[2] ابتغاء وجه الله في الكلام على وجه الله*
…..والواقع أن هذا الإشكال لم يجب عنه أحد من السلفية مع أن هذا إشكال قديم ذكره ابن جماعة[1] وغيره، اللهم إلا واحد فقط وهو الشيخ عبد الرزاق البدر فقد أجاب بالجواب التالي فقال: ‘‘‘‘وقد شوَّش بعض المبتدعة على الناس ، فقالوا : لو أثبتنا من هذه الآية الوجه ، للزم من ذلك هلاك الذات ـ تعالى الله عما يقولون ـ ؛ لأنه لم يُسْتَثنَ . وهذا من أسوء الفهم وأقبحه ، وليس فيه توقير لله تبارك وتعالى ولا تعظيم لكلامه سبحانه ، فإنَّ الآية دالة على ثبوت الوجه صفة له ، وعلى بقائه سبحانه ؛ لأن الإخبار عن بقاء المذوي بالجلال والإكرام دال على بقاء ذاته’’’’’[2].
قال وليد: كذا أجاب الشيخ البدر، وحاصله أن بقاء وجه الله دال على بقاء الذات؛ ولكن هذا الجواب مردود من وجوه:
أولا: إن الشيخ البدر لم يأت بالاعتراض كما هو، إن الاعتراض هو أن “الوجه” في قوله تعالى: {هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ } [القصص: 88] لو حملناه على ظاهره الحسي للزم أن يدي الله وساقه وقَدمه وجَنْبه كل ذلك يفنى، ويبقى وجهه تعالى[3]، ولكن الشيخ البدر حرّف هذا الاعتراض ليخفف من وطأته، ويستطيع الجواب عنه، فجَعل الاعتراضَ أنه: لو حُمل الوجه على ظاهره للزم فناء ذاته؛ ثم أجاب بما تقدم.
ثانيا: قول البدر: “إن بقاء وجهه دال على بقاء ذاته”.
قلنا: وجهُه تعالى هل هو عين ذاته عندكم، أم هو غير ذلك؟
فإن قلتم إن وجهه عينُ ذاته، فقد رجعتم إلى قولنا في آية القَصص بأن معناها : كل شيء هالك إلا ذاته أو إلا هو سبحانه، وهذا ما أنكرتموه من قبل واعتبرتموه تأويلا وتحريفا للآية.
وإن قلتم إن وجهه تعالى ليس عينَ ذاته، فلا يخلو إما أن يكون وجهه تعالى هو عين يديه وقدميه وساقه، وهذا خلاف مذهبكم من التمييز بينها.
وإما أن يكون وجهُه غيْرَ يديه وغير ساقه وغير قدميه، وآية القصص نصت على هلاك كل شيء سوى وجهه، ويدخل في الهلاك والفناء يداه تعالى وقدماه ساقه ونحو ذلك، وهذا أيضا خلاف مذهبكم من أن هذه كلها صفات ثابتة لله لا تفنى مطلقا كما صرّح ابن عثيمين فيما سبق.
وعليه فقد ثبت أن آية القصص على كلا الاحتمالين لا تدل على أن لله وجها كما فهمتم؛ وجوابنا هذا على آية القصص هو جوابنا أيضا عن آية الرحمن وهي قوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 26، 27].
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/410487412398620/
[1] حيث قال في إيضاح الدليل – (ج 1 / ص 125): الموصوف بالبقاء عند فناء الخلق إنما الذات المقدسة لا مجرد الوجه لأنه لو أريد ذلك لزم منه هلاك ما سوى الوجه تعالى الله عن ذلك وتقدس.
[2] تذكرة المؤتسي شرح عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي، للشيخ البدر (1 / 100)
[3] وهو ما ذهب إليه البيانية أتباع بيان بن سمعان الذي كان يقول إن معبوده نور، صُورته صورة إنسان له أعضاء كأعضاء الإنسان وأن جميع أعضائه تفنى إلا الوجه، انظر حاشية السنة للخلال 3/491، وانظر حاشية الفتوى الحموية بتحقيق التويجري ص 234.
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/429116110535750/