خدعوك فقالوا:
[“كتاب وسنّة “بفهم سلف الأمّة”]،
وهي لافتة تتضمن مغالطة مكشوفة.. لأسباب أهمها:
◀ الأوّل: أنّ “سلف الأمة” ليس لهم فهم واحد للكتاب والسنّة بل عشرات الأفهام، واختلفوا حتى في مسائل الاعتقاد، والحجّة في إجماعهم لا في أقوال أفرادهم، حتى أنّ قول الصحابي ليس حجّة عند الجمهور، فكيف بمن دونهم؟! ولم يُثبت أحدٌ من أهل السنة العصمة لأفراد السلف الصالح لا في العقائد ولا في الفروع، وحجّية الإجماع ليست خاصة بإجماع السلف، بل إذا أجمع الخلف على حكم كان إجماعهم حجّة. فمَنْ مِنَ السلف تتبع فهمه للكتاب والسنّة؟
◀ الثاني: أنّ السلف الصالح عندك ليسوا سلفًا صالحًا عند غيرك، كأبي سعيد الدارمي وعبد الله بن أحمد، فهُما من السلف الصالح عندك وليسا كذلك عند غيرك، والسلف الصالح عند غيرك ليس سلفًا صالحًا عندك، كالحارث المحاسبي وابن كُلّاب فهما من السلف الصالح عند الأشاعرة، والقاسم بن إبراهيم الرسي (170ـ242هـ) والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (245ـ298هـ) من السلف الصالح عند الزيدية، عبد الله بن إباض (أدرك كثيرًا من الصحابة) وأبي عبيدة مسلمة بن أبي كريمة ( تقريبًا 45 هـ -150 هـ) من السلف الصالح عند الإباضية.
◀ الثالث: أنّ معيار تحديد السلف أصبح مطّاطًا تضيّقه متى تشاء حتى تُخرج أبا حنيفة من السلف الصالح وتجعله في عداد المرجئة، وتمطّه متى تشاء حتى تصل به إلى القرن الثامن الهجري لتدخل فيه ابن تيمية!
◀ الرابع: قيّدتم لافتة “سلف الأمة” بقيد الاتّباع لا التقليد، وفرّقتم بين الأمرين ، فإذا لم تعرفوا وجه دلالة النص عند السلف -وذلك أمر يقصر عنه غالبكم-، تركتم فهم السلف لأفهامكم التي تتسم بالسطحية إلا ما ندر.
◀ الخامس: أنّ هذه الحُجّية لأقوال السلف تلبسونها متى شئتم وتنزعونها متى شئتم، فحينما تواجهكم بعض نصوص السلف الذين تُقرّون بإمامتهم -كابن حبان والطحاوي-، تنزعون عباءة اتباع السلف لتقولوا أنّهم تأثروا بأهل الكلام والجهمية! وكلٌّ يُأخذ منه ويردّ إلّا النبي صلى الله عليه وسلم! بل إنّكم تفرّقتكم إلى طوائف وجماعات متناحرة، تُبدّع كل واحدة الأخرى وترميها بسهام الضلال، بل والزندقة أحيانًا، وكلّ فرقة منكم تزعم أنّها تفهم الكتاب والسنّة بــ”فهم سلف الأمة”!
◀ السادس: أنّ فهم السلف الصالح كاد أن ينحصر في قولهم: «لا تقلدني ولا تقلد مالكًا ولا الثوري ولا الأوزاعي ، خذ من حيث أخذوا»، فأصبح فهم السلف للكتاب والسنّة هو الأخذ من الكتاب والسّنة دون الرجوع إلى أفهام السلف، أي أنّ التشبّث بفهم السلف الصالح هو عينه دليل مخالفتهم بل وخرق إجماعهم! ففهم السلف هو =التخلي عن فهم السلف!! ودونك عشرات المسائل التي خرق فيها القوم إجماع السلف.
فهل اتضحت المغالطة؟