقت القدرة في الأزل تعلقا صلوحيا بوجوده في الزمان والمكان الذي خصصته الإرادة، فإذا جاء أجل ذلك تحقق وجوده دون تخلف ولا تعقيب على حكمه سبحانه وتعالى.اهـ