مقالات في صفة الكلام لله

قال السادة الأشاعرة: “كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فزبور، وباليونانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة” فهل يلزم من هذا أن يكون معاني آيات القرآن والإنجيل والتوارة واحدا؟

قال السادة الأشاعرة: “كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فزبور، وباليونانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة” فهل يلزم من هذا أن يكون معاني آيات القرآن والإنجيل والتوارة واحدا؟
الجواب: نعم، هكذا زعم ابن تيمية، وقلده السلفية، وشنعوا على الأشاعرة وألزموهم لوازم شنيعة ولنستمع لقول بعض السلفية : “فما ذهب إليه الأشاعرة في هذه المسألة أمر لا يقبله العقل ولا يسوغه الشرع، وذلك قولهم: إن كلام الله معنى واحد قائم بالنفس، يستوي فيه الأمر والنهي والخبر والإنشاء، وهذا في غاية العجب، ويلزم منه أن :قل هو الله أحد هي بعينها :تبت يدا أبي لهب وتب ، ولا تقربوا الزنا؛ ثم قالوا عن هذا المعنى النفسي: إن عُبر عنه بالعربية كان قرآنا وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة. ويلزم من هذا أن ما في القرآن من المعاني هو ما في التوراة والإنجيل، وهذا باطل يكفي في بطلانه مجرد تصوره، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: وجمهور العقلاء يقولون: إن فساد هذا معلوم بالضرورة بعد التصور التام، نحن إذا عربنا التوراة والإنجيل لم يكن معناهما معنى القرآن، بل معاني هذا ليست معاني هذا، وكذلك (قل هو الله أحد) ليس هو معنى (تبت يدا أبي لهب) ولا معنى آية الكرسي ولا آية الدين. انتهى من مجموع الفتاوى 12/122.*”اهـ
قال وليد: وهذا كله تشنيع غير لازم لنا، لأن أئمتنا الأشاعرة يفرّقون بين كلام الله الصفة القديمة لله، المعبَّر عنه بالكلام النفسي، فهذا واحد لا يتجزأ ولا يتركب ولا يتعدد، وبين كلام الله اللفظي الحادث المنزّل المعبِّر عن بعض متعلَّقات الكلام النفسي، وهذا أي الكلام اللفظي متعدد الألفاظ والمعاني بلا شك، وبالتالي فإن التوارة والإنجيل والقرآن متعددة المعاني قطعا وليست معنى واحدا، لأنها مؤلفة من ألفاظ متعددة متباينة، فبطل إلزام ابن تيمية السابق الناتج عن الخلط بين الأمرين.
وقد شرح ذلك شيخنا العلامة سعيد فودة في كتابه غرر الفوائد في علم العقائد (ص: 108) فقال:
مسألة: لمّا ثبت أنّ كلام اللّه تعالى هو صفة نفسيّة تتعلّق بكلّ ما يتعلّق به العلم من المتعلّقات، ولكنّ تعلّق العلم يكون تعلّقا هو كشف، وأمّا تعلّق الكلام فإنّه يكون بياناً لما كشف عنه العلم.
فكلام اللّه تعالى لا حدّ له من حيث إنّه متعلّق بما لا حدّ له، وهو نفس ما يتعلّق به العلم.
ومع ذلك نقول: إنّ كلامه تعالى واحد بالذّات لا يتعدّد ولا يتكثّر، وذلك لا يخالف فيه مخالف إذا فهم ما سبق أن وضّحناه فيما يتعلّق بكلام اللّه. ولا يفهم التكثّر إلاّ بالتركيب، وكلام اللّه النّفسيّ الذي هو صفة له، لا يمكن تعقّل تكثّرها وتعدّدها لأنها أصلاً غير مركّبة.
ولكن قد يتوهّم البعض أنّ كلام اللّه تعالى بما أنّه يوصف كما سبق بأنّه لا نهاية له، فهو يوصف بالكثرة العدديّة وهذا محض توهّم باطل.
لأنّ الصّفة القائمة بالذّات لا توصف بالكثرة ولا بالقلّة، ولكن الموصوف بذلك هو تعلّقاتها، أي يقال: إنّ تعلّقات الكلام كثيرة، وأمّا الكلمات اللّفظيّة التي أنزلها اللّه تعالى على رسله على هيئة كتب أو غير ذلك، فهذه لا يقال فيها: أنّها صفة من صفات اللّه، بل هي فعل من أفعاله، وكلّ أفعاله حادثة، واللّه تعالى لا يتّصف بأفعاله، وإنّما هذه تنسب إليه لصدورها منه بلا واسطة بالقصد، وأفعال اللّه تعالى هي مفعولاته، ومفعولاته تعالى كلّها مخلوقة حادثة لها بداية ولها نهاية، ومحدودة إلى غير ذلك من صفات الحادث.
وكلام اللّه تعالى الذي هو صفته لا يتّصف بشيء من ذلك.
ونحن قد بينّا فيما سبق أنّ كلام اللّه تعالى يطلق على أمرين، الأوّل: الصّفة القائمة بذاته تعالى، والثّاني: هو اللّفظ المنزّل منه تعالى على رسله، وهذا مع أنّه حادث ومخلوق، إلاّ أنّه يقال عنه أنّه كلام اللّه على هذه الجهة، وذلك من حيث هو دالّ على كلام اللّه تعالى، أي على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الواحد بذاته، المتعدّدة إضافاته وتعلّقاته.
فالذي أنزله اللّه تعالى على محمّد عليه الصّلاة والسّلام عبارة عن كلامه تعالى، ويدلّنا على بعض متعلّقات كلامه، ويسمّى القرآن، والذّكر والفرقان، فهو معبّر عنه كلام اللّه تعالى الواحد بذاته غير المتعدّد ولا المتكثّر، ولكنّه يدلّنا في الوقت نفسه على بعض متعلّقات هذه الصّفة، ولا يجوز أن يكون دالاّ على جميع متعلّقات كلامه النّفسيّ، فهذا باطل وغير لازم، لأنّ المنزل على سيّدنا محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم ليس هو نفس الصّفة النّفسيّة حتّى يقال إنّه يجب أن يكون دالاّ على جميع المتعلّقات، بل هو معبّر عنها، ودالّ على بعض متعلّقاتها، فقد بيّنّا أنّ متعلّقات كلام اللّه النّفسيّ لا متناهية، لأنّها هي نفسها متعلّقات علمه تعالى، وهذه غير متناهية.
ونحن نجزم أنّ متعلّقات أيّ مدلولات الكتاب المنزل على سيّدنا محمّد محدودة، وهي ليست دالّة قطعاً على جميع معلومات اللّه تعالى.
فوجب إذن ألاّ يكون ما أنزله اللّه على نبيّه عليه السّلام هو نفس الصّفة لاستحالة ذلك. بل هو أمور أوجدها اللّه دالّة للبشر على بعض متعلّقات كلامه الأزليّ.
وكذلك يقال فيما أنزله اللّه تعالى على أنبيائه عليهم السّلام مثل موسى وعيسى، فما أنزل على موسى يسمّى توراة، وأنزله اللّه تعالى باللّغة العبريّة، وهو معبّر عن كلام اللّه النّفسيّ ودالّ على بعض متعلّقاته.
وكذلك الإنجيل الذي أنزله اللّه تعالى على عيسى عليه السّلام فهو معبّر عن كلام اللّه تعالى النّفسيّ ودالّ على بعض متعلّقات كلام اللّه تعالى الأزليّ. فكلّ هذه الكتب يقال عنها أنّها معبّرة عن كلام اللّه كلام اللّه تعالى النّفسيّ الأزليّ لأنّه واحد بالذّات لا يتعدّد، فلو قلنا إنّ ما يعبّر عنه القرآن غير ما يعبّر عنه الإنجيل، وكلّ منهما معبّر عن صفة الكلام القائمة باللّه تعالى، أي القائمة بذات اللّه تعالى، للزم أن تكون الصّفة القائمة بذاته تعالى متكثّرة متعدّدة ومركّبة من أجزاء، وكلّ هذا باطل، لأنّ ما كان كذلك فهو حادث ولا شكّ، والحادث لا يقوم بذات القديم.
ولكنّا نقول إنّ كلّ الكتب معبّرة عن الصّفة الواحدة بالذّات القائمة بالذّات، ودالّة لنا على بعض ما تتعلّق به هذه الصّفة من المتعلّقات.
ومعلوم أنّه لا ينكر توحّد الصّفة وتكثّر التعلّقات، كما قلنا في القدرة والعلم مثلاً، فعلم اللّه تعالى واحد بالذّات ولكنّه متعلّق بما لا يتناهى من المتعلّقات، وهذا المعنى الذي وضّحناه هنا، هو الذي يريده أهل الحقّ بقولهم إنّ كلام اللّه تعالى واحد قائم بذاته تعالى ليس من جنس الأصوات والحروف، فإن عبّر عنها بالعربيّة فقرآن، وبالسّريانيّة فزبور، وباليونانيّة فإنجيل، وبالعبرانيّة فتوراة، والاختلاف إنّما هو في العبارات دون المسمّى. واللّه أعلم، انظر حاشية ملاّ أحمد على السّعد ص 121.
وقد فهم بعض المجسّمة الأغبياء هذه العبارة بمعنى غير ما وضّحناه، فشنّعوا على أهل الحقّ. فقالوا: إنّ هذا يلزم منه أن يكون ما نفهمه من القرآن هو نفس ما نفهمه من الإنجيل والتّوراة وغيره من الكتب المنزلة على الرّسل.
كذا قالوا وشنّعوا بحمقهم على أهل السّنة، وأمّا نحن فما وضّحناه من معنى عبارة أهل الحقّ هو ردّنا عليهم، ثمّ ندعهم بعد ذلك في جهلهم يعمهون.اهـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • انظر: http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwa…

https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/404524359661592/

السابق
يشترك المجسمة وابن رشد في الاستدلال بشيء يسمونه بالفطرة……
التالي
الشوكاني يجيز التوسل ويرد على استدلال المانعين بقوله تعالى:ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى