الأمر الثاني: أن إضافة الصفة للموصوف عند النحاة أمر آخر مغاير تماما لهذا الذي ذَكره ابنُ تيمية، ومغايرٌ حتى لما يذكره المتكلمون من نسبتهم الصفات المعنوية لله تعالى كعلمه وإرادته وقدرته.
وبيان ذلك؛ أن الصفة عند اللغويين غيرُ الصفةِ عند النحاةِ غيرُ الصفةِ عند المتكلمين غيرُ الصفة عند الأصولين، فلكلٍ تعريفه الخاص للصفة، أما عند اللغويين فقد سبق تعريف الصفة عندهم[2]، وأما الصفة عند النحاة فهي: اسم تابع مشتق[3]، أو مؤول به ، يتبع الاسم الذي سبقه ليفيد تخصيصه، أو توضيحه ، أو مدحه ، أو ذمه ، أو تأكيده ، أو الترحم عليه [4].
وأما الصفة عند المتكلمين فهي : ما يُحكم به على الشىء، سواء كان عين حقيقته، أو قائما بها، أو خارجا عنها. والصفة المطلقة عند المتكلمين: هى الذاتية الوجودية[5]. وقيل هي: هي الاسم الدال على بعض أحوال الذات، وذلك نحو طويل وقصير وعاقل وأحمق، وغيرها. وهي الأمارة اللازمة بذات الموصوف الذي يعرف بها.، كما قال الجرجاني في التعريفات ص133.
وأما الصفة عند الأصوليين فيراد بها “تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر ، يختص ببعض معانيه ، ليس شرطا ، ولا غاية ، ولا عددا “، فهي أعم من النعت عند النحاة فقد تكون الصفة عند الأصوليين مضافا ، نحو : ” في سائمة الغنم الزكاة ” ، أو مضـافا إليه ، نحو : ” مطل الغني ظلم ” ، أو حالا ، كقوله تعالى : [ لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ] ، أو ظرفا ، كقوله تعالى : [ ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد ] أو غير ذلك كما هو مبسوط في كتب أصول الفقه عند كلامهم على مفهوم الموافقة والمخالفة ومنها مفهوم الصفة*.
وهكذا نرى أن الصفة يختلف تعريفها ويتباين مفهومها من علم اللغة إلى علم الكلام، بل يختلف مفهومها من علم اللغة إلى علم النحو ، وقد أشار إلى ذلك صاحب القاموس المحيط فقال فيه(ص: 860): والصِّفةُ: كالعِلْمِ والسَّوادِ، وأما النحاةُ فإنما يُريدون بها النَّعْتَ، وهو اسمُ الفاعِلِ والمَفْعولِ، أَو ما يَرْجِعُ إليهما من طَريقِ المعنَى، كمِثْلٍ وشِبْهٍ.اهـ[6]
ولدى التطبيق يتضح ذلك أكثر…..فمثلا كلمة “الرحيم” في البسملة هي “صفة” عند النحاة، لأنه هكذا إعرابها عند النحاة، وأما عند المتكلمين فالرحيم ليس بصفة وإنما اسم ذات تدل على صفة الرحمة، فالرحمة هي الصفة عند المتكلمين وليس الرحيم كما عند النحاة.
هذا كله فيما يتعلق بالصفة عند النحويين وهي الصفة النحوية، أو الإعرابية أي التي تُعرَب “صفة”.وأما عند الصرفيين فعندهم ما يسمى بالصفة المشبهة، وتعريفها عندهم: هي اسم مشتق من الفعل الثلاثي اللازم للدلالة على معنى اسم الفاعل على وجه الثبوت .[7]
فتحصل لدينا نوعان من الصفة في اللغة، وهما: الصفة الإعرابية عند النحاة، والصفة المشبهة عند الصرفيين؛ والفرق بينهما أن الأولى وهي الصفة الإعرابية: إنما تكون صفة إذا أُعربت كذلك في الكلام، وأما الثانية وهي الصفة الصرفية فهي صفة حتى قبل وضعها في الكلام، وأطلق عليها صرفية لأنه لها أوزان صرفية معينة تُشتق وفقا لها.ومثال الصفة الصرفية: كلمة ” كريم”، فهي صفة مشبهة لأنها على وزن فعيل، وهي مشتقة من الفعل اللازم كرُمَ؛ وفي التنزيل: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ } [النمل: 40]، فـ”كريم” هنا هي صفة مشبهة عند الصرفيين، وفي الوقت نفسه هي صفة (نعت) إعرابية، لأن النحاة يعربون “كريم” في الآية السابقة صفة لـ “ربي”؛ إلا أن علماء الشرع من المتكلمين والمفسرين وغيرهم يعتبرون “الكريم” اسما من أسماء الله الحسنى، وليس صفة، ولكنه يدل على صفة الكَرَم؛ وأما النحاة واللغويون فيعتبرون الكريم في الآية السابقة صفة، والكَرَم مصدر[8]. وكذا “العِلم” فهو صفة عند المتكلمين، وأما عند النحاة واللغويين فهو مصدر…وأما العليم: فهو اسم ذات دال على صفة العِلم عند متكلمين أهل السنة[9]، وأما عند اللغويين فهو صفة مشبهة لأن على وزن فعيل، وهو مشتق من فِعلٍ لازمٍ وهو “عَلِم”، وأما النحاة فلا يعتبرون “عليم” صفة إلا إن أُعرب في الكلام صفة، مثل قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [البقرة: 127] فهنا العليم صفة لأن إعرابه كذلك في هذه الآية، وأما في قوله تعالى: {إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: 32] فالعليم هنا ليس صفة لأن إعرابه هنا خبر. وعِلْم اللهِ في قوله تعالى: {لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: 255] ليس من باب إضافة الصفة إلى الموصوف عند النحاة، ولا العلم في الآية صفة عند النحاة لأنه لا يُعرب كذلك هنا، وإنما إعرابه هنا اسم مجرور…وأما عند اللغويين فليس “العِلم” عندهم صفة بل “العِلم” عندهم هو مصدر للفعل عَلِم….وعليه فالإضافة في قولنا: عِلْم الله، ليست من باب إضافة الصفة إلى موصوفه، لا عند النحاة ولا عند اللغويين، وإنما هي عندهم من إضافة المصدر إلى فاعله، وله في القرآن أمثلة كثيرة[10].
والحاصل أن النحاة واللغويون لا يعتبرون الإضافة في نحو “عِلْم الله” من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، وإن كانت هذه الإضافة عند المتكلمين هي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. وأما الإضافة في: وجْه الله، يد الله، ونحو ذلك مما يعتبره ابن تيمية من باب إضافة الصفة للموصوف، فالإضافة هنا ليست من باب إضافة الصفة للموصوف لا عند النحويين ولا عند اللغويين والصرفيين ولا عند المتكلمين….!!! أما أن ” وجْه الله، يد الله ” ليس من باب إضافة صفة إلى موصوف عند النحويين، فلأن….. انتظره
======================
[1] انظر السابق:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/764664033647621/
[2] انظر: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/764664033647621/
[3] مثال المشتق : مررت برجل سارق ، وقابلت غلاما حسن الوجه . وجاء صديق طيب الخلق . ومثال المؤول به : صافحت رجلا أسدا . ومثال التخصيص : سلمت على محمد الخياط .253 ـ ومنه قوله : فتحرير رقبة مؤمنة 254 ـ ومثال التوضيح قوله : بسم الله الرحمن الرحيم 255 ـ ومثال المدح قوله : الحمد لله رب العالمين ومثال الذم : قاطعت الرجل الفاسق .256 ـ ومنه قوله : فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ومثال الترحم عليه : جاء الرجل البائس ، واللهم أنا عبدك المسكين . ومثال التوكيد : أمس الدابر لا يعود . 257 ـ ومنه قوله : تلك عشرة كاملة وقوله : فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وقوله : ولا تتخذوا إلهين اثنين كذا في: http://www.ahlalloghah.com/showthread.php?t=839&page=4
[4] انظر: http://www.drmosad.com/index63.htm [5] انظر: التعريفات ص 116، 117، حاشية ابن أبى شريف على شرح العقائد النسفية ص 248، حاشية الصاوى على شرح الخريدة البهية للدردير ص 32 ط الحلبى 1336هـ – 1947م…..كذا قال الباحث عرفه عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن النادى في تحقيقه لفتح الإله الماجد بإيضاح شرح العقائد (2/ 113) لشيخ الإسلام زكريا الأنصاري.
قال وليد: والوهابية تعرف الصفة بأنها: (((ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من أمور ذاتية أو معنوية أو فعلية.ومن صفات الله عز وجل:الذاتية: اليدان- الوجه- العينان- الأصابع.المعنوية: العلم- القدرة- الحياة- الإرادة.الفعلية: النزول- الاستواء- الخلق- الرزق.))).اهـ انظر: معتقد أهل السنة والجماعة في توحيد الأسماء والصفات، للدكتور محمد خليفة التميمي (ص: 31)، وانظر أيضا كتابه : الصفات الإلهية تعريفها، أقسامها (ص: 12).وقال د.سعيد القحطاني في شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة (ص: 252): الفرق بين الاسم والصفة أن الاسم ما دلّ على الذات، وما قام بها من صفات، وأما الصفة فهي ما قام بالذات مما يميزها عن غيرها من معان ذاتية كالعلم والقدرة، أو فعليه كالخلق والرزق والإحياء والإماتة.اهـ وانظر كتابه أيضا: عقيدة المسلم في ضوء الكتاب والسنة (1/ 358).وقال محمد أمان جامي في الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية في ضوء الإثبات والتنزيه (ص: 84): والصفة في اصطلاح المتكلمين حال وراء الذات، أو ما قام بالذات من المعاني والنعوت وهي في حق الله تعالى نعوت الجلال والجمال والعظمة والكمال، كالقدرة والإرادة والعلم والحكمة.والصفة غير الذات وزائدة عليها من حيث مفهومها وتصورها، بيد أنها لا تنفك عن الذات، إذ لا نتصور في الخارج ذاتاً مجردة عن الصفات.اهـ وانظر أيضا ص388.وانظر: توضيح المقاصد شرح الكافية الشافية نونية ابن القيم (2/ 248).وانظر للتوسع: http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?t=340603
* جاء في البحر المحيط للزركشي (4/ 30): والمراد بالصفة عند الأصوليين : تقييد لفظ مشترك المعنى بلفظ آخر مختص ليس بشرط ولا غاية ، ولا يريدون بها النعت فقط كالنحاة .ويشهد لذلك تمثيلهم ب { مطل الغني ظلم } ، مع أن التقييد به إنما هو بالإضافة فقط وقد جعلوه صفة .اهـ وانظر للتوسع : https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/977700385677317/
[6] وفي تاج العروس (24/ 460): قالَ: والصِّفَةُ: كالعِلْمِ والجَهْل والسَّوادِ والبيَاضِ. وأَما النُّحاةُ فإنماّ يُريدُونَ بهَا النَّعْتَ، وَهُوَ أَي: النَّعْتُ: اسمْ الفاعِلِ أَو المفَعْوُل نَحْو: ضارِبٍ وَمْضُروبٍ أَو مَا يَرْجِعُ إليِهما من طَرِيِق المَعْنَى، كمِثْلٍ وشِبْهٍ وَمَا يَجْرِي مَجْرَى ذلِكَ، تَقولُ رَأَيْتُ أَخاكَ الظَّرِيفَ، فالأَخُ هُوَ {المَوْصُوفُ، والظَّرِيفُ هُوَ الصّفَةُ، فَلهَذَا قالُوا: لَا يَجُوزُ أَنْ يُضافَ الشِيءُ إِلَى صِفَتِه، كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُضافَ إِلَى نَفْسِه لأَنَّ الصِّفَةَ هِيَ المَوْصُوفُ عندَهُم، أَلا تَرَى أنَّ الظَّرِيفَ هُوَ الأَخُ كَمَا فِي الصِّحاح والعُبابِ.اهـ
[7] مثل : حسن ، وأحمر ، وعطشان ، وتعب ، وكريم ، وخشن ، وبطل .ومنه قوله تعالى : { إنه لفرح فخور } 10 هود .وقوله تعالى : { ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفاً } 15 الأعراف .ومنه قولهم : فلان رقيق الحاشية ، كريم السجايا . وقد سمي هذا النوع من المشتقات بالصفة المشبهة ، لأنها تشبه الفاعل في دلالتها على معنى قائم بالموصوف
[8] ومثله “كريم” في قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } [الحاقة: 40] فهو هنا صفة عند النحاة، وصفة مشبهة عند الصرفيين.
[9] وأما المعتزلة فلا يرون أن العليم يدل على صفة العلم؛ انظر: الاختلاف في اللفظ لابن قتيبة بتحقيق العلامة الكوثري ص20.
[10] جاء في دراساتٌ لأسلوبِ القرآنِ الكريمِ لعضيمة: إضافة المصدر إلى فاعله ، وإضافة المصدر إلى مفعوله، والأول قسمان: إضافة المصدر للفاعل ولم يذكر المفعول:1- {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة} [102:11].في [البحر:5/261]: (القرى مفعول لأخذ على الإعمال إذا تنازعه المصدر، وهو أخذ ربك وأخذ، فأعمل الثاني). (ب) {إن أخذه أليم شديد} [102:11].المصدر مضاف للفاعل. [ العكبري :1/113].(ج) {فأخذناهم أخذ عزيزٍ مقتدرٍ} [42:54].المصدر مضاف للفاعل. [الجمل:4/ 244].والقسم الثاني: المصدر مضاف للفاعل و ذكر المفعول به:1- {وأخذهم الربا وقد نهوا عنه} [161:4].[العكبري:1/113].2- {يسارعون في الإثم والعدوان وأكلهم السحت} [62:5].[العكبري: 1/123].(ب) {عن قولهم الإثم وأكلهم السحت} [63:5].والثاني قسمان أيضا: إضافة المصدر إلى المفعول و لا يذكر الفاعل… مثل:1- {زين للناس حب الشهوات} [14:3] في [البحر: 2/396:2]: (أضاف المصدر إلى المفعول، وهو الكثير في القرآن). و هذا يخالف الواقع كما يخالف ما صرح به. في [البحر:7/ 199]2- {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفسٍ واحدةٍ} [28:31]3- {إنا علينا جمعه وقرآنه} [17:75]والقسم الثاني: إضافة المصدر إلى المفعول وذكر الفاعل… مثل:1- {ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً} [97:3]في [البحر: 3/11]: (و قال بعض البصريين: {من} موصول في موضع رفع على أنه فاعل للمصدر الذي هو حج، فيكون المصدر قد أضيف إلى المفعول ورفع به الفاعل، نحو: عجبت من شرب العسل زيد. و هذا القول ضعيف من جهة اللفظ والمعنى، أما من حيث اللفظ فإن إضافة المصدر للمفعول ورفع الفاعل به قليل في الكلام، ولا يكاد يحفظ من كلام العرب إلا في الشعر، حتى زعم بعضهم أنه لا يجوز إلا في الشعر، وأما من جهة المعنى فإنه لا يصح، لأنه يكون المعنى: إن الله أوجب على الناس مستطيعهم وغير مستطيعهم أن يحج البيت المستطيع ومتعلق الوجوب إنما هو المستطيع). [معاني القرآن للزجاج :1/456] 2- {تخافونهم كخيفتكم أنفسكم} [28:30]في [البحر:7/171]: (قرأ الجمهور {أنفسكم} بالنصب، أضيف المصدر إلى الفاعل. وابن أبي عبيدة بالرفع، أضيف المصدر إلى المفعول مع وجود الفاعل). 3- {فاذكروا الله كذكركم آباءكم} [200:2]في [البحر:2/103]: (نقل ابن عطية أن محمد بن كعب القرظي قرأ {كذكركم آباؤكم} برفع الآباء، ونقل غيره عن محمد بن كعب أنه قرأ {أباكم} على الإفراد. وجه الرفع أنه فاعل للمصدر والمصدر مضاف للمفعول
انظر رابط المنشور أعلاه على :
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/774214016025956/