مقالات في دليل الفطرة

يشترك المجسمة وابن رشد في الاستدلال بشيء يسمونه بالفطرة……

يشترك المجسمة وابن رشد في الاستدلال بشيء يسمونه بالفطرة……
(د10، علم الكلام)
‘‘‘‘وابن رشد وابن تيمية يكثرون من الاستشهاد بالفطرة على ما يريدون إثباته من التجسيم، ولكن ابن تيمية، يثبت التجسيم باطناً وظاهراً، وابن رشد يثبت التجسيم لله تعالى ظاهراً فقط، وينفيه باطناً .
وكثير من الناس يلجؤون إلى الفطرة للوصول إلى أهدافهم، والتحقيق أنه لا توجد معلومات مخلوقة مع الإنسان كتلك التي يسميها هؤلاء بالفطرة .
وأما إن قصدوا بالفطرة مجموعة الغرائز والميولات النفسية والأهواء التي يتصف بها الإنسان، فإننا نعلم أن هذه لا يقال عنها لذاتها إنها حق أو باطل، لأنها يمكن عبارة عن أدوات، ويمكن أن يستعملها الإنسان في الحق، ويمكن أن يستعملها في الباطل .
وكائنا ما أراد هؤلاء بالفطرة فلا يجوز أن يحتجوا بها على أمر دقيق كهذا الأمر الذي نتكلم نحن عليه .
أما من حيث الإجمال فإن الخالق غير المخلوق، ولكن الغيرية التي نتكلم عنها في هذا المحل، ما حقيقتها ؟ وما معناها بالتفصيل ؟
هل إذا أثبتنا إلهاً جسماً ولكن من طبيعة أخرى من الأجسام وذا صورة أخرى مخالفة لجميع الصور التي للمخلوقات، هل نكون بهذا قد حققنا أمر التغاير الذي نقول إنه فطري أو بديهي ؟!
إن العاقل يعلم على سبيل القطع، أن هذا الكلام باطل، لا ريب في بطلانه.
وماذا نقول إذا واجَهَنا المجسم بقوله: إن في فطرتي أن الله تعالى إذا لم يكن جسماً مجسماً ومحدوداً وفي جهة ويتحرك ويقوم ويقعد … الخ، فإنه لا يمكن أن يكون إلهاً، ولا يمكن أن يكون موجوداً !!
ترى، هل يسلم ابن رشد لهذا القائل بأن فطرته توحي له بهذه الأفكار الخطيرة ؟ ولو سلمنا أن فطرته تقول له ذلك، فهل ننزل تحت حكم فطرته، ونسلم له أن الله تعالى هكذا ؟!
ما هو المعيار الدقيق لما يسمونه بالفطرة ؟ هل هو عبارة عن أدلة عقلية يمكن إقامة الحجة بها على الغير، أم هي عبارة عن مجموعة أحاسيس نفسية، يمكن الجزم أن الآخرين يحسون بها ؟
إن الفطرة إذا كانت مقاييس عقلية، فإنها لا تخرج عن العقل إذن، ولكن الواضح أنهم لا يريدون بها هذا المعنى .
فهل هي عندهم مجموعة أحاسيس ومشاعر تدلهم على عقائدهم ؟! أنهم إذا كانوا يسلمون أنفسهم في الدنيا والآخرة لمثل تلك الأحاسيس والمشاعر، فلا ريب أنهم يتبعون غيَّا، ولا ريب أنهم مغرقون في الضلالة والانحراف عن سبيل الهدى والجادة الصحيحة .
فإن هذه الأحاسيس والمشاعر لا نملك نحن ولا يملك صاحبها أن يجعلها دليلاً إلا على من يحس بها، ويعترف أنه يحس بها، ثم قبل ذلك يجب أن نتأكد أن ما يعبر لنا عنه من مشاعر فإنها مطابقة لما نحس به نحن ونعبر عنه بنفس الألفاظ !!
الحاصل من هذا الكلام السريع كله أن الاعتماد على أمر يسمى بالفطرة يشابه ترك الدليل الجلي والاعتماد على الدليل الخفي، والاعتماد على الدليل الذي لا يسلم الخصم دلالته أصلاً، والدليل الذي لا يمكن ضبطه أصلا ضبطا دقيقا ليكون ميزانا توزن به الأمور .
ومعلوم أن من يفعل ذلك فإنه يستحق عن جدارة أن يكون ضحكة الأولين والآخرين .’’’’’
كذا في : الكاشف الصغير عن مواقع الغلط في كتب الفيلسوف ابن رشد، لشيخنا العلامة سعيد فودة.

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/515905145190179/

السابق
لقد تأثر ابن تيمية بابن سينا فى قدم العالم (منقول)
التالي
قال السادة الأشاعرة: “كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فزبور، وباليونانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة” فهل يلزم من هذا أن يكون معاني آيات القرآن والإنجيل والتوارة واحدا؟