إنّا لله وإنّا إليه راجعون
فقدت الأمة علمًا من أعلام الهداية الربّانية وكنزًا من كنوز الوراثة المحمدية وبقية من البقايا النورانية.
وهو شيخنا العلّامة المتفنن الفقيه المتكلم اللغوي الصوفي الزاهد الملا الطيب بن عبد الله البَحَرْكي الكردي الأشعري الشافعي.
الشيخ كان بقيّة من كبار علماء الأمة وأعاظمهم في تحقيق العلوم والمرابطة على التعليم لعقود طويلة في حجرة التعليم في بحرّكه من اقليم كردستان العراق.
ولم يتوقف عن الإفادة والافتاء على الرغم من مرضه الذي منعه من الكلام إلا من خلال مكبّر للصوت يوضع بالقرب من نحره.
وكان مع أخيه وخليفته شيخنا الملا الطاهر بن عبد الله البحركي مظهرًا من مظاهر الدلالة على الحق خُلُقًا وعلمًا وأدبًا وتعليمًا وتأديبًا.
شرّف الله الفقير بصحبتهما أيام زيارتهما لمصر المحروسة، وتلقيت مع أخي فضيلة الشيخ أسامة الأزهري عنهما الإجازة العلمية في قبّة فقيه مصر الإمام الليث بن سعد.
ولقد رأيت فيهما من يدل على الله بحاله قبل قاله، ورأيته رجلين تذكرك بالله رؤيتهما ويشعرانك بأنك تصحب أناسًا من السلف لا من الخلف.
وقد أخبرني ابن اخيه فضيلة الشيخ أبوبكر ابن شيخنا الملا الطاهر أن الفقيد لم ينقطع عن تراتيبه وأعماله في رمضان إلى يوم انتقاله؛ فقد صلى الفجر في جماعة وقرأ القرآن على عادته في المسجد وبعد صلاة الشروق عاد إلى منزله واضجع ليلقى ربه راضيًا مرضيًا.
رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجمعنا به في مستقر الرحمة مع الحبيب الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم غير خزايا ولا مفتونين ولا مُبدِّلين، وأخلفه في الملا طاهر وفي أولادهما وتلاميذهما وفينا وفي الأمة بخلَفٍ صالح.
وأمدّ في عمر خليفته الملا الطاهر مع العافية التامة والنفع العظيم.
ولشيخنا الملا الطاهر بن عبد الله البحركي وأبناء الفقيد وأحفاده وذويه وطلابه وسائر علماء كردستان خالص العزاء.
======
مختصر من حياة
بقيَّة السلف الصالح، العلامة المُحقِّق، والفقيه المُفتي، والمُربِّي الصالح، مُخرِّج الطَّلَبة، وكبير علماء “إربل” العراقية
(ملا طيب بن عبد الله البحركي).
– وُلِد الشيخ سنة 1938م في مدينة إِربل بالعراق، لأسرة كُرديَّة ترجع إلى عشيرة (كَردي).
– بدأ الدراسة في قرية (بنَسراوه) عند جده لأمه ملا أحمد الآشوكاني، فختم القرآن الكريم.
– انتقل بعدها إلى قرية (بحركه) التي يُنسَب إليها، وقرأ كتب المرحلة الأولى عند طلاب والده.
– ثم ذهب إلى قرية (كردارَق)، فدرس فيها ستة أشهر عند خاله ملا مسعود، ثم رجع إلى (بحركه)، وتعلم عند عمه ملا عبد القادر، وقرأ على والده ولازمه إلى حين وفاته سنة 1965م.
– انتسب بعد وفاة والده إلى الخانقاه التي يُدرِّس فيها الشيخ مصطفى النقشبندي، وقرأ على علماء أفاضل، منهم: ملا شريف الدوشيواني، وملا طيب الدوشيواني، وملا خليل المخلص، وملا أبي بكر الدوكردكاني، إلى أن منحه الشيخ مصطفى الإجازة العلمية في بحركه سنة 1966م.
– انطلق الشيخ بعدُ إلى مدرسة والده، فخلفه في التدريس والإمامة والخطابة، وصار مديرا للمعهد الإسلامي، وعضوا للجنة الفتوى العليا في إربل.
– تخرَّج به علماء كبار، وفقهاء ومُدرِّسون، وأئمة وخطباء طَوال عقود ممتدة، وأعطى الإجازة العلمية لجماعة، مِن أبرزهم: أخوه، العالم الجليل، والمصنف المحقق، ملا طاهر البحركي (المولود سنة 1945م)، بارك الله بحياته، وأدام نفعه.
ومِن إكرامات الله تعالى:
أنه في سنة 1980م أغلقت السلطات الحاكمة آنذاك المدارس الملحقة بالجوامع، وبعثت لجنة خاصة إلى إربل حذَّرتِ العلماء من إلقاء الدروس الدينية فيها، إلا أن الله سبحانه حفظ مدرسة (بحركة)، فآوتْ مَن هجر من إربل إليها من الطلاب، حتى حصلوا على الإجازة العلمية.
– للشيخ ثُلَّة من التصانيف والرسائل العلمية، منها:
* إرشاد المهتدين في إيضاح بعض المسائل من فروع الدين.
ضمَّنه 34 رسالة، شملتْ مسائل فقهية في العبادات والمعاملات والأحوال الشخصية، ومباحث حديثية وصوفية.
* حجج المتقين في بعض المسائل من فروع الدين.
* عمدة الزوار في بعض مسائل الحج والاعتمار.
* المفتاح المعتمد لمرويات الشافعي في المسند.
* هداية الباقي بشرح ألفية العراقية في السيرة النبوية.
* تحقيق ألفية الحافظ العراقي.
* وسيلة الغفران في علوم القرآن.
* مزيل الأوهام ومصباح الظلام في شرعية الاحتفال بمولد خير الأنام.
* حج نامه.
عُرِف الشيخ بتمكُّنه في الفقه، حتى غدا مرجعا للفتوى، وعنايتِه بالحديث والسُّنة النبوية، وتمسُّكِه بالتصوف العلمي المنضبط، وحرصه على التدريس والبحث وإفادة الطلبة، إلى جانب بشاشة في الوجه، ولطف في الكلام، ووقار ظاهر، وتدين باهر.
وبقي على سيرته الحميدة، وأخلاقه المرضية إلى أن توفي اليوم في 15 رمضان سنة 1444هـ، الموافق 6 نيسان 2023م.
رحمه الله رحمة واسعة، وبارك بتلاميذه وأحبابه، وأخلف على المسلمين خيرا.
مصدر الترجمة:
– تلخيص من ترجمته التي كتبها أخوه ملا طاهر البحركي في كتابه (حياة الأمجاد من العلماء الأكراد)
– إضافات كثيرة من كاتب السطور.