الشبهة الخامسة والعشرون
هل معاوية – رضي الله عنه – ذمه كثير من التابعين
كالحسن البصري والأسود بن يزيد وغيرهم؟!
أما ذم الحسن البصري لمعاوية – رضي الله عنه – فلا يصح عنه.
ذكر الطبري في تاريخه (٣/ ٢٣٢) ضمن حوادث سنة (٥١هـ) وابن الأثير في الكامل (٣/ ٤٨٧) وابن كثير في «البداية والنهاية» (٨/ ٩٠) ـ بصيغة التمريض التي تدل على ضعفه عنده ـ نقلًا عن الحسن البصري أنه قال:
«أربع خصال كن في معاوية لو لم تكن فيه إلا واحدة لكانت موبقة له:
- أخذه الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة ونور الفضيلة.
- استخلافه بعده ابنه سكيرًا خميرًا يلبس الحرير ويضرب الطنابير.
- ادعاءه زيادًا وقد قال رسول الله: «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
- قتله حجرًا وأصحاب حجر، فيا ويلا له من حجر ويا ويلا له من حجر وأصحاب حجر» (١).
الجواب:
أولًا: من ناحية السند: هذه الرواية مدارها على أبي مخنف، وأبو مخنف هذا هو لوط بن يحيى الأزدي الكوفي، قال عنه الذهبي وابن حجر: «أخباري تالف لا يوثق به». كما تركه أبو حاتم وغيره.
وقال عنه الدارقطني: «ضعيف».
وقال ابن معين: «ليس بثقة».
_
(١) تاريخ الطبري (٣/ ٢٣٢) ضمن حوادث سنة (٥١ هـ)، الكامل لابن الأثير (٣/ ٤٨٧)، البداية والنهاية لابن كثير (٨/ ٩٠). - =============================
وقال مرة: «ليس بشيء».
وقال ابن عدي: «شيعي محترق».
وعَدَّهُ العقيلي من الضعفاء (١).
وعلى ذلك فالخبر ساقط ولا حجة فيه بسبب ضعف سنده، هذا بالنسبة لرواية الطبري.
أما رواية ابن الأثير فقد أوردها ابن الأثير بغير إسناد.
وكيف نسلم بصحة خبر مثل هذا في ذم صحابي لمجرد وروده في كتاب لم يذكر فيه صاحبه إسنادًا صحيحًا، والمعروف أن المغازي والسير والفضائل من الأبواب التي لم تسلم من الأخبار الضعيفة والموضوعة.
ثانيًا: الصحيح عن الحسن – رحمه الله – خلاف ذلك!
فروى الآجري، وابن عساكر عن قتادة عن الحسن البصري إن أناسًا يشهدون على معاوية وذويه أنهم في النار! قال: «لعنهم الله! وما يدريهم أنه في النار؟» (٢).
ورواه ابن عساكر عن أبي الأشهب قال: قيل للحسن: «يا أبا سعيد إن ههنا قومًا يشتمون ـ أو يلعنون ـ معاوية وابن الزبير! فقال: «على أولئك الذين يلعنون لعنة الله» (٣).
_
(١) الضعفاء للعقيلي (٤/ ١٨ – ١٩)، ميزان الاعتدال (٣/ ٤١٩)، لسان الميزان (٤/ ٤٩٢).
وللمزيد من حال هذا الرجل راجع رسالة (مرويات أبي مخنف في تاريخ الطبري) للدكتور يحيى بن إبراهيم اليحيى (ص ٤٣ – ٤٥) ففيها مزيد بيان وتفصيل عن حال هذا الرجل.
(٢) الشريعة (٥/ ٢٤٦٧)، تاريخ دمشق (٥٩/ ٢٠٦).
(٣) تاريخ دمشق (٥٩/ ٢٠٦)، وسنده صحيح.
======
وكذلك ذم الأسود بن يزيد لا يصح:
روى ابن عساكر عن الأسود بن يزيد قال: قلت لعائشة: ألا تعجبين لرجل من الطلقاء ينازع أصحاب محمد – صلى الله عليه وآله وسلم – في الخلافة؟ قالت: «وما تعجب من ذلك؟ هو سلطان الله يؤتيه البر والفاجر وقد ملك فرعون أهل مصر أربعمائة سنة» (١).
وهذا الأثر لا يصح في سنده أيوب بن جابر أبو سليمان اليمامي، وهو ضعيف عند أكثر أهل العلم بالحديث، ضعفه ابن معين وابن المديني والنسائي وأبو زرعة وأبو حاتم ويعقوب بن سفيان ومعاوية بن صالح وقال أبو حبان: «كان يخطئ حتى خرج عن حد الاحتجاج به لكثرة وهمه».
وفيه أيضا عبد الرحمن بن محمد بن يحيى بن ياسر الجوبري فيه جهالة توفي سنة ٤٢٥هـ. ذكره الذهبي في «سير أعلام النبلاء» (١٧/ ٤١٥) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا (٢).
كذا في كتاب: معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين وكاتب وحي النبي الأمين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – كشف شبهات وردّ مفتريات ص254
المؤلف: شحاتة محمد صقر
الناشر: دار الخلفاء الراشدين – الإسكندرية،
_
(١) تاريخ دمشق (٥٩/ ١٤٥).
(٢) انظر: التهذيب (١/ ٢٠١)، المجروحين (١/ ١٦٧)، الكامل (١/ ٣٥٥)، تذكرة الحفاظ (٣/ ١٠٧٦).