عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة كما قال أحد الصالحين سفيان بن عيينة رحمه الله.
وقد توفي البارحة رجل من كبار صالحي زماننا كان من تلاميذ العالم العارف بالله الشهيد محمود الشقفة الحموي الرفاعي وقد من الله عليه بجمال الظاهر والباطن والاستقامة على الشريعة التي هي أعظم كرامة وأكرمه الله فألقى في قلبه التواضع وجعله رمزا للعطاء وخدمة زوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وإكرامهم بالشاي والقهوة والتمر ونحوه خمسين عاما من غير كلل ولا ملل وقد فتح بيته للضيفان حسبة لله وإكراما لزوار حبيبه ومصطفاه فلله دره وعلى الله أجره ورضي عنه وأرضاه وأجزل مثوبته وأعلى قدره ..
قرابة قرن من الزمان في طاعة الله وخدمة زوار رسول الله ألا هنيئا له هذا العمر المديد والعمل الصالح الرشيد وقد قال صلى الله عليه وسلم:( خيركم من طال عمره وحسن عمله)..
كلما ضاقت بك الدنيا وكلما غرك زخرفها وكلما همت نفسك بالتكالب عليها فتذكر أمثال هذا الرجل الذي أقام الله به الحجة على خلقه وأوضح بحاله وقاله المحجة وتب إلى ربك واسأله من فضله وأصلح سريرتك واصحب الصالحين..
وقد رأيت أن لا أحرم نفسي من ذكر بعض أحوال هذا الشيخ الجليل فنقلت كلمات كتبها عنه بعض تلاميذه ومحبيه جزاهم الله خيرا..
كتب الشيخ محمد وائل الحنبلي:
توفي اليومَ الثلاثاء 8 شوال 1445هـ، الموافق 16 نيسان 2024م:
الرجل الصالح، والشيخ المنوَّر، العمُّ الحبيب المعمَّر أبو سباع إسماعيلُ بنُ عبدِ الكريم الزعيم، الحمويُّ ثم المدني
اللهم إنه كان يُكرم زُوارَ حبيبكَ صلى الله عليه وسلَّم فأكرمْ مثواه، وكان يُكرم قاصدي مسجدَ نبيكَ صلى الله عليه وسلَّم فأحسنْ إليه واجعله في مستقرِّ رحمتك …
وهذه كلماتٌ كتبتُها سابقًا عنه، رحمه الله وجعله في جنات النعيم
(في منتصفِ جمادى الأولى عامَ: (1420هـ) وصلتُ المدينةَ المنوَّرة، على ساكنها أفضلُ الصلاةِ والسلام …
ثم شاء المولى سبحانه وتعالى أنْ يأخذني أخٌ مجاورٌ في المدينة من المطار، فيقترح عليَّ أن نذهبَ مباشرةً لزيارةِ رجلٍ صالحٍ، فوافقتُ مع كوني لا أعرفه ولا سمعتُ به في حياتي !
دخلنا بيتًا قديمًا، مشابهًا لبيتنا القديم بدمشق، فإذا برجلٍ سوريٍّ منوَّرٍ، تظهر عليه سيما الرجولةِ والنشامةِ، فتعارفْنا وتباسطْنا، ثم أخبرني عن نفسه فيما بعدُ أنه مِن أهل مدينة حماه، هاجر بنفسه ودينه في ثمانينات القرن الماضي؛ خوفًا من بطش المجرمينَ القتلة …
وفي نهايةِ ذاك المجلسِ أردت وداعَه للبحث عن فندقٍ أنزل فيه قربَ المسجدِ النبوي الشريف، فإذا بهذا العمِّ الكريمِ المبارك يُقسم عليَّ أيمانًا مغلَّظةً، ويعزم عليَّ بالنزول في بيته ضيفًا مدةَ إقامتي بالمدينة المنوَّرة، فوافقتُ ليلتَها على خجلٍ منه واستحياء، إلا أني بعدَ ذلك حمدت الله تعالى على ذلك الكرمِ منه والسخاء
بِتُّ في بيته نحوًا من عشرين يومًا لا أنساها ما حييت، طبعًا لن أتكلمَ هنا عن صلاحه وتقواه، وعن صلاته في الليل وتضرُّعِه بينَ يدَي مولاه، إلا أني سأذكر ما كنتُ أُساعده به وأعمل معه طيلةَ مدةِ إقامتي عندَه
كل يومٍ يبدأ العملُ عندَه بعدَ صلاةِ الظهر مباشرةً، حيث كنا نقوم بتنظيف حافظاتِ الشاي الكبارِ وإعدادها، وكان عددُها نحوًا من أربعين، نطبخ لها الشايَ الأحمرَ والأخضر، قِسْمًا منها محلًّى وقِسْمًا بدونِ سكر، وكنا نُضيف لها بعضَ الأعشاب، من الهيل والنعنع والبهارات، وننتهي بعدَ أذان العصر، ثم نصطحب كلَّ هذه الكمياتِ الكبيرةِ إلى المسجد النبوي الشريف، ونجلس قربَ خوخةِ سيدنا أبي بكرٍ الصديق؛ لإكرام زوار المسجد النبوي والبيتِ العتيق
هذا العمُّ الحبيب والرجلُ الصالح اسمه: إسماعيل الزعيم، ويُعرف عندَ أهلِ المدينة باسم: (أبو سباع)، من أعجب مَن رأيتُ وصاحبتُ في حياتي من الرجال، رأيتُ منه التفانيَ في خدمة المسلمين وإكرامهم، دونَ انتظارِ حمدٍ منهم أو جزاء، رأيتُ منه المسلمَ الذي يُحب سيدَنا النبيَّ صلى الله عليه وسلم حبًّا شديدًا، يدفعه لإكرامِ زوّارِه وأحبابه وورثته، ودائمًا كان يقول ويُكرر لي: (إذا لم أكرمْ زوارَ الحبيب لا يرتاح قلبي)
حفظه الله العم (أبا سباع)، وبارك به وبذريته، سائلًا له الصحةَ والعافية، وطالبًا ممن يراه إبلاغَ سلامي وطلبَ دعواته
(ملاحظة: يظهر في الصورة العمُّ أبو سباع، وخلفَه بابُ بيتِه الذي نزلتُ فيه، وقضيتُ فيه أيامًا جميلةً مباركةً لا تُنسى)
——————————
وكتب أ.د.عبدالسميع الأنيس:
⚘️الشيخ الصالح المجاور إسماعيل الزعيم، (أبو السباع) في ذمة الله تعالى..
بلغني قبل قليل وفاته في المدينة المنورة، وكان من عادتي كلما أكرمني الله بزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام زرته في بيته، مستأنساً بحديثه، وقد سمعت منه ليلة الجمعة (٢٢/جمادى الأولى ١٤٤١) هذه الكلمة النفيسة:
(لا تدق غير باب الله سبحانه)
وفي زيارات أخرى. وقد رأيت مرة في الرؤيا أني داخل إلى المسجد النبوي من باب السلام، لأسلم على النبي ﷺ، وعندما وصلت قرب الروضة رأيت غرفة على يسار الداخل، وقالوا لي: هذه غرفة أبي السباع، فدخلتها، وقد فرحت بذلك، وقلت في نفسي: كلما أتيت إلى المسجد النبوي زرته في غرفته. ولما قصصتها عليه، فرح بها.
وكأنها إشارة إلى فضله، وإلى وفاته بالمدينة المنورة، ودفنه في البقيع، فهنيئاً له هذا الجوار في الدنيا والآخرة، ونسأل الله تعالى أن يكرمنا كما أكرمه.
وأبو السباع الحموي ثم المدني صورة نادرة من صور العطاء، إذ يقوم بتوزيع القهوة والشاي قرب المسجد النبوي وفي أزقة المدينة حسبة لله منذ أكثر من أربعين عاماً، وعمرة تجاوز (٩٥) سنة.. رحمه الله وجعل قبره روضة من رياض الجنة..
توفي اليون الثلاثاء 8 شوال 1445هـ، الموافق 16 نيسان 2024م
أ.د.عبدالسميع الأنيس
——————————-
https://www.facebook.com/share/p/qgTAKXxCjP2L9CAW/?mibextid=WC7FNe