انظر رابط المنشور:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/698579823589376/
[1] بحث قيّم في الكسب لأحد الفضلاء ….
‘‘‘‘‘المطلب الثالث ـ تطورُ نظريةِ الكَسْبِ عند الأشاعرة:
كانت نظرية الكَسْبِ موضعَ إضافةٍ مِنْ أعلام المذهب الْأَشْعَرِيِّ؛ حيث لَقِيَتْ نظريةُ الكَسْبِ تطورًا بين مُتَكَلِّميهم، نَلْحَظُ ذلك عند (الْبَاقِلَّانِيِّ والجُوَيْنِيِّ والغَزَالِيِّ والرَّازِيِّ)؛ وذلك نتيجةٌ طبيعيةٌ للمناظرات المستمرة بين (الْأَشَاعِرَةِ) وخصومهم حول ما يُسَمَّى بالكَسْبِ الأشعريِّ، فكان لكُلٍّ منهم وجهةُ نَظَرٍ فيها، وهذا معنى التطور الذي أَقْصِدُهُ؛ إذ ليس المقصودُ التَّطَوُّرَ الذي يُوهِمُ اخْتِلافَ الرُّؤى فيما بينهم، وهذا ما سيكشفُ عنه البحثُ في صفحاته المُقْبِلة، وفيما يلي تفصيلُ ذلك على حسبِ الترتيب الزمنيِّ؛ إظهارًا لهذا التَّطَوُّرِ.
فالإمامُ (أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ ت 403هـ): يرى أنَّ العبد مُكْتَسِبٌ لأفعاله وأنَّهُ غَيْرُ مجبورٍ، وهذا واضحٌ مِنْ خلال قوله: «ويجب أن يُعلم: أنَّ العبد له كَسْبٌ وليس مجبورًا بل مُكْتَسِبٌ لأفعاله، مِنْ طاعةٍ ومعصيةٍ لِأَنَّهُ تعالى قال: {لَهَا مَا كَسَبَتْ}؛ يَعْني: مِنْ ثَوابِ طاعةٍ، {وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} (2)؛ يَعْني: مِنْ عِقابِ مَعْصيةٍ.
(2) () سورة البقرة، من الآية 286.
يدل على صحة هذا أيضًا: أنَّ العاقِلَ مِنَّا يُفَرِّقُ بين تَحرُّكِ يَدِهِ جَبْرًا وسائرِ بدنه عند وقوع الحُمَّى به أو الارتعاش، وبين أنْ يُحرِّكَ هو عضوًا من أعضائه قاصدًا إلى ذلك باختياره، فأفعالُ العباد هي كَسْبٌ لهم وهي خَلْقٌ لله تعالى، فما يَتَّصِفُ به الحقُّ لا يتصف به الخَلْقُ، وما يتصف به الخَلْقُ لا يتصف به الحقُّ؛ وكما لا يُقالُ لله تعالى إنه مُكْتَسِبٌ، كذلك لا يُقالُ للعبد إنَّهُ خالِقٌ» (1).
يذهب (الْبَاقِلَّانِيُّ) إلى القول بأنَّ الخالِقَ يَصِحُّ انفرادُهُ بِالخلْقِ؛ دون العبد المُكْتَسِبُ، وهذا يُفَسِّرُ لنا السِّرَّ في أنَّ (الأشاعرةَ) وإنْ سَمَّوُا العبدَ كاسِبًا فإنهم لا يَرْضَوْنَ بتسميته خالِقًا.
وهنا للباحث وقفةٌ مع الإمام (الْبَاقِلَّانِيِّ) لنرى مدى التَّطَوُّرِ الذي وصل إليه في نظرية الكَسْبِ الأشعريِّ بعد الإمام (أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ)؛ تتمثل في سؤالٍ مفاده: هل القدرةُ الحادثةُ مُؤَثِّرةٌ في الفعل أوْ لا؟
(1) () الإِنْصاف فيما يجب اِعتقاده ولا يجوز الجهل به، ص43، 44، مرجع سابق.
في الإجابةِ على هذا السؤال؛ نقولُ: بِأَنَّهُ عند الإمام (أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ) لا تَأْثيرَ للقدرة الحادثة لا في أَصْلِ الفعل ولا في وَصْفِهِ؛ وعند الإمام (أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ) لا تأثير للقدرة الحادثة في أصل الفعل دون وَصْفِه؛ من كونه طاعةً أو معصيةً بوساطة توجيهِ الإرادةِ الإنسانيةِ وصَرْفِها إلى الفعل: «فمذهبُ الباقِلّانِيِّ: فيه خَلاصٌ؛ لِأَنَّهُ يُثبت الكمالَ للقدرة القديمة ويَنْفيه عن القدرة الحادِثة، فلا يجوز أن يُضاف إلى المُوجِدِ ما يُضافُ إلى المُكْتَسِبِ حتى يُقالَ: هو الكاتِبُ، القابِل، ولا يجوز أن يُضافَ إلى المُكْتَسِبِ ما يُضافُ إلى المُوجِدِ حتى يُقالَ: هو المُبْدِعُ، الخالِقُ» (1).
الإمام (الْبَاقِلَّانِيُّ) تَخطَّى ما كان عليه الإمام (الْأَشْعَرِيُّ)؛ لكنه لم يخرج عن المنهج العامِّ له؛ لِأَنَّهُ لا يختلف معه في إسناد الفعل إلى الله بالنسبة إلى أَصْلِه، ثم ينتقل خُطْوةً إضافيةً؛ وهي إسنادُ الفعل إلى العبد بالنسبة إلى وَصْفِهِ؛ فالفعل لله أصلًا، وللعبد وصفًا.
وللإمام (أَبِي المَعَالِي الجُوَيْنِيِّ ت 478هـ) مَوْقِفان في نظرية الكَسْبِ الأشعريِّ:
الأول ـ يُوافِقُ فيه المنهجَ العامَّ للإمام (الْأَشْعَرِيِّ)؛ وهو نفيُ التأثيرِ عن قدرة العبد من ناحية الخلْقِ دون الكَسْبِ؛ وذلك واضحٌ مِنْ خلال قوله: «الحادثُ في حال حدوثه مقدورٌ بالقدرة القديمة، وإنْ كان مُتَعَلَّقًا للقدرة الحادِثة فهو مقدورٌ بها» (2).
(1) () نِهَاية الإِقدامْ في علم الكلامْ، الشَهْرستاني، تصحيح الفردجيوم، ص77، طبعة المتنبي، بدون تاريخ.
(2) () الإِرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، ص219، مرجع سابق.
الثاني ـ بمثابة تطور لنظرية الكَسْبِ الْأَشْعَرِيِّ، وهو أنَّ للعبد في فعله نَوْعَ تأثيرٍ يَخْلُقُهُ فيه الله تعالى؛ وذلك من خلال قوله: «إذِ المَرْءُ بين: أنْ يَدَّعي الاستبدادَ بالخَلْق، ويُخْرِجَ نَفْسَهُ عن كونه مُطالَباً بالشرائع؛ وبين: أن يُثْبِتَ نَفْسَهُ شريكًا لله تبارك وتعالى في إيجاد الفعل الواحد؛ وهذه الأقسامُ بجملتها باطلةٌ، ولا يُنَجِّي من هذا البَحْرِ المُلْتَطِمِ ذِكْرُ اسْمٍ مُخْتَصٍّ، ولَقَبٍ مُجَرَّدٍ من غير تحصيلِ مَعْنًى؛ وذلك أنَّ قائلًا لو قال: العبدُ مُكْتَسِبٌ، وأَثَرُ قدرته الاكتساب، والرَّبُّ تبارك وتعالى مُخْتَرِعٌ وخالِقٌ لما العبدُ مُكْتَسِبٌ؛ قيل له: فما الكَسْبُ؟ وما معناه؟ وأُديرَتِ الأقسامُ المُقَدَّرةُ على هذا القائل فلا يجد عنها مَهْرَبًا.
فإن قيل: لِمَ لا تَذْكرون قولًا مُقْنِعًا في الرَّدِّ على مَنْ يَزْعُمُ أنَّ العَبْدَ مُخْتَرِعٌ خالِقٌ لِأَفْعالِهِ؟ قلنا: المسلمون بأجمع قاطبةً قبل أنْ تظهر البدع والآراء على أنه لا خالِقَ إلَّا الله … وقُدْرةُ العبد مخلوقةٌ لله تبارك وتعالى، … ولو اهْتَدَتْ لهذه الفرقةُ الضالَّةُ لَمَا كان بيننا وبينهم خلافٌ ولكنهمُ ادَّعَوْا: اسْتِبدادًا بالاختراع وانفرادًا بالخلق والابتداع، فَضَلُّوا وأَضَلُّوا؛ ونُبَيِّنُ تَمَيُّزَنا عنهم، بأنَّا لمَّا أَضَفْنا فِعْلَ العبد إلى تقدير الإله؛ قلنا: أَحْدَثَ اللهُ تبارك وتعالى القدرةَ في العبد على أقدارٍ أحاط بها عِلْمُهُ، وهَيَّأَ أسبابَ الفعل، وأراد مِنَ العبد أن يفعل فأَحْدَثَ فيه دَواعيَ مُسْتَحَثَّةً وخِيرةً وإرادةً … ولو لم يُرِدْ وقوعَ مقدوره لَما أَقْدَرَهُ عليه، ولَما هَيَّأَ أسبابَ وقوعه» (1).
وعلى هذا فإمام الحرمين (أَبُو المَعَالِي الجُوَيْنِيُّ) يذهب إلى اعتقادٍ؛ وهو: انفرادُ الرَّبِّ تعالى بالخلْق والاختراع والابتداع في الأفعال وللعبد في ذلك كَسْبٌ عن طريق ما يُسَمَّى بتسلسل الأسباب والعبدُ سَبَبٌ فيها حتى ينتهيَ الأمرُ إلى مُسَبِّبِ الأسبابِ وهو الخالِقُ للأسباب ومُسَبِّباتِها؛ وهذا تَطَوُّرُ ما عَرَفْناهُ بنظرية الكَسْبِ صَحَّ به نِسْبةُ الأفعال إلى العباد، وبه ثَبتَ التكليفُ، الذي يترتب عليه الثواب والعقاب.
ثم يأتي الإمامُ (أَبُو حَامِدٍ الغَزَالِيُّ ت505هـ) بوجهة نظره في مسألة الكَسْبِ، ليُدَلِّلَ على أمْرٍ مَفادُه:…..’’’’’ وانظر اللاحق
https://www.facebook.com/groups/202140309853552/permalink/812598872141023/
كذا في رسالة ماجستير بعنوان “أفعال الله تعالى بين الأشاعرة وابن تيمية” ـ دراسة تحليلية مقارنة (2/ 136) للباحث محمد أحمد عيد سالم الشويحي.
وانظر أيضا:
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/461932537254107/
(1) () العقيدة النظاميَّهْ في الأركان الإسلاميهْ، الجويني، تحقيق الشيخ محمد زاهد الكوثري، ص43: 48، طبعة المكتبة الأزهرية للتراث 1412هـ ـ 1992م.