تراجم معاصرين

وفاة العلامة الشيخ السيد إبراهيم بن عبد الباعث الكتاني الحسيني رحمه الله (منقول)

توفي فجر اليوم مجيزنا وشيخنا العلامة أبو المواهب المفسر المحدث السيد محمد بن العلامة السيد إبراهيم بن عبد الباعث الكتاني الحسيني عن تسعة وسبعين عاما قضاها في التعلم والتعليم والذكر والتذكير.

ولد رحمه الله بمدينة الثغر ( الإسكندرية ) يوم الإثنين الأول من شهر يوليو سنة ست وأربعين وتسع مائة وألف ميلادية ، في بيت علم ودين.

فقد كان (والده -كما يقول ابنه-عالما نابغا وفقيها ذا دراية ، واسع الاطلاع في شتى علوم الشريعة منقولها ومعقولها ، كما كان شاعرا مطبوعا ومحاضرا موهوبا ، ذا مشرب عرفاني وخلق رباني ، جميل الطلعة مشرق المحيا ، من رآه بديهة هابه ومن خالطه عشرة أحبه ، يصدق عليه قول رسول الله –صلى الله تعالى عليه وآله وسلم – ( خيار عباد الله الذين إذا رُؤوا ذكِرَ الله … ) الحديث ، رواه أحمد وابن أبي شيبة والطبراني في الكبير وابن أبي الدنيا بطرق.

وكانت والدته -كما يقول ابنها- متنسكة متعبدة كثيرة الذكر طويلة الصمت ، دائمة العكوف على تلاوة القرآن والانشغال بالصلاة على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، بكاءة من خشية الله ، وقافة عند حدوده ، لا تنتهك في مجلسها الحرمات ولا تثنى فيه الفلتات ، ذات زهادة في زهرة الدنيا ، تعامل والدي معاملة المريد الصادق لشيخه من حسن السمع والطاعة وصدق الخدمة وحفظ الحرمة ، فلا ترفع صوتها عليه ولا تكلفه من مؤونة الحياة ما يبهظه ، توفي وهو عنها راضٍ ، فجزاهما الله من أبوين كريمين)، ورحمهما كما ربيا شيخنا صغيرًا فأحسنا تربيته وتأديبه وتعليمه فنشأ في طاعة الله مقبلا على العلم غاية الإقبال لا يقترف ما يقترفه لداته من اللهو واللعب، فأكب على حفظ صحيح البخاري وهو فتى في مقتبل عمره يحفظ منه جزءا جزءا من طبعة الشعب كما حدثنا رحمه الله.

وكان الفضل في ذلك -كما يقول- (لصنيع قدمته والدتي رحمها الله وهو أنها كانت لا يعيش لها الذكور من أولادها فقامت بشراء نسخة من صحيح الإمام أبي عبد الله البخاري – رحمه الله – وأوقفتها باسمي على المشاركين في ختم الصحيح الجامع في أشهر رجب وشعبان ورمضان من كل عام فوهب الله لها من لدنه هذا العبد الفقير إلى نواله منة منه سبحانه ، فنشأت بناشئة الفضل محبا للعلم ، ساعيا إلى تحصيله ، عاكفا على تلقيه وأخذه من أربابه منذ نعومة أظفاري ، فلم يكن يشغلني ما يشغل الأطفال في الصغر حتى في مرحلة دراستي كان الهم والاهتمام بالعلوم الشرعية فلزمت مجالس والدي رحمه الله ملقيا الرسن في بابه والصماخ إلى عذب خطابه ، وكان – رحمه الله – لا يضن عليّ بما ندر من الكتب وعزّ من الأمهات التي وجدت فيها بغية الطالب وبلغة القاصد ، فكان رحمه الله عمدتي من بعد الله ورسوله في ترسم سبيل القصد في تحصيل العلوم الشرعية)

وكان والده يقول له تسلية له عن عدم التحاقه بالأزهر: سيسعى إليك العلم وسوف تعان على تحصيله وطلبه.

ولما رأى الأب نجابة ابنه دفعه إلى إلقاء خطبة الجمعة في عدة مساجد وهو ابن ستة عشر عاما، فكان شديد العناية بكل ما يصقل أداءه في هذا الدور العظيم الذي أنيط به وهو في هذه السن المبكرة .

ثم توفي والده سنة سبعين وتسع مائة وألف عن ثلاث وسبعين سنة ، فتركت وفاته في نفسه أثرا أيقظ منه فواتر الهمم في طلب الحديث فيسر الله له الاتصال في ذلك الوقت وهو ابن أربع وعشرين سنة بشيوخ الرواية والإسناد من آل الصديق وفي مقدمتهم العلامة المحدث المتفنن عبد الله الصديق الغماري رحمه الله الذي كان ينزل في بيته مدة إقامته بالإسكندرية وأخواه المحدث السيد عبد العزيز والأصولي السيد عبد الحي كما روى بالإجازة عن أخيهم الأكبر المحدث السيد أحمد.

واتصل أيضا بالسيد إبراهيم الكتاني والسيد عبد الرحمن والسيد محمد المنتصر والسيد محمد الباقر ورورى بالإجازة أيضا عن مسند الدنيا السيد عبد الحي صاحب فهرس الفهارس والأثبات بواسطة والده وغيرهم من علماء البيت الكتاني الكرام.

كما أخذ عن الشيخ محمد الحافظ التيجاني بالقاهرة بزاويته بالمغربلين ، والشيخ صالح الجعفري والشيخ مصطفى الجعفري الكوباني الإسكندري وغيرهم ثم أخذ بعد ذلك عن الشيخ الفاداني والشيخ عبد الفتاح أبو غدة وآخرين .

ولم يكن الشيخ مكثرا من التأليف فقد كان كما يقول عن نفسه (قليل البضاعة في التأليف وذلك لأنني لا أحب أن أطرق بابًا قد طرقه غيري ولكثرة الدروس التي أقوم بإلقائها بمساجد الإسكندرية في كل أيام الأسبوع.

ففي يوم السبت أقوم بشرح أحاديث صحيح الإمام مسلم بمسجد شرق المدينة وفي يوم الأحد أُدَرِّسُ السيرة بمسجد نور الإسلام ، وفي يوم الإثنين أشرح أحاديث صحيح الإمام البخاري بمسجد الميناء الشرقية ، وفي يوم الثلاثاء أقوم بتدريس التصوف بمسجد النبي دانيال ، وفي يوم الأربعاء أقوم بتفسير القرآن بمسجد بدر ، وفي يوم الخميس أقوم بشرح الشمائل بمسجد والدي رحمه الله تعالى.

أما ما طبع من المؤلفات فكتاب صححت فيه مفهوم الافتراق في هذه الأمة بعنوان ( إبراء الذمة بتحقيق القول حول افتراق الأمة ) وكتاب ( نقل الأعضاء بين الحِلِّيَة والحرمة ) ، والجزء الأول من كتاب ( رد المتشابهات إلى المحكمات في جانب خاتم النبوات صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ) يسَّر الله إخراج الجزء الثاني .

والعزم على الاشتغال بعدة تآليف حول القدر والقرآن والخصائص بتناول جديد كما هو منهجي في التعامل مع الأبواب المطروقة والذي يشتمل على التصحيح ورد الشبهات وحل المعضلات وإزالة المشكلات وتفنيد الأباطيل والافتراءات مما تدعو إليه حاجة العصر)

وقد طبع للشيخ أيضا كتاب الفرقان بين نسبتي القول والكلام في القرآن.

كان الشيخ رحمه الله لافظا حافظا لمتون الأحاديث وتخريجها فصيحا بليغا إذا تكلم أخذ بالعقول وجذب إليه الأسماع كأنه يقرأ من كتاب وقد آتاه الله فهما في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم فكان يهتدي لاستنباطات وتوجيهات لم يسبق إليها مع العبارة البديعة عنها والبيان المعجب لها وكان منور الوجه لين الجانب كريما رحيما مربيا شيخ الطريقة الكتانية بالإسكندرية أقبل عليه طلاب الحديث وقصده الناس لذلك لعلو سنده واشتغاله بالحديث فكان سمحا مرحبا لا يرد طالبا وكان بمجموع صفاته وعلومه من الأشياخ الموهوبين المنفوحين المتفردين بين الأقران…

ولقد رأيت الشيخ مرارا في القاهرة واستجزته فيها وكتب لنا بخطه على استدعاء وأسمعنا حديث الرحمة المسلسل بالأولية وحديث المحبة وغير ذلك من الفوائد ثم زرته بالإسكندرية يوم الجمعة في عام 2010 برفقة الشيخ جمال فاروق والشيخ أسامة الأزهري فسمعنا خطبته وكلفنا بكلمات بعدها ثم قرأ الشيخ أسامة عليه الأربعين النووية ببيته ونحن نسمع فأكرم وفادتنا وأمتعنا بفوائده.

رحمه الله وغفر له وأجزل مثوبته وخلفه في أهله وأحبابه بخير .

وكتبه الفقير الى ربه

أحمدزاهر سالم

18 ذي القعدة 1445

2024/5/26

أحمدزاهر سالم – توفي فجر اليوم مجيزنا وشيخنا العلامة أبو… | Facebook

السابق
حكم التبرك بالقبور عند المذاهب الأربعة من الموسوعة الفقهية الكويتية
التالي
كيف هدم الوهابي مذهبه في الصفات حين رد على استدلالي بآية “واذكر اسم ربك” على الذكر بالاسم المفرد