حديث الجارية حديثٌ جاء في مسلم، وفيه أنَّ صحابيًّا واحدًا رواه، أنه جاء إلى الرسول عليه الصلاة والسلام قال: “لي جارية صَكَكْتُها في وجهِها، يعني تندَّمَ على هذا الفعل، فقال له الرسول: “ادعُها إليَّ، فقال لها: أين الله فقالت في السماء”. الذين تأوَّلوا هذا الحديث (لأنّ بعض العلماء ما قبِلوه قالوا هذا مُخالِفٌ للأصول ومُخالِفٌ للحديث المُتواتر وما خالف الأصولَ لا يكونُ صحيحًا وما خالف المُتواتر ولم يمكن تأويله لا يكونُ مقبولًا لا يكونُ صحيحًا)، فالذين تأوَّلوهُ قالوا: هذا سؤالٌ عن المكانةِ لا عنِ المكان، لأنه صلى الله عليه وسلم قال: <أينَ الله> يعني ماذا تعتقدينَ في الله.
هؤلاء المشركون يعتقدونَ اللهَ والعياذُ بالله الأصنامَ التي يعبدونَها في الأرض، فأرادت التعبير على أنه رفيعُ القدْرِ جدًّا فقالت: “في السماء” أي رفيع القدرِ جدًّا أعلى مِن كلِّ شىءٍ قدْرًا، قال: “من أنا؟ قالت: رسول الله، قال: أعتقها فإنها مؤمنة”، صحابيٌّ واحد رواه. الحديثُ المتواتر الذي رواه البخاريُّ وغيرُه رواه خمسةَ عشرَ صحابيًّا عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وهو يُوافِقُ الأصول:《أُمِرْتُ أنْ أقاتِلَ الناسَ حتى يَشهدوا أن لا إله إلّا الله وأنِّي رسول الله فإذا فعلوا ذلك عَصموا منِّي دماءَهُم وأموالَهم إلّا بحقِّها》، هذا يُوافقُ الأصول. لا يُشهَدُ للشخصِ الذي كان كافرًا بالإسلام إلّا أنْ ينطِقَ بالشهادتين، يعني لو قالَ كافرٌ <اللهُ في السماء> لا يُشهَدُ له بالإسلام. طوائفٌ من الكفار يقولونَ <الله في السماء> فلا يُشهَدُ لهم بذلك.
وهذه الرواية روى الإمام مالك روايةً أقوى منها لأنَّ مالك هو أضْبطُ رواةِ الحديث “إذا ذُكِرَ الحديث فمالكٌ النجمُ”.
ما هي الرواية التي رواها في المُوطَّأ؟ أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال لها: “أتَشهدينَ أنْ لا إله إلا الله؟ قالت: نعم، قال: أتشهدينَ أني رسولُ الله؟ قالت: نعم، قال أعْتِقْها”. هذه الروايةُ مُوافقةٌ للأصول، أما تلك على ظاهرِها لا تُوافقُ الأصول.
ثمّ هم ماذا يقولون؟ يقولون على الظاهر لا تأويل على الظاهر لا تأويل. هذا رواه مسلم وغيرُ مسلمٍ بالإسناد الصحيح وإسنادُه أقوى من حديث الجارية أنّ الرسولَ صلى الله عليه وسلم قال: 《إرْبَعوا على أنفسِكم فإنّكم لا تَدْعُونَ أصَمَّ ولا غائبًا إنّما تَدْعُونَ سميعًا قريبًا هو أقربُ إلى أحدِكم مِن عُنُقِ راحلَتِه》.
《إربعوا على أنفسِكم 》: يعني هوِّنوا على أنفسِكم لا تُجهِدُوها برفْعِ الصوت إنكم لا تَدْعُونَ أصمَّ ولا غائبًا، اللهُ يسمع كلَّ مَسموعٍ بسمعِه الأزلي، الله لا تخْفى عليه خافية،《إنما تَدْعُون سميعًا قريبًا هو أقربُ إلى أحدِكم مِنْ عُنُقِ راحلتِه》، إذا قالوا على الظاهر على الظاهر جعلوا اللهَ بين هذا الشخصِ الذي يذكرُ الله وبينَ عنُقِ راحلتِه لأنّ ظاهرَه هكذا هو أقربُ إلى أحدِكم مِنْ عنُقِ راحلتِه، منَ الراكبِ على الراحلة وعنُقِ الراحلة هل يقال على الظاهر؟ يقولون لا. ما معناه؟ الله عالمٌ بكم، الله أعلمُ بكمْ منْ أنفسِكم. كما في قولِه تعالى: {وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} نحنُ أعلمُ بالإنسان من نفسه، ليس معناه اللهُ بين الجِلدةِ وعِرقِ الدمِ. كما أوَّلْتُم هذه وهذه {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ}: عالمٌ بكم أينما كنتم، أوِّلوا حديثَ الجارية، لمَ تورِدونَه كلما اجْتمعتُمْ بإنسانٍ؟حتى تُجرُّوه إلى عقيدتِكُم الفاسدة.
يقولون <اللهُ يسكنُ السماء> والعياذ بالله، الرسولُ عليه الصلاة والسلام قال عن السماء:《ما فيها موضعُ أربعِ أصابع إلا وفيه ملَكٌ قائمٌ أو راكعٌ أو ساجد》: على زعمهِم اللهُ يُزاحِمُ الملائكة في أقلّ من موضع أربع أصابع هذا لا يجوز على الله.
الذي يسكنُ السماء جسم حجم، الذي له حجم ليس إلهًا، اللهُ خالقُ الأجسام وخالقُ الأحجام ليس كمثلِه شىء موجودٌ بِلا جهةٍ ولا مكانٍ سبحانَه وتعالى.