أكاذيب سفر الحوالي على الأشاعرة
الحلقة العاشرة:سفر الحوالي يشكك في حديث رواه مسلم في صحيحه
عندما بنى سفر الحوالي مذهبه في تعريف الإيمان على لزوم دخول العمل في مسمى الإيمان؛ كان من لازم هذا أن يتعارض عنده حديث رواه مسلم، وهو لفظ رواية في حديث الشفاعة، وهذه الرواية أقلقت المتشددين في تعريف الإيمان، وفي هذه الرواية قال عليه الصلاة والسلام: (فيُخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط)، أي أن الله تعالى يخرج من النار أقواماً ثبت لهم أصل الإيمان، ولم يعملوا خيراً قط، وهم المعروفون بالجهنميين، وهذه الرواية تنسف تعريف سفر الحوالي للإيمان، ولذلك شكك في ثبوتها. انظر: ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لسفر الحوالي، صفحة: 509 وما بعدها، وهذا الكتاب من مصادر الخوارج المعاصرين. وإليكم رد الشيخ صلاح الدين الإدلبي على سفر، قال: (لو كان علماء الأشاعرة هم الذين ارتابوا في صحة جزء من حديث رواه مسلم في صحيحه؛ لكان هذا منسجماً مع موقفهم من الأحاديث الآحادية، وهو أنها لا يحتج بها في العقيدة حتى ولو كانت في الصحيحين ما لم تصل حد التواتر، لكن ماذا نقول إذا كان الذي ارتاب في صحته هو الباحث الذي سبق أن شن حملة شعواء على الأشاعرة لموقفهم من حجية أحاديث الآحاد في أصول العقيدة، وموقفهم من أحاديث الصحيحين؟!!! هل يجوز للباحث أن يشن تلك الحملة على الأشاعرة لموقفهم من أحاديث الآحاد وأحاديث الصحيحين عندما كان في الجانب النظري ثم هو نفسه يرتاب في صحة جزء من حديث رواه مسلم عندما دخل في الجانب العملي؟!!! ما هذا التناقض؟ !!! مجيء الرواية في صحيح مسلم بلفظ: [فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط] دون أن تأتي هذه الجملة في صحيح البخاري؛ لا يصلح أن يكون مطعناً في هذه الزيادة التي انفرد بها مسلم دون البخاري، فرواية البخاري التي لم تأتِ فيها الزيادة هي من طريق سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري، أما الرواية المشتملة على الزيادة فقد رواها مسلم من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد، ورواها الإمام أحمد من طريق معمر عن زيد بن أسلم، ورواها ابن خزيمة من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم، فقد رواها ثلاثة من الرواة عن زيد بن أسلم فلا يضرهم أن راوياً آخر خالفهم ولم يذكرها، فأين كان الباحث عن هذا؟!!! وإذا كان يرى أنه متخصص في العقيدة المبنية على الكتاب والسنة؛ فليته استعان بمن يرشده إلى معرفة طريق الترجيح بين الروايات، ليعلم أن الزيادة التي اجتمع على روايتها ثلاثة لا مناص من الحكم لها بالثبوت والرجحان). انتهى، ثم ذكر صلاح الدين الإدلبي شاهداً لحديث مسلم هذا رواه البخاري، ومسلم، ومالك في الموطأ، وأحمد، والدارمي، وهو حديث الرجل الذي أمر بنيه أن يحرقوا جسده بعد موته، فبعثه الله وسأله: (لم فعلت ذلك؟ فقال: من خشيتك، فغفر له)، وجاء في رواية البخاري: (فإني لم أعمل خيراً قط)، وفي رواية مالك: (قال رجل لم يعمل حسنة قط)، وفي رواية أحمد: (أن رجلاً لم يعمل من الخير شيئاً قط إلا التوحيد..) عقائد الأشاعرة، صفحة: 226- 229.
فاعجبوا أيها العقلاء ممن يريد أن يحجب رحمة الله تعالى بعباده، بل يستكثر على مَن لا يُسئل عما يفعل جل وعز أن يُخرج من النار أقواماً لم يعملوا خيراً قط ! ولكن كل عارف بمذهب التيمية يعلم أنهم يردون كل دليل لا يوافق مذهبهم، وإن رواه البخاري، وهم في هذا مقتدون بإمامهم ابن تيمية الذي رد أحاديث من صحيح البخاري لأنها لم توافق مذهبه!!!! وقد ذكرت هذا في حلقة سابقة. وقد أحسن صلاح الدين الإدلبي صُنعاً عندما سخر من سفر الحوالي قائلاً : (وإذا كان يرى أنه متخصص في العقيدة المبنية على الكتاب والسنة؛ فليته استعان بمن يرشده إلى معرفة طريق الترجيح بين الروايات، ليعلم أن الزيادة التي اجتمع على روايتها ثلاثة لا مناص من الحكم لها بالثبوت والرجحان)! تالله إن هذا لهو الحق المبين .. بل إنني لا أستبعد استعانة سفر الحوالي بمدقق لغوي بعد فراغه من رسالتَيْ الماجستير والدكتوراه! ثم يطمع في تخطئة أساطين الأشاعرة؛ الذين جعلوا من ابن تيمية مع غزارة علمه نَسْياً مَنْسِيّاً !