“وإذا كان الأمر كذلك فأيُّ معنىً من هذه المعاني يُثبتُ ابنُ تيمية لليد … أهو الجارحة أم القدرة أم الملك أم النعمة أم الأمام….إلخ ؛ إذ كل هذه المعاني هي حقيقة وليست مجازا حسب كلام ابن تيمية نفسه وكلام تلميذه ابن القيم حين أنكرا المجاز”
[23] هل صحيح أن لله يدين؟*
https://www.facebook.com/groups/202140309853552/posts/803891203011790/
….وهذا كله أظهرُ على قول ابن تيمية[1] وابن القيم[2] في المجاز …فإنهم قرروا أنه لا مجاز في اللغة، وأن ما يُدّعى أنه مجاز هو حقيقة؛ لأن المجاز عند من يثبته لا بد له من قرينة؛ ووجود هذه القرينة يجعل الكلامَ حقيقة، وقرروا أيضا أن الكلمة لا تحمل أي معنى قبل الاستعمال وإنما معناها يكون عند الاستعمال وبحسب السياق والقرائن.
ولعل ابن عثيمين خيرُ مَن لخّص مذهبَ ابنِ تيمية وتلميذه، فقال ابن عثيمين: المجاز هل هو موجود في اللغة أو لا؟ من العلماء من أنكر أن يكون موجوداً في اللغة وحجته أن المعنى إنما يعينه السياق وقرائن الأحوال وأن الكلمات نفسها ليس لها معنى ذاتي بل هي بحسب التركيب وإذا كانت بحسب التركيب صار الذي يعين المعنى هو السياق وإذا تعين المعنى فهذا هو الحقيقة، فإذا قلت: (رأيت أسداً يحمل سيفاً) هل يمكن لأي واحد يسمع هذا الكلام أن يشتبه عليه الأسد الحقيقي بالأسد الشجاع أو لا يمكن؟ لا يمكن إذاً هو حقيقة هذا اللفظ مستعمل حقيقة في موضعه بقرينة الحال لكن لو قلت: (رأيت أسداً) فهنا لا يمكن أن يراد به الرجل الشجاع لماذا؟ لأن الكلمة موضوعة في الأصل للحيوان المفترس المعروف فتحمل عند عدم القرينة على ما وضعت له أولاً وهذا الذي حققه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وأطال فيه في كتاب (الإيمان) ولخصه تلميذه ابن القيم وقربه إلى الأفهام في كتابه (الصواعق المرسلة).اهـ[3]
قال وليد: وهذا الكلام قاله ابن تيمية ومن تبعه من أجل أن يبطلوا المجازَ ظنا منهم أنهم بذلك يثبتون مذهبهم في التجسيم ويقطعون طريقَ التأويل على المنزهة كالأشاعرة وغيرهم …..!!!!!!
بيد أن هذا ما هو إلا مجرد حُلم عابر، ومحض خطأ فاحش… بل هم بذلك سدوا على أنفسهم طريقَ التجسيمِ، وفتحوا لغيرهم التأويلَ على مصراعيه ليس فقط للأشاعرة الذين جعلوا للتأويل ضوابط وشروطا …. بل فتحوه للباطنية وللقرامطة والفلاسفة والملاحدة الذين قالوا بالتأويل دون ضوابط قط…. فضلا عن أن هذا الذي قرره ابن تيمية وأتباعه في مسألة المجاز يهدم مذهبَ ابنِ تيمية نفسه في الصفات المتشابهة برمته….!!!!!
إذن، ما قاله ابن تيمية حين أنكر المجاز يترتب عليه أمران:
أولا: يهدم مذهبَه في الصفات المتشابهة.
ثانيا: يفتح الطريقَ للأشاعرة ولغيرهم للتأويل من أوسع أبوابه، ويغلق الطريق على مذهبه، عكس ما ظنه ابن تيمية تماما.
وبيان ذلك فيما يلي:
أما أنه يَهدم مذهبَ ابنِ تيمية في الصفات فذلك لأن ابن تيمية ـ رحمه الله ـ يزعم أن كل الصفات الواردة في النصوص المتشابهة محمولة على المعاني الحقيقية لا المجازية ، فمثلا: إن لله يدين على الحقيقة، وعلى المعنى الظاهر والمعروف لليد في لغة العرب، ومن يَحمل اليدَ المضافة إلى الله على معنى مجازي فهو محرّف لكلام الله ومعطل لصفاته …!!!!!
كذا قرر ابن تيمية وأتباعه، وقد سبق نقْل نصوصهم في ذلك[4]…. ولكن ألا ترون أن هذا الكلام يَهدمه كلامُ ابنِ تيمية نفسه وكلام تلميذه ابن القيم حين أنكرا المجازَ … ويهدمه أيضا كلامُ الشيخِ البدر سابقا …..؟!!!! إذ على ضوء ما قرروه في إنكار المجاز لا يبقى أيُّ معنىً لقولِ ابنِ تيمية: لله يدٌ على الحقيقة لا المجاز؛ وعلى المعنى الظاهر المعروف لليد في لغة العرب؟!!!!!
وبيان ذلك فيما يلي:
أولا: إن ابن تيمية وأتباعه زعموا حين أنكروا المجازَ أن ما يقال عنه مجاز هو حقيقة لوجود قرينة تدل عليه… وأن كل المعاني المجازية كالقدرة والنعمة والمُلك وغيرها هي حقيقة إذا دلت عليها القرينة … لاسيما على قول الشيخ عبد المحسن البدر أن اليد لفظ مشترك أصلا يُطلق على كل تلك المعاني من باب الحقيقة كالعين والقرء تماما…… وإذا كان الأمر كذلك فأيُّ معنىً من هذه المعاني يُثبتُ ابنُ تيمية لليد … أهو الجارحة أم القدرة أم الملك أم النعمة أم الأمام….إلخ ؛ إذ كل هذه المعاني هي حقيقة وليست مجازا حسب كلام ابن تيمية نفسه وكلام تلميذه ابن القيم حين أنكرا المجاز وأبطلا تقسيمَ الكلام إلى حقيقة ومجاز، وزعما أن ما يُدّعى أنه مجاز هو حقيقة طالما دلت القرائن عليه، وحسب كلام الشيخ عبد المحسن البدر حين زعم أن اليد مشترك لفظي….؟!!!
ثانيا: إن ابن تيمية أنكر تقسيمَ الكلام إلى حقيقة ومجاز، فقال: “وتقسيم اللغة إلى حقيقة ومجاز تقسيم مبتدع محدث لم ينطق به السلف”([5]) .اهـ
وإذا كان ابن تيمية ينكر هذا التقسيمَ أصلا فما معنى ما قرره ابنُ تيمية في مسألة اليدين من أن لله يدين على الحقيقة لا المجاز… ؟!!!!!
قد يقال: إنه أراد بذلك…..وانظر اللاحق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/804247372976173/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
*انظر السابق: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/800556846678559/
[1] يقول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (12/ 276): واللفظ يختلف معناه بالاطلاق والتقييد فإذا وصل بالكلام ما يغير معناه كالشرط والاستثناء ونحوهما من التخصيصات المتصلة كقوله ألف سنة الا خمسين عاما كان هذا المجموع دالا على تسعمائة وخمسين سنة بطريق الحقيقة عند جماهير الناس
ومن قال أن هذا مجاز فقد غلط فان هذا المجموع لم يستعمل فى غير موضعه وما يقترن باللفظ من القرائن اللفظية الموضوعة هي من تمام الكلام ولهذا لا يحتمل الكلام معها معنيين ولا يجوز نفى مفهومهما بخلاف استعمال لفظ الأسد فى الرجل الشجاع.اهـ
وقال في الإيمان لابن تيمية (ص: 81): ثم هؤلاء الذين يقولون هذا نجد أحدهم يأتي إلى ألفاظ لم يعلم أنها استعملت إلا مقيدة فينطق بها مجردة عن جميع القيود ثم يدعي أن ذلك هو حقيقتها من غير أن يعلم أنها نطق بها مجردة ولا وضعت مجردة مثل أن يقول: حقيقة العين هو العضو المبصر ثم سميت به عين الشمس والعين النابعة وعين الذهب للمشابهة لكن أكثرهم يقولون إن هذا من باب المشترك لا من باب الحقيقة والمجاز فيمثل بغيره مثل لفظ الرأس يقولون: هو حقيقة في رأس الإنسان ثم قالوا: رأس الدرب لاوله ورأس العين لمنبعها ورأس القوم لسيدهم ورأس الأمر لأوله ورأس الشهر ورأس الحول وأمثال ذلك على طريق المجاز وهم لا يجدون قط أن لفظ الرأس استعمل مجردا بل يجدون أنه استعمل بالقيود في رأس الإنسان كقوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إلى الْكَعْبَينِ} [المائدة: 6] ونحوه.
وهذا القيد يمنع أن تدخل فيه تلك المعاني فإذا قيل رأس العين ورأس الدرب ورأس الناس ورأس الأمر فهذا المقيد غير ذاك المقيد الدال ومجموع اللفظ الدال هنا غير مجموع اللفظ الدال هناك لكن اشتركا في بعض اللفظ كاشتراك كل الأسماء المعرفة في لام التعريف.اهـ
[2] قال ابن القيم كما في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 295): الوجه التاسع عشر: أنكم فرقتم أيضا بينهما أن المجاز ما يتبادر غيره إلى الذهن، فالمدلول إن تبادر إلى الذهن عند الإطلاق كان حقيقة، وكان غير المتبادر مجازا، فإن الأسد إذا أطلق تبادر منه الحيوان المفترس دون الرجل الشجاع، فهذا الفرق مبني على دعوى باطلة وهو تجريد اللفظ عن القرائن بالكلية والنطق به وحده، وحينئذ فيتبادر منه الحقيقة عند التجرد، وهذا الفرض هو الذي أوقعكم في الوهم، فإن اللفظ بدون القيد والتركيب بمنزلة الأصوات التي ينعق بها لا تفيد فائدة، وإنما يفيد تركيبه مع غيره تركيبا إسناديا يصح السكوت عليه، وحينئذ فإنه يتبادر منه عند كل تركيب بحسب ما قيد به، فيتبادر منه في هذا التركيب ما لا يتبادر منه في هذا التركيب الأخير.
فإذا قلت: هذا الثوب خطته لك بيدي، تبادر من هذا أن اليد آلة الخياطة لا غير، وإذا قلت: لك عندي يد الله يجزيك بها، تبادر من هذا النعمة والإحسان، ولما كان أصله الإعطاء وهو باليد عبر عنه بها، لأنها آلة، وهي حقيقة في هذا التركيب، وهذا التركيب، فما الذي صيرها حقيقة في هذا، مجازا في الآخر؟ .
فإن قلت: لأنا إذا أطلقنا لفظة يد تبادر منها العضو المخصوص، قيل: لفظة يد بمنزلة صوت ينعق به لا يفيد شيئا البتة حتى تقيده بما يدل على المراد منه، ومع التقييد بما يدل على المراد لا يتبادر سواه، فتكون الحقيقة حيث استعملت في معنى يتبادر إلى الفهم، كذلك أسد لا تفيد شيئا ولا يعلم مراد المتكلم به حتى إذا قال زيد أسد، أو رأيت أسدا يصلى، أو فلان افترسه الأسد فأكله، أو الأسد ملك الوحوش ونحو ذلك، علم المراد به من كلام المتكلم، وتبادر في كل موضع إلى ذهن السامع بحسب ذلك التقييد والتركيب، فلا يتبادر من قولك: رأيت أسدا يصلي، إلا رجلا شجاعا، فلزم أن يكون حقيقة.
فإن قلتم: نعم ذلك هو المتبادر، ولكن لا يتبادر إلا بقرينة، بخلاف الحقيقة، فإنها يتبادر معناها بغير قرينة، بل لمجرد الإطلاق، قيل لكم: عاد البحث جذعا، وهو أن اللفظ بغير قرينة ولا تركيب لا يفيد شيئا ولا يستعمل في كلامنا في الألفاظ المقيدة المستعملة في التخاطب.اهـ
وقال أيضا في مختصر الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة (ص: 303): الوجه الثالث والعشرون: تفريقكم بين الحقيقة والمجاز بالتزام التقييد في أحد اللفظين كجناح الذل ونار الحرب ونحوهما فإن العرب لم تستعملهما إلا مقيدة، وهذا الفرق من أفسد الفروق، فإن كثيرا من الألفاظ التي لم تستعمل إلا في موضوعها قد التزموا تقييدها كالرأس والجناح واليد والساق والقدم، فإنهم لم يستعملوا هذه الألفاظ وأمثالها إلا مقيدة بمحالها وما تضاف إليه، كرأس الحيوان ورأس الماء ورأس المال ورأس الأمر.
وكذلك الجناح لم يستعملوه إلا مقيدا بما يضاف إليه، كجناح الطائر وجناح الذل، فإن أخذتم الجناح مطلقا مجردا عن الإضافة لم يكن مقيدا لمعناه الإفرادي أصلا فضلا عن أن يكون حقيقة أو مجازا، وإن اعتبرتموه مضافا مقيدا فهو حقيقة فيما أضيف إليه، فكيف يجعل حقيقة في مضاف، مجازا في مضاف آخر، ونسبته إلى هذا المضاف كنسبة الآخر إلى المضاف الآخر، فجناح الملك حقيقة فيه، قال الله تعالى: {جاعل الملائكة رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع} [فاطر: 1] فمن قال: ليس للملك جناح حقيقة فهو كاذب مفتر ناف لما أثبته الله تعالى وإن قال: ليس له جناح من ريش، قيل له: من جهلك اعتقادك أن الجناح الحقيقي هو ذو الريش وما عداه مجاز، لأنك لم تألف إلا الجناح الريش.اهـ
[3] انظر كلامه على: http://www.startimes.com/f.aspx?t=32665136
[4] انظر: https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/796966110370966/
([5]) الإيمان لابن تيمية – (1 / 143)، بتحقيق الألباني، المكتب الإسلامي، عمان، الأردن، ط5/1996م.