[3] هل كان صنم “اللات” وسائر أصنام قريش رجالا صالحين كما ادعى ابن عبد الوهاب وأتباعه؟*
(د10، فرق، السلفية، نظرية تقسيم التوحيد عند ابن تيمية)
ثالثا: سلّمنا على أكبر تنزل أن “اللات” كان رجلا صالحا، فهل العزى ومناة الثالثة وإساف ونائلة وغيرهم من أصنام العرب كانوا رجالا صالحين أو أولياء أو رسلا لله أيضا؟! كيف؟ وهو خلاف المشهور عن السلف؛ فأما العزى فقالوا هي شجيرات كان يعبدها قريش كما قال مجاهد، وقال سعيد بن جبير كان حجرا أبيض، وقال ابن زيد: كان بيتا بالطائف تعبده ثقيف.
وأما “مناة” فقد قال ابن زيد : “المناة” بيت كان بالمشلِّل يعبده بنو كعب، وقال الضحاك: مناة صنم لهذيل وخزاعة يعبدها أهل مكة، وقال بعضهم : اللات والعزى ومناة : أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها [1].
وأما إساف ونائلة فالمشهور أنهما كانا رجلا وامرأة زنيا فمسخهما الله حجرين[2]، ويؤيده ما رواه ابن إسحاق عن عائشة بسند صحيح حيث قال: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة أنها قالت سمعت عائشة تقول: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة كانا رجلا وامرأة من جرهم، أحدثا في الكعبة، فمسخهما الله تعالى حجرين؛ والله أعلم[3].
ثم اتخذتهما قريش صنمين على شط البحر يُهلّون لهما ثم يأتون إلى الصفا والمروة فيطوفون بينهما، لذلك تأثّم الأنصار من السعي بين الصفا والمروة فنزل قوله تعالى {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة : 158] ولقد استشكل عروة الآية حيث فهم منها أن السعي ليس واجبا، فردّت عليه السيدة عائشة رضي الله عنها وبيّنت له سبب النزول كما روى ذلك مسلم[4].
فهل الزانية والزاني إساف ونائلة من أهل الصلاح عندكم؟! أهذه هي البراهين والأدلة والحجج الواضحة التي جاء بها ابن عبد الوهاب الذي قال عنه حفيده عبد الرحمن بن حسن في كتابه فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص: 3): ( فإن كتاب التوحيد الذى ألّفه الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب….قد جاء بديعاً فى معناه من بيان التوحيد ببراهينه ، وجمع جملا من أدلته لإيضاحه وتبيينه؛ فصار عَلماً للموحدين، وحجة على الملحدين؛ فانتفع به الخلق الكثير … ).اهـ فأين تلك الأدلة المبيِّنة وأين هي تلك الحجج؟ هل هي في زعم ابن عبد الوهاب أن “اللات” كان رجلا صالحا، أم في الزعم بأن أصنام قريش كانت صورا لرجال صالحين يتشفعون بهم إلى الله؟!!!!
كيف؟ وقد ثبت بطلان ذلك كله، وثبت بالمقابل أن الأصنام التي اتخذها العرب كانت أسماء لرجال مشركين أو زناة، أو أسماء أحجار أو أشجار أو بيوت ونحو ذلك، وليس فيها أسماء أنبياء ولا أولياء ولا أسماء رجال صالحين، فبطل ما زعمتم.
فإن قيل: ولكن جاء في أثر ابن عباس عند البخاري قال: “صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح ……أسماء رجال صالحين ….انتظره
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/519259494854744/?stream_ref=2
[1] انظر هذه الآثار في: جامع البيان، للإمام الطبري – (22 / 524)، تفسير البغوي (7/ 409)، والشرك في القديم والحديث ص429.
[2] الروض الأنف 1/105، شرح النووي على مسلم (9/ 22)، الشرك في القديم والحديث ص428.
[3] سيرة ابن هشام – (1 / 82)، الروض الأنف 1/105، الشرك في القديم والحديث ص428، وفي الروض الأنف أيضا: قال ابن إسحاق : واتخذوا إسافا ونائلة على موضع زمزم ينحرون عندهما ، وكان إساف ونائلة رجلا وامرأة من جرهم – هو إساف بن بغي ونائلة بنت ديك – فوقع إساف على نائلة في الكعبة ، فمسخهما الله حجرين .
وعند البيهقي في دلائل النبوة 2/64 : …حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال : حدثنا يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق قال : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، عن عمرة بنت عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة ، عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: ما زلنا نسمع أن إسافا ونائلة رجل وامرأة من جرهم ، زنيا في الكعبة فمسخا حجرين.اهـ ولكن في سنده أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، قال الحافظ في التقريب: ضعيف وسماعه للسيرة صحيح.اهـ وعليه فلا يضر ضعفه هنا لأن هذا الخبر هو من السيرة التي رواها العطاردي عن يونس عن ابن إسحاق كما هو ظاهر؛ على أن الخبر قد صح عن عائشة من طريق آخر كما سبق ولكن بلفظ “أحدَثا”، وهذا اللفظ معناه: أتيا إثما، وهو كناية عن الزنا الذي ورد صريحا عند البيهقي؛ وقد جاء في حديث الشيخين: ( المدينة حرم من كذا إلى كذا ، لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ) جاء في شرح النووي على مسلم (9/ 140): قوله ( من أحدث فيها …) قال القاضي معناه من أتى فيها إثما.اهـ
[4] ونص الحديث في صحيح مسلم – (2 / 928) برقم (1277) عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قال قلت لها إني لأظن رجلا لولم يطف بين الصفا والمروة ما ضره قالت لم ؟ قلت لأن الله تعالى يقول: { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة: 158] إلى آخر الآية فقالت ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يطف بين الصفا والمروة ولو كان كما تقول لكان: فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما؛ وهل تدري فيما كان ذاك ؟ إنما كان ذاك أن الأنصار كانوا يهلون في الجاهلية لصنمين على شط البحر يقال لهما إساف ونائلة ثم يجيئون فيطوفون بين الصفا والروة ثم يحلقون فلما جاء الإسلام كرهوا أن يطوفوا بينهما للذي كانوا يصنعون في الجاهلية قالت فأنزل الله عز و جل إن الصفا والمروة من شعائر الله إلى آخرها قالت فطافوا.
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/519575344823159/