«شرح النووي على مسلم» (٣/ ١٦):
وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بدلائله الجلية ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة تعالى عن ذلك بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة والله أعلم.
ونقله لاشين في «فتح المنعم شرح صحيح مسلم» (١/ ٥٨٨):
«فتح الباري لابن حجر» (13/ 427):
«وقال البيهقي سمعت الشيخ الإمام أبا الطيب سهل بن محمد الصعلوكي يقول في إملائه في قوله لا تضامون في رؤيته بالضم والتشديد معناه لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض ومعناه بفتح التاء كذلك والأصل لا تتضامون في رؤيته باجتماع في جهة وبالتخفيف من الضيم ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض فإنكم ترونه في جهاتكم كلها وهو متعال عن الجهة والتشبيه برؤية القمر للرؤية دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك»
«شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن» (١١/ ٣٥٧٥):
ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة له – تعالى عن ذلك – بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة.
قوله: ((كما ترون)) قال في جامع الأصول: قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في قوله: ((كما ترون)) كاف التشبيه للمرئى، وإنما هي كاف التشبيه للرؤية وهو فعل الرائي، ومعناه ترون رؤية ينزاح معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر لا ترتابون فيه ولاتمترون.
«مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح» (٩/ ٣٦٠١):
وحكى الإمام أبو القاسم القشيري – رحمه الله – تعالى في رسالته المعروفة، عن الإمام أبي بكر بن فورك أنه حكى فيها قولين للإمام أبي الحسن الأشعري – رحمه الله – أحدهما: وقوعها، والثاني: لا تقع، ثم مذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها الأشعة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك، ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على وجه الاتفاق، لا على سبيل الاشتراط، وقد قرر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجلية، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة له تعالى عن ذلك، بل يراه المؤمنون لا في جهة كما يعلمونه لا في جهة. قلت: كما يرانا هو لا في جهة ولا مقابلة ولا غير ذلك، والحاصل أنه لا يقاس الغائب بالشاهد، لا سيما الخالق بالمخلوق؛ ولذا قيل: لا يقاس الملوك بالحدادين.
«كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري» (8/ 49):
«والمعنى: لا تُظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض، فإنكم ترونه في جهاتكم كلها، وهو متعال عن الجهة»
«شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري» (9/ 331):
«وقال الصعلوكي فيما سمعه منه البيهقي في تضامون المضموم الأول المشدد الميم يريد لا تجتمعون لرؤيته في جهة ولا يضم بعضكم إلى بعض فإنه تعالى لا يرى في جهة ومعناه على فتح أوله لا تتضامون في رؤية بالاجتماع في جهة»
«دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين» (6/ 538):
«(فقال: إنكم سترون) السين فيه لتأكيد الوعد وتحقيق الأمر (ربكم) على ما يلييق به سبحانه من غير جهة ولا إدراك له ولا اتصال شعاع به ولا غير ذلك مما يكون في رؤية المحدث (كما ترون هذا القمر) التشبيه في أصل الرؤية وانجلائها في كل من المشبه والمشبه به لا من كل وجه، إذ القمر مرئي وهو في جهة باتصال شعاع من الرائي به وإدراك له، والله سبحانه وتعالى منزه عن جميع ذلك»
«بذل المجهود في حل سنن أبي داود» (13/ 151):
«ومعناه لا تظلمون فيه برؤية بعضكم دون بعض، فإنكم تَرَونه في جهاتكم (2)، وهو متعالٍ عن الجهة، والتشبيه برؤية القَمَر للرؤية، دون تشبيه المرئي تعالى الله عن ذلك، قاله الحافظ في”الفتح”»
«حاشية السندي على سنن ابن ماجه» (١/ ٧٥):
قوله (فيما أنكرت الجهمية) هم الطائفة من المبتدعة يخالفون أهل السنة في كثير من الأصول كمسألة الرؤية وإثبات الصفات ينسبون إلى جهم بفتح فسكون هو جهم بن صفوان من أهل الكوفة.
قوله (كما ترون هذا القمر) أي من غير مزاحمة كما يفيده آخر الكلام وإلا فهذه رؤية في جهة وتلك رؤية لا في جهة وفي جامع الأصول قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في كما ترون لتشبيه المرئي بالمرئي وإنما هي
«شرح سنن ابن ماجه لمحمد أمين الهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه» (٢/ ١٤٢):
فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنكم) أيها المؤمنون (سترون ربكم) في الآخرة (كما ترون هذا القمر) الكاف صفة لمصدر محذوف؛ أي: ترونه رؤية واضحة مثل رؤيتكم هذا القمر من غير حجاب ولا مزاحمة ولا إشكال، فالتشبيه في وضوح الرؤية، لا في المرئي ولا في نفس الرؤية؛ لأن هذه رؤية في جهة وتلك رؤية لا في جهة.
وفي “جامع الأصول”: قد يخيل إلى بعض السامعين أن الكاف في (كما ترون) لتشبيه المرئي بالمرئي، وإنما هي لتشبيه الرؤية؛ وهو فعل الرائي، ومعناه: ترون ربكم رؤية يزول معها الشك كرؤيتكم القمر ليلة البدر، ولا ترتابون فيه ولا تمترون. انتهى.
وهذا وجه وجيه، لكن آخر الحديث أنسب بما ذكر، وأما تشبيه المرئي بالمرئي .. فباطل؛ فإنه من الجهل بالعربية؛ لأن كما ترون صفة لمصدر محذوف، فهو نص في تشبيه الرؤية بالرؤية لا بالمرئي. انتهى “سندي”.
«البرهان في أصول الفقه» (١/ ٣٦):
والأحكام الإلهية كلها تستند إلى البرهان الخلف وبيان ذلك بالمثال أن من اعتقد على الثقة صانعا ثم ردد النظر بين كونه في جهة وبين استحالة ذلك عليه فلا يهجم النظر على موجود لا في جهة ولكن يقوم البرهان القاطع على استحالة قديم في جهة فيترتب عليه لزوم القضاء بموجود لا في جهة.
قال الإمام أبو حنيفة في كتابه “الوصية” (ص 4) ، التي نقلها ملا علي القاري، في الموضع في شرح الفقه الأكبر (ص 138) ، حيث يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله “ولقاء الله تعالى لأهل الجنة بلا كيف ولا تشبيه ولا جهة حق“( ) .
وكذلك جاء في كتاب : “الفقه الأبسط” للإمام أبي حنيفة رضي الله عنه” يقول السائل : قلت : أرأيت لو قيل: أين الله تعالى ؟ يقال له ـ والقول لأبي حنيفة ـ : كان الله تعالى ولا مكان قبل أن يخلق الخلق ، وكان الله تعالى ولم يكن أين ، ولا خلق ، ولا شيء ، وهو خالق كل شيء” . وقال الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه : في : “الفقه الأكبر” له، في : “شرحه” للملا علي القاري (ص 136)، يقول الإمام أبو حنيفة رحمه الله : “والله تعالى يُرى في الآخرة، ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم، بلا تشبيه ولا كمية ، ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة”( ).
«بذل النظر في الأصول» (ص٥٤٨):
-فالأول- نحو أن يجمعوا أن الحرب أو التجارة في مكان، لا يجوز. قال بعضهم: أنه لا يجوز مخالفتهم، ولا يكون ذلك حجة، لأن حالهم في ذلك ليس بأعلى من حال النبي عليه السلام، ولو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في الحرب رأياً جازت مراجعته، والنقض عليه- فهذا أولى.
وقال بعضهم: يكون حجة، ولا يجوز مخالفتهم، لأن الدلائل على صحة الإجماع، تمنع مخالفتهم من غير فصل.
وأما رأي النبي عليه السلام في الحرب، فإنما جاز خلافه، لأن الذي يمنع من ظهور الخطأ عليه، قيام المعجزة على يده، وذا لا يتعلق بالأمور الدنيوية.
– وأما الثاني- فلا يجوز مخالفة الإجماع فيه، وأنه حجة: عقلياً كان نحو رؤية الله تعالى لا في جهة، ونفي ثان له. أو شرعياً كأحكام الحل والحرمة- لأنه يعلم صحة الإجماع قبل معرفة صحته، فإن الشك في هذه الأشياء لا يخل بالعلم بأن الله تعالى حكيم، وأن محمد عليه السلام رسوله- والله أعلم.
«أصول الفقه لابن مفلح» (٣/ ١٤٠٢):
أما قلب (٧) الدعوى مع إِضمار الدليل فيها فمثل: “كل موجود مرئي”، فيقال: “كل ما ليس في جهة ليس مرئيًا”، فدليل الرؤية الموجود، وكونه لا في جهة دليلُ منعها.
وقال أبو يعلى في «إبطال التأويلات» (ص٤٧٤): اعلم أنه غير ممتنع حمل الخبر على ظاهره في جواز دخوله عليه الجنة، على وجه لا يوجب الجهة والحد، كما جاز وصفه بالاستواء على العرش لا على معنى الجهة، وجواز رؤيته في الآخرة لا في جهة.. وبينا أنه غير ممتنع إطلاق ذلك عليه، لا على وجه التشبيه والأبعاض والأجزاء بل نطلق ذلك صفة، كما أطلقنا صفة الوجه واليدين والعين ونحو ذلك، لا على وجه الأبعاض والأجزاء فإن قيل: قوله: ” دخلت على ربي ” معناه: دخلت دار ربي وجنة ربي بتقريبه لي وإكرامه إياي…
«تشنيف المسامع بجمع الجوامع» (٤/ ٧٠٨):
(ص) يراه المؤمنون يوم القيامة.
ش: ثبت في الأحاديث الصحيحة أنهم يرون ربهم يوم القيامة لا يضامون في رؤيته، وفي لفظ: ((كما يرون القمر ليلة البدر)) قال صاحب (نهاية الغريب): قد يتخيل إلى بعض السامعين أن كاف التشبيه للمرئي، وإنما هي للرؤية وهي فعل الرائي ومعناه رؤية ينزاح عنها الشك كرؤيتكم القمر لأنه مأمون فيه. انتهى. وقد رواه بضعة عشر من الصحابة وأجمع عليه الكل واعتضد بظواهر القرآن فوجب اعتقاد ذلك، والعقل لا يمنعه، فإن مصححي الرؤية موجود يصح أن يرى ونفاة المعتزلة لاعتقادهم أن شرط المرئي أن يكون في جهة واتصال الشعاع بالمرئي والرب تعالى منزه عن الجهات، وهذا ممنوع وللناس في حقيقة رؤية المرئيات أربعة أقوال:
أحدها: اتصال الشعاع، والثاني: انطباع صورة المرئي في الرطوبة الجليدية كانطباع الوجه في المرآة، والثالث: أنه نار تخرج من البصر فتدرك به المرئي وهذا يشبه الأول. الرابع: أنه علم يخلقه الله تعالى في نفس الرائي مقارنا للرؤية وهو مذهب المتكلمين فيقال لهم أولا: لم قلتم: إن رؤية الباري أو الرؤية مطلقا باتصال الشعاع ولم تنكرون أن يكون بخلق العلم في نفسه؟ وثانيا: أنه قد ثبت لنا رؤية لا باتصال الشعاع وهو قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تختلفوا علي في الصلاة فإني أراكم من وراء ظهري كما أراكم من أمامي)) وما ذاك إلا لخارق إلهي ومعجز نبوي أيد به كما كان يرى الثريا اثني عشر كوكبا وغيره يراها ستة أو سبعة وذلك لقوة حصرها في بصره خرقا للعادة، فجاز إذا كانت الآخرة محل خرق العادة أن يتجدد للمؤمنين خرق عادة يرون بها ربهم من غير انطباع ولا اتصال شعاع ولا جهة كالدود في وسطه البلورة يراها لا في جهة، وكرة العالم يراها الله عز وجل وقد قام البرهان على أنها ليست في جهة على ما قيل، وقد وافقنا جمهور المعتزلة على أن الرب تعالى يرى نفسه فهذا مرئي ليس في جهة، ووافقونا على أنه يرى عباده فهذا مرئي ليس في جهة.
واعلم: أن أهل السنة والمجسمة اتفقوا على أن الله تعالى يرى، والمعتزلة والمجسمة على أن شرط المرئي الجهة، ثم المعتزلة لما نفوا الجهة نفوا الرؤية، والمجسمة لما أثبتوا الجهة أثبتوا الرؤية والأشعريون توسطوا فأثبتوا الرؤية ونفوا أن تكون الجهة شرطا للمرئيات، ومعنى كونه مرئيا بالمعنى الذي أراده والوجه الذي قصده مع التنزيه عما لا يليق بالقديم، وللأشعري في ماهية الرؤية قولان: أحدهما أنه علم مخصوص ويعني بالمخصوص أنه يتعلق بالموجود دون العدم وثانيهما: أنه إدراك وراء العلم يقتضي تأثيرا في المدرك لا تأثيرا عنه وإلى هذا جنح كثير من أصحابنا فقالوا: إنه يحصل لنا علم برؤية العين كما في غيره من المرئيات مع تنزيهه عن الجهات والكيفيات وهو أمر زائد على العلم ووقع في كلام الإمام فخر الدين: أن معنى الرؤية حصول حالة في الانكشاف نسبتها إلى ذاته المخصوصة كنسبة الإبصار إلى المرئيات وهذا مؤول أو محمول على نفي العلم فإن ظاهره مذهب المعتزلة
وقال الشيخ عز الدين في فتاويه: أما رؤية الرب في الآخرة فإنه يرى بالنور الذي خلقه في الأعين زائدا على نور العلم، فإن الرؤية تكشف ما لا يكشفه العلم ولو أراد الرب تعالى أن يخلق في القلب نورا مثل الذي خلقه في الأعين (١٧٣/ز) لما أعجزه ذلك بل لو أراد أن يخلق نور الأعين في الأيدي والأرجل لكان ذلك، ويحمل قوله عليه الصلاة والسلام: ((إنكم لن تروه بنور الأبصار أو بنور مثل الأبصار حتى تموتوا)) وقال بعض الأئمة: العين في الآخرة بمنزلة القلب في الدنيا والقلب يعلم ويرى ولكن لا يدرك إذ الإدراك غير الرؤية والرؤية غيره، فهو سبحانه وتعالى مرئي للقلب معلوم غير مدرك له وهكذا في القيامة مرئي للعين، غير مدرك لها أو جل أمره عن الإدراك إذ يؤذن بالاشتراك وهو سبحانه لا شريك له، ثم اعلم أن الرؤية لو كانت كما فهمه المعتزلة بواسطة الأشعة والحدقة لا تحدت= وما تفاوتت واختلفت وليس الأمر كذلك، بل الخلق
متفاوتون في الرؤية على قدر تفاوتهم في رتب العبودية ومنازل القرب (٩٣/ك) فللأنبياء عليهم الصلاة والسلام في الرؤية رتبة وللأولياء رتبة ولعوام المؤمنين رتبة ولولا تجنب القياس أمكن أن يقال: يراه المؤمنون يوم القيامة كما تراه الأولياء في الدنيا ولكن تكون تلك الرؤية باشتراك البصر والبصيرة ويصيران بطبع واحد وصفة واحدة، ويراه الأولياء كما يراه الأنبياء في الدنيا
«التمهيد في أصول الفقه» للكلوذاني (٣/ ٢٨٥):
(لم .. يجز أن يعرف) صحة الإجماع قبل معرفة الله سبحانه وحكمته، وصدق رسوله، وأن القرآن (كلامه)، لأن من حق الدليل أن يتقدم على المدلول، فأما إجماعنا على إيجاب خمس صلوات في اليوم والليلة، وصيام شهر رمضان، وإجماعنا أن الله تعالى يرى (لا في جهة) فإنه (يعرف) الإجماع قبل (معرفة صحة ذلك، لأن الشك فيه لا يعود بالشك في دليل صحة الإجماع.
«نفائس الأصول في شرح المحصول» للقرافي (٦/ ٢٧٦١):
على فعل نحو: (أكل طعاما) كان إجماعهم حجة على إباحته لفعله- عليه السلام- إلا أن تدل قرينة على الندب أو الوجوب، وتقدم كلام أبي الحسين.
قال أبو الحسين في (المعتمد): إجماعهم حجة في العقليات، نحو: جواز رؤية الله- تعالى- لا في جهة، ونفي الشريك عنه- تعالى-.
وفي (اللمع) وغيره: لا يعتبر الإجماع في حدوث العالم؛ لتقدم العلم به على الإجماع، بخلاف ما ذكره المصنف.
«فصول البدائع في أصول الشرائع» (٢/ ٣٠٨):
لكن المعتبر كما في العقليات ما يقع القطع به لا للعلة كرؤية البارى تعالى لا في جهة
«سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد» (٣/ ٥٥):
وأما رؤية الله تعالى في الدنيا فممكنة عقلا وسمعا، ومذهب أهل الحق أن الرؤية قوة يجعلها الله تعالى في خلقه، ولا يشترط فيها اتصال الأشعّة ولا مقابلة المرئي ولا غير ذلك.
ولكن جرت العادة في رؤية بعضنا بعضا بوجود ذلك على جهة الاتفاق لا على سبيل الاشتراط.
وقد قرّر أئمتنا المتكلمون ذلك بالدلائل الجليّة، ولا يلزم من رؤية الله تعالى إثبات جهة الله- تعالى عن ذلك- بل يراه المؤمنون لا في جهة، كما يعلمون أنه لا في جهة. وبيان الدليل العقلي على جوازها بطريق الاختصار أن الباري سبحانه وتعالى موجود، وكل موجود يصحّ أن يرى، فالباري عزّ وجلّ يصحّ أن يرى. أما الصغرى فظاهرة، وأما الكبرى، فلأن الحكم يدور مع علّته وجودا وعدما. وقد تبيّن أن الموجود هو العلّة لصحة الرؤية، ولا يلزم من جوازها وقوعها وعدم تعلّقها، إنما هو لجري عادته تعالى بعدم خلقها فينا الآن، مع جواز خلقها فينا، إذ هي غير مستحيلة وهنا أبحاث محلّها الكتب الكلامية.
«تيسير التحرير» (٣/ ٢٦٢):
(يحتج به) أي بالإجماع (فيما لا يتوقف حجيته) أي الإجماع (عليه من الأمور الدينية) بيان للموصول سواء كان ذلك (عقليا كالرؤية) أي رؤية الله تعالى في دار الآخرة. رزقنا الله تعالى إياها (لا في جهة) أي حال كون المرئي ليس في جهة من الجهات الست لتعاليه عن ذلك (ونفي الشريك) له تعالى.
«التقرير والتحبير علي تحرير الكمال بن الهمام» (٣/ ١١٦):
(مسألة: يحتج به) أي الإجماع (فيما لا يتوقف حجيته) أي الإجماع (عليه من الأمور الدينية) سواء كان ذلك (عقليا كالرؤية) لله تعالى في الدار الآخرة (لا في جهة ونفي الشريك) لله تعالى (ولبعض الحنفية) وهو صدر الشريعة (في العقلي) أي ما يدرك بالعقل (مفيده العقل لا الإجماع) لاستقلال العقل بإفادة اليقين ومشى على هذا إمام الحرمين ففي برهانه ولا أثر للإجماع في العقليات فإن المتبع فيها الأدلة القاطعة فإذا انتصبت لم يعارضها شقاق ولم يعضدها وفاق وتعقبه،
«غاية المرام في علم الكلام» للآمدي (ص١٩٣):
وإذا ثبت امتناع قيام الحوادث بذات الرب تعالى فقد بنى بعض الأصحاب على ذلك امتناع كونه في الجهة وصيغته أن قال
لو كان البارى في جهة لم تخل الجهة إما أن تكون موجودة أو معدومة فإن كانت معدومة فلا جهة إذ لا فرق بين قولنا إنه في جهة معدومة وبين قولنا إنه لا في جهة إلا في مجرد اللفظ ولا نظر إليه
«الإحكام في أصول الأحكام للآمدي» (١/ ٢٨٣):
وسواء كان ذلك المتفق عليه عقليا كرؤية الرب لا في جهة، ونفي الشريك لله تعالى، أو شرعيا كوجوب الصلاة والزكاة ونحوه (١) .
«تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير» (١٤/ ٢٦٦):
ونظيره ما ذكرناه أنا متى عينا قبل العالم وقتا معينا كان البعد بينه وبين الوقت الذي حصل فيه أول العالم بعدا متناهيا لا محالة. وأما إن قلنا بالقسم الثاني: وهو أنه تعالى غير مختص بحيز معين وغير حاصل في جهة معينة فهذا عبارة عن نفي كونه في الجهة لأن كون الذات المعينة حاصلة لا في جهة معينة في نفسها قول محال ونظير هذا قول من يقول الأزل ليس عبارة عن وقت معين بل إشارة إلى نفي الأولية والحدوث فظهر أن هذا الذي قاله ابن الهيثم تخييل خال عن التحصيل.
«تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (٢/ ٢٦٧):
قاعدة الكلام في هذه الآية أن حلول الله تعالى في الأماكن مستحيل وكذلك مماسته للأجرام أو محاداته لها أو تحيز لا في جهة لامتناع جواز التقرب عليه تبارك وتعالى، فإذا تقرر هذا فبين أن قوله تعالى:
وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ ليس على حد قولنا زيد في الدار بل هو على وجه من التأويل آخر، قالت فرقة ذلك على تقدير صفة محذوفة من اللفظ ثابتة في المعنى، كأنه قال وهو الله المعبود في السماوات وفي الأرض، وعبر بعضهم بأن قدر هو الله المدبر للأمر في «السماوات وفي الأرض» ، وقال الزجاج فِي متعلقة بما تضمنه اسم الله تعالى من المعاني كما يقال: أمير المؤمنين الخليفة في المشرق والمغرب.
«فتح الودود في شرح سنن أبي داود» للسندي (٤/ ٤٩٣):
بالراكب الثقيل عليه تصوير للعظمة أي يعجز عن آثار عظمته وكبريائه أي، فلا يستشفع بهذا العظيم الكبير إلى بعض مخلوقاته، رد على الجهمية النافين للصفات وليس في الحديث إثبات الجوارح، وإنما فيه إثبات الصفات والإشارة للإفادة تحقق السمع والبصر لا لإفادة الجارحتين، وهذا غير خفي كما ترون هنا أي من غير مزاحمة كما يفيده آخر الكلام، وإلا فهذه رؤية في جهة وتلك روية لا في جهة.اهـ
وتعقبه أحد الوهابية وهو الأثيوبي فقال «مشارق الأنوار الوهاجة ومطالع الأسرار البهاجة في شرح سنن الإمام ابن ماجه» (٤/ ١٢): وإلا فهذه رؤية في جهة، وتلك رؤية لا في جهة. قاله السنديّ. قال الجامع عفا الله عنه: قوله: “لا في جهة” فيه نظرٌ؛ لأنه مبنيّ على نفي المؤوّلة من الأشاعرة والماتريديّة للعلّوّ، فإنهم هنا يزعمون إثبات رؤية الله مع نفي أن تكون في جهة، فوقعوا في التناقض والمحال.اهـ ونحوه في «شرح سنن ابن ماجة – الراجحي» (١٢/ ٣ بترقيم الشاملة آليا). ونحوه قول ابن أبي العز في «شرح الطحاوية – ط الأوقاف السعودية» (ص160):«ومن قال: يرى لا في جهة، فليراجع عقله*!! فإما أن يكون مكابرا لعقله أو في عقله شيء، وإلا فإذا قال يرى لا أمام الرائي ولا خلفه ولا عن يمينه ولا عن يساره ولا فوقه ولا تحته، رد عليه كل من سمعه بفطرته السليمة».اهـ
قال وليد ابن الصلاح وفقه الله: فتأمل شذوذ الطائفة التيمية والوهابية حيث ذهبوا إلى أن الله يرى بجهة خلافا لجمهور الأمة من الأشاعرة والماتريدية والحنابلة كما رأيت في النصوص السابقة التي وردت في كتب التفسير وشراح الحديث وكتب أصول الفقه حيث صرحوا برؤيته تعالى في الآخر بلا جهة لتنزهه عن الجسمية ولوازمها من التبعض والمكان والجهة والتحيز ..طبعا يوجد المزيد من هذه النصوص. والله الموفق
*انظر الرد على هذه الشبهة: