س: صحيح أن ابن تيمية يثبت النزول في حقه تعالى على ظاهره، ولكنه ينفي أن يكون بإفراغ حيز وإشغال آخر، أو أن يكون بعض مخلوقاته كالعرش فوقه عند نزوله..الخ؟!.
الجواب:
• أولا: نعم ينفي هذه اللوازم تصريحا، ولكنها تلزمه بلا انفكاك تقريرا. فما محل نفيه من الإعراب هنا وهو نفسه بالمقابل يقول أن الله ينزل نزولا حقيقيا على ما هو معروف من ظاهر لفظ النزول في اللغة؟!.
أوليس حقيقة النزول لغة هو: الانتقال بحركة من أعلى إلى أسفل؟. إذن: فما الذي جعل ابن تيمية هنا يعدل عن هذا المعنى الظاهر الذي طالما دندن حوله؟!.
• ثانيا: يحتج ابن تيمية بالنزول على كونه تعالى فوق العالم فوقية جهة، فالنزول لا يكون إلا من أعلى، كذا يزعم!. فيلزمه أن يثبت أيضا أنه تعالى بداخل العالم، لأن صعوده جل وعلا بعد انتهاء النزول لا يكون بالمقابل إلا من أسفل!.
• ثالثا: أما قوله بأن الله ينزل ولا يخلو منه العرش!، ويحسب أنه بهذه السفسطة يكون قد حل الاشكالات الواردة على مذهبه في النزول والاستواء!:
فحاصله : أن الله في الثلث الأخير من الليل:
(1) هو (بذاته!) فوق العرش!.
(2) وهو أيضا (بذاته!) في السماء الدنيا!.
وهنا يأتي السؤال: لو فرضنا مخلوقا في السماء الثانية مثلا، وفي هذا الوقت بالذات أي: وقت الثلث الأخير من الليل، يشير إشارة حسية إلى ربه، فإلى أي جهة يشير؟!:
(1) إلى جهة السماء الدنيا (أسفل!) منه، حيث نزل تعالى (بذاته!): فيلزم من هذا: خلو العرش من الذات وبالتالي إبطال الاستواء المكاني والعلو الذاتي، ويلزم أيضا أن يكون تعالى من (أسفل!) بعض المخلوقات بما فيهم هذا المخلوق في السماء الثانية المشير إلى ربه: تحت!، وكل هذ قول بحلول الخالق في المخلوق!، وهو كفر باتفاق.
(2) إلى جهة العرش (فوق!) منه، حيث لا يزال الله (بذاته!): فيلزم من هذا إبطال نزوله تعالى (بذاته!) إلى السماء الدنيا!. ويتوجب حينها إما تفويض النزول أو تأويله، وهو ما يستأصل شأفة بدعة ابن تيمية في القول بالظاهر من جذورها.
(3) إلى الجهتين معا: جهة (فوق!) حيث العرش!، وجهة (تحت!) حيث السماء الدنيا!، فيلزم من هذا حلول الذات العلية في الجهتين معا: فوق العرش (بذاته!) وفي السماء الدنيا (بذاته!) دفعة واحدة!، وهذا لا يعقل إلا إذا قال بتمدد الذات الإلهية من العرش وقت النزول ثم عودة انكماشها إلى العرش عند انتهاء وقت النزول!. وهذا فيه ما فيه ولا يقوله باقل فضلا عن عاقل.
وأيضا: فوق العرش: حيز عدمي، والسماء الدنيا: حيز وجودي، وابن تيمية مصرح بأن الله لا يحل في أحياز وجودية أبدا، وهذا إضافة إلى أنه يستلزم عقيدة الحلول، وهو كفر باتفاق، فهو يعد أيضا من تناقضاته الواضحات!.
ثم إن العرب لا تعرف في لسانها نزولا بهذا المعنى الهلامي الخرافي!، وإنما هذا: تدلي أو تمدد أو تمطط أو..الخ وليس من معاني النزول قطعا!. فتأمل كيف حرف الرجل معنى النزول حتى يجعله متسقا مع مذهبه المتناقض!.
– وفذلكة القول هنا: هو أن ابن تيمية أمامه أحد الخيارين لا ثالث لهما:
(1) الاعتراف بأن مذهبه متناقض وبالتالي: إما التأويل بضوابطه أو التفويض مع التنزيه.
أو:
(2) القول بالحلول، وهو كفر باتفاق.