قال سيدي الشيخ المُحِبُّ يوسُف النبهاني رضي الله عنه-:
اعلم أن الإمام ابن تيمية هو في العلم كالبحر العجاج المتلاطم بالأمواج؛ فهو تارة يلقي اللؤلؤ والمرجان، وتارة يلقي الأحجار والصدف، وتارة يلقي الأقذار والجيف، ولكن صفته الأولى والجميلة هي الغالبة عليه، فله صفتان: صفة محمودة وهي صفة إماميته في العلم النافع وهي الغالبة عليه وبها يستحق المدح، ومتى مدحته في كلامي فإنما أمدحه لأجلها كما مدحه لذلك كثير من أكابر علماء المذاهب الأربعة.
وصفة مذمومة: وهي صفة إماميته ببدعه المعلومة وبها يستحق الذم، ولأجلها تراني أذمه تبعا لمن ذمه عليها من علماء المذاهب الأربعة تحذيرا للمسلمين من أن يتبعوه عليها ورحمة بهم وشفقة عليهم من أن ينخدعوا بزخارف كلماته المنمقة فيهووا بمهاوي زلاته الممتحقة وكذلك يقال في حق تلميذيه ابن القيم وابن عبد الهادي وإن كان استحقاق ابن القيم للمدح أكثر لكثرة مؤلفاته النافعة. فإياك أيها المطلع على كتابي هذا أن تظن وقوع التناقض من هذه الجهة في كلامي أو كلام من اتبعتهم على ذلك من أئمة علماء المذاهب الأربعة، لأن المدح كما علمت راجع لأوصافه الممدوحة والذم راجع لأوصافهم المذمومة، ووالله لولا أن بدعهم متعلقة بلباب الدين وشؤون سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم لما تعرضت لأحد منهم بكلمة فيها أدنى ذم له ولو صدر منهم من الخطأ ما عساه أن يصدر لأنهم بشر وليسوا بأنبياء، فهم غير معصومين من الخطأ، وإنما ينظر إلى ما يغلب عليهم من الحسنات أو السيئات، وحسنات هؤلاء الأئمة هي بحمد الله أكثر من سيئاتهم أضعافا كثيرة، لأنهم من أئمة الإسلام وأكابر العلماء الأعلام، لا سيما والاعتراض من مثلي على مثلهم فيه
عدم توقير الصغير للكبير وهو منهي عنه شرعا، إذ لا مناسبة بيني وبينهم في العلم والفهم لأني من أضعف الطلبة وهم من أئمة العلماء، ولكن هذه المسائل التي زلوا فيها وخالفوا فيها جمهور الأمة المحمدية، وجلبوا بها على المسلمين وعلى أنفسهم أعظم بلية هي من الظهور بحالة لا تخفى على مثلي ولا على من هو أقل مني، ومع ذلك فإني مع نقل ردود العلماء عليهم في تلك البدع ومبالغتي في تحذير المسلمين منها والرد عليهم فيها أعتقد كمال فضلهم وتقواهم وإمامتهم في الدين في غير ما خالفوا به جمهور المسلمين فيلزمنا عل كل حال توقيرهم والثناء عليهم لتلك الصفات الجميلة، وهم بلا شك أجدادي من حيث العلم، فأسانيدي متصلة بهم وذمي لهم إذا كان بدون حق فيه قطيعة لرحم القرابة العلمية، ولكن قد علمت أن هذا الذم هو بحق وصدق لأنه راجع إلى بدعتهم المذمومة ، فالمذموم في الحقيقة تلك البدعة لا هم، ولا أشك بأنهم بعد موتهم حين انكشفت لهم الحقائق علموا أنهم كانوا مخطئين في تحريم السفر لزيارة سيد المرسلين والاستغاثة به كسائر الأنبياء والصالحين، فهم لا يسوءهم من يرد عليهم تلك الآراء الفاسدة وتحذير الناس من اتباعهم عليها، بل يسرهم ذلك ليقل من يتبعهم على تلك البدع الفاحشة في الدين، لا سيما ما يتعلق منها بسيد المرسلين وحبيب رب العالمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
(شواهد الحق في الاستغاثة بسيد الخلق صلى الله عليه وسلم: ص٤٤)