فهذه هي كل نصوص العلماء التي نقلها لنا الباحث ياسر، وكما ترى فإن أقربهم إلى وفاة الجهم هو الإمام أبو الحسن الأشعري وقد ولد سنة 260 هـ على الأقل أي بعد وفاة الجهم بـ 132 سنة على الأقل ….وبالتالي فإن ثبوت هذه المقالة عن الجهم ـ وهي الجبر ـ محل رِيبة على الأقل…وبالتالي فأي موافقة للأشاعرة لجهم ـ في مسألة الجبر هذه ـ يتحدث عنها ابن تيمية وأتباعه ومنهم ياسر هذا طالما أن هذه المقولة لم تثبت بسند صحيح ولا ضعيف عن الجهم ولا استطاع ياسر أن يثبتها مع حرصه على ذلك؟!!
هل الأشاعرة جهمية كما يشيع ابن تيمية وأتباعه؟ (1) مسألة القول بالجبر نموذجا.
إن مسألة الجبر هذه جعلها ابن تيمية وأتباعه دليلا ومثالا آخر على ما سبق أن ادعوه من أن الأشاعرة جهمية[1]، حيث اتهم ابن تيمية[2] وأتباعه[3] بأن الأشاعرة جبرية، وبأنهم قد أخذوا هذا القول عن الجهم بن صفوان صاحب هذه المقولة ….!!
وهنا سنعود مرة أخرى لكتاب ” مقالات الجهم بن صفوان وأثرها في الفرق الإسلامية” لصاحبه ياسر قاضي ـ وقد سبق أن قلنا بأن أصله رسالة جامعية ضخمة في هذا الموضوع ـ وذلك لنبحث هذه المسألة من خلاله ومن خلال غيره من الكتب.
في الواقع لقد توسع جدا الباحث ياسر قاضي في هذه المسألة في كتابه، حيث أخذت منه حوالي مائة وعشر صفحات، وذلك من 2/ 709 إلى 821، فاستغرقتْ منه البابَ السادس بأكمله، ولكنه لم يقتصر فيه على مناقشة قول جهم بالجبر بل ناقش آثار مقولته هذه وما ترتب عليها مثل قوله ـ أي الجهم ـ بنفي التعليل والحكمة وإنكار الأسباب والطبائع،ونفي الحسن والقبح، وقوله بتكليف ما لا يطاق، وتفسير للظلم الذي يُنزّه عنه الله، ونحو ذلك[4]….!!!!
ونحن ما يهمنا هنا هو قول جهم بالجبر لا آثار هذه المقولة مما سبق ذكره، إذ تلك مسائل أخرى سوف نخصص لكل منها بحثا مستقلا إن شاء الله.
أما بخصوص قول جهم في مسألة الجبر فقد خَرَج الباحثُ ياسر قاضي بنتيجة وهي ” أن الأشاعرة أخذوا أصل قولهم في القدَر من جهم بن صفوان، إلا أنهم أرادوا أن يتخلصوا من لوازم قول جهم في الجبر فابتدعوا نظرية الكسب”.[5]!!!! (انظر الصورة 9)
ولكن كيف توصل الباحث إلى هذه النتيجة؟!!
تعالوا لنمشي مع الباحث خطوة خطوة في هذه المسألة .
وأول خطوة سنبحث فيها هي مدى ثبوت هذه المسألة عن الجهم بن صفوان ، أي هل فعلا كان الجهم بن صفوان يقول بالجبر، وهل ثبت ذلك عنه بالسند المتصل إليه، أم هو قيل عن قال ؟!!!!
لقد حاول الباحث ياسر قاضي في رسالته “مقالات الجهم بن صفوان” أن يثبت أن الجهم كان يقول بالجبر، فنقل لنا نصوصا عديدة عن العلماء يقولون فيها بأن الجهم كان يقول بالجبر في هذه المسألة، ولكن هذه النصوص لا تحتوي سندا واحدا متصلا إلى الجهم فيه أنه قال بالجبر في مسألة القدر…!!!
وأول نقل نقله ياسر هو عن أبي الحسن الأشعري (260 – 324 هـ) في كتابه المقالات، ثم عن أبي منصور عبد القاهر البغدادي (429 هـ) في الفَرق بين الفِرق، ثم عن ابن حزم (384 – 456هـ) في الفِصل، ثم عن الشهرستاني (479 – 548 هـ) في الملل والنحل، ثم عن الجيلاني (471 – 561 هـ) في الغنية، ثم عن الفخر الرازي (544 – 606هـ) في الاعتقادات، ثم عن المطرزي (538 – 610 هـ) في المُغرب ، ثم عن الصفدي (696 – 764 هـ) في الوافي بالوفيات، ثم عن ابن القيم (691 -751هـ) في النونية، ثم عن القاضي عبد الجبار المعتزلي (ت415 هـ) في المغني، ثم عن نشوان بن سعيد الحميري اليمني (ت: 573 هـ) في كتابه الحور العين، رحم الله الجميع. (انظر الصور أدناه: 1، 2، 3، 4، 5، 6، 7).
قال أفقر الورى وأحقر من ترى وليد ابن الصلاح: فهذه هي كل نصوص العلماء التي نقلها لنا الباحث ياسر، وكما ترى فإن أقربهم إلى وفاة الجهم هو الإمام أبو الحسن الأشعري وقد ولد سنة 260 هـ على الأقل ـ كما في تاريخ بغداد ت بشار (13/ 260) ـ أي بعد وفاة الجهم بـ 132 سنة لأن الجهم توفي سنة 128 هـ كما قال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (2/ 500)، وقيل ـ كما في طبقات الشافعية للإسنوي (1/ 47) ـ وُلد الأشعري سنة 270 هـ فيكون متأخرا أكثر عن وفاة الجهم.
وبالتالي فإن ثبوت هذه المقالة عن الجهم ـ وهي الجبر ـ محل رِيبة[6]، وهذا أقل ما يمكن أن يقال في هذا الأمر على ضوء ما سبق، وعليه فإن كل ما بناه الباحث ياسر قاضي في هذه المسألة واستنتجه بعد ذلك من أن الأشاعرة وافقوا جهما في هذه المسألة: يسقط، طالما أن الباحث ياسر نفسه لم يثبت ولم يستطع إثبات هذه المقالة عن الجهم بسند صحيح ولا حتى ضعيف، وكما قيل: أثبت العرش ثم انقش عليه ، فطالما لم يَثبت ولم يُثبت الباحثُ هذه المقولة ـ وهي الجبر ـ عن الجهم فأي موافقة للأشاعرة لجهم يتحدث عنها ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وأتباعه ومنهم ياسر هذا؟!!!!!
وأما ما قد يقال …..#انتظره_لاحقا
——————————————–
[1] انظر: https://www.facebook.com/…/permalink/921984621248894/
[2] قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (1/ 463): فإن الأشعرية وبعض المثبتين للقدر وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر، وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعا لفظيا أتوا بما لا يعقل، لكن لا يوافقونه على قوله في نفي الصفات بل يثبتون الصفات؛ فلهذا بالغوا في مخالفة المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر، وأنكروا الطبائع والقوى التي في الحيوان أن يكون لها تأثير أو سبب في الحوادث أو يقال: فعل بها، وأنكروا أن يكون للمخلوقات حكمة وعلة.اهـ
وقال في مجموع الفتاوى (8/ 466): والجهم بن صفوان ومن اتبعه ينكرون حكمته ورحمته ويقولون: ليس في أفعاله وأوامره لام كي: لا يفعل شيئا لشيء ولا يأمر بشيء لشيء. وكثير من المتأخرين من المثبتين للقدر من أهل الكلام ومن وافقهم سلكوا مسلك جهم في كثير من مسائل هذا الباب وإن خالفوه في بعض ذلك إما نزاعا لفظيا وإما نزاعا لا يعقل وإما نزاعا معنويا…… وهؤلاء المتبعون لجهم يقولون: إن العبد ليس بفاعل حقيقة؛ وإنما هو كاسب حقيقة ويثبتون مع الكسب قدرة لا تأثير لها في الكسب بل وجودها وعدمها بالنسبة إليه سواء ولكن قرنت به من غير تأثير فيه .اهـ
وقال في مجموع الفتاوى (8/ 480) وأما قوله: العلماء قد صرحوا بأن العبد يفعلها قسرا. يقال له:
لم يصرح بهذا أحد من علماء السلف وأئمة الإسلام المشهورين ولا أحد من أكابر أتباع الأئمة الأربعة وإنما يصرح بهذا بعض المتأخرين الذين سلكوا مسلك جهم ومن وافقه وليس هو لأهل علماء السنة بل ولا جمهورهم ولا أئمتهم بل هم عند أئمة السلف من أهل البدع المنكرة.اهـ
و قال د. عبد الرحمن المحمود في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 804): يقوم مذهب الجهمية على عدة أصول منحرفة أبرزها: نفي الأسماء والصفات، والجبر، والإرجاء (6) ، وتأثر الأشاعرة بهم جاء في هذه الأمور…. وفي موضع آخر يحدد شيخ الإسلام ـ في التسعينية (ص: 255-256) ـ هذه الأصول، فيقول عن الجويني: ” والأصول التي يقررها هي أصول جهم بن صفوان في الصفات والقدر والإرجاء، وقد ظهر ذلك في اتباعه كالمدعي المغربي في مرشدته وغيره، فإن هؤلاء في القدر يقولون بقول جهم يميلون إلى الجبر، وفي الإرجاء بقول جهم أيضاً، لأن الإيمان هو المعرفة…”.
وقال في موقف ابن تيمية من الأشاعرة (2/ 806): أما في المسألة القدر: فيقول شيخ الإسلام ـ في مجموع الفتاوي (8/339-340) ـ عن الصوفية وموافقتهم للجهمية في القدر والميل إلى الجبر – ” وهو قول الأشعري وأتباعه، وكثير من الفقهاء أتباع الأئمة الأربعة، ومن أهل الحديث والصوفية، فإن هؤلاء أقروا بالقدر موافقة للسلف وجمهور الأئمة، وهم مصيبون في ذلك، وخالفوا القدرية من المعتزلة وغيرهم في نفي القدر، ولكن سلكوا في ذلك مسلك الجهم بن صفوان وأتباعه “.
وانظر الصورة :9
[3] وهذه طائفة من أقوال التيمية والوهابية في ذلك:
قال فيصل بن قزار الجاسم في الأشاعرة في ميزان أهل السنة (ص: 22): ومن هنا فإن الأشاعرة لا يمكن أن يكونوا من أهل السنة في باب الصفات، كما أنهم في الإيمان مرجئة، وفي أفعال العباد قاربوا مذهب الجبرية، ومع ذلك فهم أقرب الفرق إلى أهل السنة فهم أقرب من المعتزلة والجهمية ومن الرافضة والزيدية وغيرهم.اهـ
وقال د.عبد الله الموجان في الرد الشامل (22/ 3): فأفعال العباد كلها مخلوقة لله تعالى، وهي كسبٌ للعباد وعلى ذلك يترتب الثواب والعقاب، ولا تأثير لقدرة العبد في الفعل، وهذا قول جمهور الأشاعرة وهو القول الذي شنع بسببه المعتزلة على الأشاعرة لأنهم لما لم يثبتوا للعبد قدرة مؤثرة لم يكونوا بعيدين عن قول الجبرية ((الجهمية)).اهـ
وقال د.سفر الحوالي في منهج الأشاعرة في العقيدة (ص: 43): أَرَادَ الأشاعرة هُنَا أَن يوفقوا بَين الجبرية والقدرية فَجَاءُوا بنظرية الْكسْب وَهِي فِي مآلها جبرية خَالِصَة؛ لِأَنَّهَا تَنْفِي أَي قدرَة للْعَبد أَو تَأْثِير.اهـ
وقال د. عبد الله بن صالح بن عبد العزيز الغصن في دعاوى المناوئين لشيخ الإسلام ابن تيمية – عرض ونقد (ص: 49): الجبرية: من الجبر وهو نفي الفعل عن العبد مطلقاً، وإسناده إلى الله عزّ وجل، فلا اختيار للإنسان في أفعاله، وهم صنفان: صنف نفوا عن العبد الفعل والقدرة عليه كالجهمية، وصنف أثبتوا للعبد قدرة غير مؤثرة أصلاً كالأشاعرة.اهـ
وقالت كاملة الكواري في قدم العالم وتسلسل الحوادث (ص: 221): وأما الجبرية – كجهم وأصحابه – فعندهم أنه ليس للعبد قدرة ألبتة. الأشعري يوافقهم في المعنى فيقول: ليس للعبد قدرة مؤثرة؛ ويثبت شيئاً يسميه قدرة يجعل وجوده كعدمه، وكذلك الكسب الذي يثبته.اهـ
وقال محمد بن عبد الرحمن الخميس في اعتقاد أهل السنة شرح أصحاب الحديث (ص: 60):…وقد خالف في هذا: أولا: الجهمية الجبرية: فقد سلبوا عن العبد قدرته وإرادته، فالعبد عندهم كالريشة المعلقة في الهواء، وتأثر بهم أيضا الأشعرية حيث قالوا إن العبد غير مختار في فعله، وكسب الأشعرية معروف لأنه جبر متطور.اهـ
وقال د. محمد بن خليفة بن علي التميمي في مواقف الطوائف من توحيد الأسماء والصفات (ص: 96):والأشعرية الأغلب عليهم أنهم مرجئة في باب الأسماء والأحكام/ وجبرية في باب القدَر.اهـ
وقال محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد في مصطلحات في كتب العقائد (ص: 153): وهذا قول جمهور الأشاعرة، وهو القول الذي شنع بسببه المعتزلة على الأشاعرة؛ لأنهم لما لم يثبتوا للعبد قدرة مؤثرة لم يكونوا بعيدين من قول الجبرية الجهمية؛ فهم أرادوا أن يوفقوا بين الجبرية والقدرية؛ فجاؤوا بنظرية الكسب، وهي في مآلها جبرية خالصة؛ لأنها _كما مر_ تنفي أي قدرة للعبد أو تأثير.ولهذا اشتهر المذهب الأشعري _ بناءاً على مقالتهم تلك_ بنظرية الكسب التي صارت علماً عليهم.اهـ
وجاء في موسوعة أهل السنة لعبد الرحمن دمشقية (ص: 876):وهذه أقوال لا تختلف عن مذهب الجبرية الذين يجعلون مشيئة العباد وأفعالهم مجازية والفاعل علي الحقيقة هو الله. وقال الحافظ: قال الجهم بن صفوان: إنما ينسب الفعل إلى العبد مجازاً “،ولهذا فإثبات الأشاعرة لأفعال العباد ليس إثباتاً حقيقياً، لأنهم جعلوها مفعولات الله ومعلوم أن المفعولات لا تقوم به، وإنما يتصف الباري بالأمور التي تقوم به. وقال دمشقية أيضا (ص: 882): وصرح الرازي والإيجي بأن ” القول بالجبر هو القول الحق ” فتأمل ما عند المذهب الأشعري من موافقة مذهب الجهمية: فإن أبرز ما كان عند الجهمية من الضلال: تعطيل الصفات والقول بالجبر!.اهـ
[4] انظر الصورة 8، وانظر أيضا موقف ابن تيمية من الأشاعرة (3/ 1309).
[5] انظر مقالات الجهم بن صفوان ج2 ص814
[6] تماما كما قلتُ في مسألة الإيمان، انظر: https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/934681709979185/
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/permalink/937951192985570/