[1] أثر تجسيم أهل الكتاب في عقائد بعض المُحدّثين.
جاء في كتاب “التجسيم في الفكر الإسلامي” للصقار (1/ 85):
المطلب الثاني: أثر تجسيم أهل الكتاب في عقائد بعض المسلمين
سبق أن الإمام الرازي أشار إلى أن بدو ظهور التشبيه في الإسلام من الروافض ثم تهافت في ذلك المنتسبون إلى أهل الحديث. أما الروافض الذين حكى عنهم علماء الفرق التجسيم فسوف نفصل مقالاتهم في المطلب القادم. ولا تظهر الحاجة هنا إلى دراسة أثر تجسيم أهل الكتاب في هذه المقالات لسببين أحدهما أن عرض هذه المقالات يكفي في إثبات براءة عقيدة المسلمين منها، وأنها مقتبسة من عقائد أهل الكتاب، والثاني أن هذه الفرق انقرضت بحمد الله فهذا الإمام الأشعري يحكي عن الروافض اختلافهم في التجسيم فيذكر مقالات بيان وهشام وغيرهما ثم ينقل عن فرقة من الروافض نفي التجسيم ويقول: (وقالوا في التوحيد بقول المعتزلة والخوارج وهؤلاء قوم من متأخريهم. فأما أوائلهم فإنهم يقولون ما حكينا عنهم من التشبيه) (2) .
أما أثر تجسيم أهل الكتاب في عقائد بعض المنتسبين إلى أهل الحديث فهو الذي يحتاج إلى دراسة وإيضاح.
وأقدم من يُحكى عنه التجسيم في دائرة أهل الحديث هو مقاتل بن سليمان السدوسي(150هـ). أخرج الخطيب البغدادي بسنده عن أبي حنيفة قال: (أتانا من المشرق رأيان خبيثان جهم معطل ومقاتل مشبه) (3) .
(2) مقالات الإسلامين 1/31.
(3) تاريخ بغداد 13/164 وسيرأعلام النبلاء 7/202.
وحكى عنه الإمام الأشعري أنه قال: إن الله جسم وله جثه وإنه على صورة الإنسان لحم ودم وشعر وعظم..وهو مع ذلك لا يشبه غيره، ولا يشبهه غيره. (1) ولم يبرئه المحدثون من نسبة التجسيم إليه. يقول الذهبي في ترجمته: (مقاتل بن سليمان.. متروك الحديث وقد لطخ بالتجسيم مع أنه كان من أوعية العلم بحراً في التفسير) (2) .
ويبدو أن مقاتل بن سليمان قد تأثر بكتب أهل الكتاب. فقد أخرج الخطيب البغدادي بسنده عن الإمام أحمد بن حنبل أنه سئل عن مقاتل فقال: (كانت له كتب ينظر فيها إلا أني أرى أنه كان له علم بالقرآن) (3) .
وقال الحافظ ابن حبان: (كان يأخذ عن اليهود والنصارى علم القرآن الذي يوافق كتبهم وكان مشبها يشبه الرب بالمخلوقين. وكان مع ذلك يكذب في الحديث) (4)
على أن تسرب التجسيم إلى عقائد بعض المنتسبين إلى المحدثين لا ينحصر في مقاتل بن سليمان بل يمكن إثبات ذلك بمتابعة مرويات أهل الكتاب التي قبلها بعض المحدثين فلم يكتفوا بروايتها بل احتجوا بها وأنكروا على من يدفعها متذرعاً بأنها من أخبار أهل الكتاب. وربما زاد بعضهم على ذلك مقتبساً من عقائد اليهود كما قال الشهرستاني: (وزادوا في الأخبار أكاذيب وضعوها ونسبوها إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأكثرها مقتبس من اليهود فإن التشبيه فيهم طباع حتى قالوا اشتكت عيناه فعادته الملائكة وبكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وإن العرش ليئط من تحته أطيط الرحل الجديد وإنه ليفضل من كل جانب أربعة أصابع) (5)
(1) مقالات الإسلاميين 251.
(2) تذكرة الحفاظ 1/174 وانظر نحوه في تاريخ بغداد 13/162 والمنتظم، ابن الجوزي 8/126.
(3) تاريخ بغداد 13/161.
(4) المجروحون 2/15 وانظر نحوه في وفيات الأعيان 5/255 والضعفاء لابن الجوزي 1/136.
(5) الملل والنحل106.
ويكفي لإثبات تأثر بعض المحدثين بمرويات أهل الكتاب أن تطلع على الكتب التي صنفت تحت عنوان(السنة) ويعنون بها ما يقابل البدعة – وعلى الكتب التي صنفوها للرد على مخالفيهم ويغلب أن يسمى مثل هذا المصنف(الرد على الجهمية). ويجب أن نسلم بالفرق بين لوازم وجود الروايات بحسب اختلاف المصنفين. فلايعاب على من قصد جمع المنقول من التفسير بالمأثور مثلا أن يجمع في ما جمع رواية عن أهل الكتاب. لكنه لا يسلم إذا أخرج هذه الرواية في كتاب اسمه (السنة) أو (الرد على الجهمية).
يقول الكوثري: (على أنه حيث سمى كتابه (السنة) يفيد أن ما حواه ذلك الكتاب هو العقيدة المتوارثة من الصحابة والتابعين.. فلا حاجة إلى مناقشته فيما ساقه من الأسانيد… فيتبين بذلك الفرق بين ذكر شيء في كتاب يسميه مؤلفه باسم (السنة) وبين ذكره في كتاب لا يسمى بمثل هذا الاسم، لأن الثاني لا يدل على أن جميع ما فيه مما يعتقده مؤلفه، بل قد يكون جمع فيه ما لقي من الروايات تاركاً تمحيصها للمطالع بخلاف الأول فلا نناقش المؤلف في الأسانيد بل نوجه النقد إلى المؤلف مباشرة من جهة أن ما حواه هو معتقده) (1) .
ونجد أن هذا المعنى مسلَّم به عند من يعتد بما في هذه الكتب، يقول الدكتور رضا بن نعسان في رسالته الجامعية: (إن علماء السلف قد ألفوا كتباً كثيرة وقد أطلق على كثير منها اسم الإبانة…. وأحيانا يطلقون على هذه المؤلفات اسم (السنة) أو (شرح السنة) – وعد كتباً منها كتاب السنة لعبد الله بن أحمد، والسنة لابن أبي عاصم، ثم قال- ويهدف مؤلفو هذه الكتب إلى إبراز عقيدة السلف كما كانت خالصة من شوائب الفرق الأخرى وشبهها، وذلك من خلال روايتهم للآثار الواردة في هذه العقيدة.
(1) مقالات الكوثري 326.
ويكاد يكون موضوع هذه الكتب ونهجها واحداً وهو كما قلنا رواية الأحاديث الواردة في جميع أبواب العقيدة السلفية وذكر عقائد السلف الصالح) (1) .
إذن فلننظر فيما جاء في هذه المصنفات من مرويات أهل الكتاب التي تفيد التجسيم ليتضح بذلك أثر هذه المرويات في اعتقاد بعض المسلمين.
أولاً: أخرج عبد الله بن أحمد بسنده عن نوف البكالي…. انتظر التتمة
(1) انظر هامش الإبابة، ابن بطة 1/48 وانظر نحوه في تحقيق د.باسم فيصل الجوابر لكتاب السنة.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid0KGED4qQnYZAyWxotoB1jTDL6ddPbVM6M6Wy5mDQY8hW9DVmpCTkFGRGtLFzfmP76l&id=551774174853442