حجة الإسلام: “ولم يدركوا أن أول درجات المعقولات تجاوز النسبة إلى الجهات“
https://www.facebook.com/groups/385445711569457/posts/3106298609484140
التناقض ليس في قولنا “الله لا داخل العالم ولا خارج” لأنه تعالى ـ عندنا ـ ليس بجسم ولا قائما بجسم حتى يوصف بأنه داخل أو خارح، بل التناقض هو في قولك وهو أنه تعالى في علو حسي ـ لا معنوي فقط ـ ومكان عدمي، فكيف حسي وكيف عدمي فهل العدم يُحسّ به أيها العبقري؟!! افهمْ ماذا يخرج من فمك أولا ثم بعد ذلك اتهم غيرك بالتناقض!! ..أفيكون بغنى عن الشيء الموجود ولا يكون بغنى عن الشيء المعدوم الذي أنا كمخلوق بغنى عن هذا المعدوم؟!! قليلا من التدبر يا قوم قبل أن تفجروا قنابلكم النووية بالتكفير والتضليل والشتم لعباد الله من أجل خرافات مضحكة !!
بداية أقول بأن هذا المنشور هو تمهيد لمنشوري القادم ضمن “مناظرة بالأدلة العقلية حول: هل الله ـ سبحانه ـ داخل العالم أو خارجه؟” … وحينما سأنشره لاحقا أرجو من كل من هو مشترك في المنتديات السلفية والوهابية على وسائل التواصل الاجتماعي أيا كانت أن يرسله إليه للرد عليه ونقضه مشكورا، وأنا أتعهد أن أنشر الرد هنا كما هو دون أن أرد عليه وأرسل إليه رابط المنشور ليتأكد بنفسه من أني نشرته، تماما كما نشرت منشور الخصم في المناظرة السابقة دون أن أرد عليه… ولكن أترك التعليق لمن شاء .. ثم قد أرد عليه لاحقا في منشور مستقل بحول الله.
ولكن أذكر الآن شيئا مختصرا في موضوع هذه المناظرة .. وأما التفصيل فيأتي لاحقا في منشور مستقل بإذن الله، فأقول وبالله التوفيق: التناقض ليس في قولي أن الله ليس داخل العالم ولا خارجه، لأن الله سبحانه عندي ليس بجسم ولا عرض فكيف يوصف بداخل أو خارج؟! وقد كان قبل خلق المكان أصلا؟ بل لو قلتُ لك إن الله ليس بجسم ـ والجسم بمعنى أنه ذو أبعاد ثلاثة طول وعرض وعمق، حتى لا تثرثر وتقول لي ماذا تقصد بالجسم ثم تذكر له مئة تعريف من كيسك لتمييع المسألة ـ ولا عرَض، ثم قلتُ لك إنه تعالى داخل العالم، أو قلت: هو خارج العالم لكان هذا تناقضا مني، ولكن أنا أقول سلفا: الله ليس بجسم ولا عرض، فمن البديهي أن أقول أنه لا داخل ولا خارج العالم.
وأنت إنما تظن أنه تناقض وأني أعبد عدما لأنك لا تتصور موجودا إلا جسما أو عرضا قائما به، فمعك حق أن تعتبر هذا تناقضا وأني أعبد عدما لأن هذا ناتج عن اعتقادك أنه لا يتصور وجود شيء ليس بجسم أو قائم بجسم، ولكن لو تصورت ـ ولو للحظة ـ وجودَ شيء ليس بجسم ولا قائم بجسم فيستحيل أو تصفه بأنه داخل أو خارج الأجسام وسيزول عنك الإشكال برمته أصلا، أمَا وأنك لم تصل إلى مرحلة اعتقاد وجود ما ليس بجسم أو عرض فسيبقى عندك الإشكال، وأما نحن فلا إشكال عندنا ولذا قال حجة الإسلام الغزالي رحمه الله كلمة تكتب بماء الذهب، وهو قوله في «مشكاة الأنوار» (ص٨٩):الصنف الثانى المحجوبون ببعض الأنوار مقرونا بظلمة الخيال، وهم الذين جاوزوا الحس، وأثبتوا وراء المحسوسات أمرا، لكن لم يمكنهم مجاوزة الخيال، فعبدوا موجودا قاعدا على العرش. وأخسهم رتبة المجسمة ثم أصناف الكرامية بأجمعهم. ولا يمكننى شرح مقالاتهم ومذاهبهم فلا فائدة في التكثير. لكن أرفعهم درجة من نفى الجسمية وجميع عوارضها إلا الجهة المخصوصة بجهة فوق: لأن الذى لا ينسب إلى الجهات ولا يوصف بأنه خارج العالم ولا داخله لم يكن عندهم موجودا إذا لم يكن متخيلا. ولم يدركوا أن أول درجات المعقولات تجاوز النسبة إلى الجهات.اهـ
فلا تقل لي إذن أنت تعدم عدما وإنما الصحيح أن تقول لي: أنت لا تعبد جسما ..!!! وهذا فخر لي لأنه وكما أقر الألباني في «السلسلة الصحيحة » (٧/ ٤٧٦):”المجسِّم يعبد صنماً، والمعطّل يعبد عدماً، المجسم أعشى، والمعطل أعمى”!.اهـ
فإذن لا تناقض في قولنا بأنه لا داخل العالم ولا خارجه، بل هو غاية في الانسجام مع قولنا أنه تعالى ليس بجسم ولا عرض… وإنما التناقض في قولك أن الله في العلو الحسي العدمي … فكيف هو حسيّ وكيف هو عدمي؟!! وبيانه أنك حينما تقول: الله في العلو ، فنسألك هل هو علو حسي أم معنوي؟ فإن كان معنويا فهذا نحن نثبته لله، فهو تعالى علي الشأن والمنزلة لا شك في ذلك ولا ريب كما بسطناه في منشور سابق، وإن قلت أنه علو حسي، فنسألك ما تقصد به هل تقصد أن الله في مكان حسي ؟!! طبعا ابن تيمية يقول أنه تعالى في مكان عدمي وجهة عدمية *!!!
فنقول: كيف حسي وكيف عدمي في الوقت نفسه؟!! هذا تناقض، إذ الحسي ما يحس بإحدى الحواس الخمسة، والمعدوم لا يحس أصلا، فكيف تقول بأنه علو حسي لا معنوي بل تشير إليه وإلى السماء إشارة حسية؟!!فهل تشير إلى عدم؟!! فمن هو الذي يعبد العدم إذن؟!! وعلامَ تقاتل في غير وغى وتثير الإحن والفتن والمحن؟! وتضلّل الناسَ وتشتمهم وتكفّرهم بحجة أنهم ينكرون العلو الحسي الذي هو أصلا سراب ..!!
اعرفْ ماذا يخرج من رأسك قبل أن تكفّرهم وتنقل إجماعات في تكفيرهم** بحجة أنهم أنكروا معلوما من الدين بالضروة وأنهم يعبدون عدما، وأنت نفسك تسير وراء سراب العلو العدمي أي أنك تكفّر الناسَ لإنكارهم شيئا ليس موجودا إلا في رأسك، بل أنت نفسك تقول أنه عدمي!!
وكذا حينما تقول هو على العرش، فنقول نعم هو تعالى استوى على العرش ولكن ليس على معنى أن العرش مكان له، كما أنه في السماء ولكن ليس بمعنى أن السماء تحيط به، كما أنه معنا أينما كنا كما أخبر، ولكن ليس بمعنى أنه حال في الأمكنة بل الأمكنة كلها في حقه سواء، ليس بعض الأمكنة قريب منه وآخر بعيد بالمسافة والمساحة بل هذا شأن الأجسام، وربنا ليس بجسم سبحانه ليس كمثله شيء.
فإن قلتَ مثرثرا: ماذا تقصدون بالمكان؟ هل تقصدون المكانَ المخلوق الموجود، فهذا ننزه الله عنه والله غني عنه، وأما المكان المعدوم وهو ما وارء العالم وما فوق العرش فالله هناك كما أخبر.
قلنا: وماذا تقصد بالمكان المعدوم؟ هل هو شيء موجود أم معدوم؟ فإن كان معدوما فإذن نحن متفقون على أن العرش ليس مكانا له تعالى لأنك أنت تقول المكان معدوم فوق العرش!! ومن ثم قال الآمدي في «غاية المرام في علم الكلام» (ص١٩٣): قال لو كان البارى في جهة لم تخل الجهة إما أن تكون موجودة أو معدومة فإن كانت معدومة فلا جهة إذ لا فرق بين قولنا إنه في جهة معدومة وبين قولنا إنه لا في جهة إلا في مجرد اللفظ ولا نظر إليه .اهـ فلماذا تثرثر وتضلّل وتكفّر وتعترض علينا حينما نقول أن الله استوى على العرش ولكن لا على معنى أن العرش مكان له؟!!
وإن قلتَ: إن ما فوق العرش مكان عدمي موجود، فهذا تناقض أيضا إذ كيف هو موجود وكيف هو عدمي في الوقت نفسه؟!! فضلا عن أنك نقضت تقسيمك العجيب للمكان من أن المكان مكانان : مكان موجود، ومكان عدمي!!! فصار هذا كأنك تقول يوجد مكانان: يوجد مكان موجود، ويوجد مكان معدوم !!! فكيف: يوجد، وكيف: معدوم؟ فهل العدم يوجد؟!! هذا كأنك تقول هو مكان ولا مكان في الوقت نفسه فهذا معنى قولك أنه: يوجد مكان عدمي!! فقولك “يوجد مكان” هو بمثابة قولك: هو مكان، وقولك بعد ذلك “عدمي” هو بمثابة قولك لا مكان … فإذن أنت المتناقض!!
وهذا مثل لو قلت التفاح تفاحان: تفاح موجود، وتفاح عدمي؟!! فهذا كأنك تقول: التفاح قسمان: تفاح ، ولا تفاح!!! قل: يوجد تفاح أحمر وآخر أصفر، هذا معقول، قل يوجد تفاح شتوي وآخر صيفي، هذا معقول، وأما تفاح موجود وآخر عدمي فهذا لغو وعبث، لذلك هذا التقسيم للمكان إلى مكان عدمي وآخر موجود، هذا عبث لأن المكان كله أمر اعتباري أصلا وليس شيئا موجودا كما سنفصله.
فتأمل كيف تكفّر الناسَ على سخافات يضحك منها السفهاء والنوكى فضلا عن غيرهم!!! والمضحك أكثر أنك تنقل إجماع السلف والخلف والأطفال والعوام وسائر العقلاء بل والحيوانات*** على هذه الترّهات!!! كل هذه الإجماعات المضحكة التي تنقلها في العلو، كلها تسقط بسؤال واحد وهو: هل هو علو حسي؟ إذا كان كذلك فكيف تقول عدمي؟ فهل العدمي يُحسّ به يا علامة؟!! وإن كان العلو معنويا فمسلّم، وبالتالي تذهب كل إجماعاتكم وتشنيعاتكم وتهويلاتكم أدراج الرياح!! وأما شتائمكم وتضليلكم للناس وتكفيركم إياهم فعند الله تجتمع الخصوم، فلا تضيع عنده مثقال ذرة، وويل للمفلس يومئذ. نسأل الله السلامة.
ثم إذا كنتَ تنزه اللهَ عن المكان المخلوق الموجود فمن باب أولى أن تنزه الله عن المكان العدمي غير المخلوق، لأننا نحن كمخلوقين بحاجة إلى مكان موجود مخلوق ـ إن صح التعبير ـ نتحيز فيه، وأما المكان المعدوم فنحن بغنى عنه إذ كيف نتحيز في مكان معدوم غير موجود أصلا، فما بالك بخالقنا سبحانه؟!! أفيكون بغنى عن الشيء الموجود ولا يكون بغنى عن الشيء المعدوم الذي أنا كمخلوق بغنى عن هذا المعدوم؟!!قليلا من التدبر يا قوم قبل أن تفجروا قنابلكم النووية بالتكفير والتضليل والشتم لعباد الله من أجل خرافات مضحكة !!
فإن قلتَ: أنا أثبت أنه فوق العرش كما أخبر تعالى، دون أن أخوض في كلمات مبتدعة كالمكان والحيز والجهة والجسم، كما قال “شيخ الإسلام” في الفتوى الحموية الكبرى (ص: 265): ثم القول الشامل في جميع هذا الباب أن يوصف الله بما وصف به نفسه، أو بما وصفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما وصفه به السابقون الأولون لا يتجاوز القرآن والحديث.اهـ
قلنا: جميل .. هيا طبّق هذا إذن دون زيادة أو نقصان فقل هو على العرش كما أخبر في آيات الاستواء، ولا تقل استوى بذاته أو جلس أو استقر أو صعد أو علا علوا حسيا ولا تقل أنه بائن … فهذا أنت كله أضفته من كيسك، فأين ورعك البارد كان حينها، أم فقط كان ذلك للدعاية وخداع السذج؟!!
وأيضا فإنه كما أخبر أنه تعالى استوى على العرش وأنت تثبت ذلك، فقل أيضا هو في السماء كما أخبر في آية الملك، وهو في السموات وفي الأرض كما أخبر في آية الأنعام، وهو معنا أينما كنا كما أخبر في نفس آية الاستواء في سورة الحديد، فقل ـ إن كنت صادقا ـ : أنا أثبت كلَّ تلك الآيات على ظاهرها وعلى وجه يليق به دون تأويل أو تعطيل أو تكييف أو تمثيل، وأما أن تأخذ ببعضها وهي آيات الاستواء وتقول هي على وجه يليق به تعالى دون تأويل أو أو أو …. ثم تؤول البعض الأخرى كآيات المعية، فهذا تحكّم وهوى، وهو بأولى من العكس، وما هو جوابك هو جوابنا، وهذا بسطناه مفصلا في سلسلة مستقلة.
طبعا الخصم … سيفرّ آخر المطاف إلى الحل السحري لديه: وهو السلف ..!! وهذا أمر بسطناه في سلسلة وأثبتنا أنه لا سلف لهم في ذلك إلا هشام بن الحكم المجسم حتى هشام هذا لم يقل بالمكان العدمي وإنما قال عن ربه أنه في مكان أي مكان موجود طبعا وهو على العرش أو في السماء .. فلا نعيده على أننا نتكلم في قضية التناقض أو عدمه في قولنا “الله لا داخل العالم ولا خارجه”. والله أعلى وأعلم.
انظر السابق: https://www.facebook.com/…/permalink/3091819820932019/
وانظر https://www.facebook.com/…/permalink/3044553585658643/
https://www.facebook.com/…/permalink/778122578968433/
https://www.facebook.com/…/permalink/3023399547774047/
——-
*وفي ذلك يقول ابن تيمية في «الفتاوى الكبرى» (٦/ ٣٥٥)،: أن لفظ الجهة عند من قاله، إما أن يكون معناه وجوديا أو عدميا، فإن كان معناه وجوديا فنفي الجهة عن الله نفي عن أن يكون الله في شيء موجود، وليس شيء موجود سوى الله إلا العالم..وإن كان معناه عدميا كان المعنى أن الله لا يكون حيث لا موجود غيره، وهو ما فوق العالم فإن كون الموجود في العدم ليس معناه أن العدم يحويه أو يحيط به، إذ العدم ليس بشيء أصلا حتى يوصف بأنه يحيط أو يحاط به، بل المعنى بذلك.اهـ
وقال ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (3/ 221): وحقيقة الأمر في المعنى أن ينظر إلى المقصود فمن اعتقد أن المكان لا يكون إلا ما يفتقر إليه المتمكن سواء كان محيطا به أو كان تحته فمعلوم أن الله سبحانه ليس في مكان بهذا الاعتبار ومن اعتقد أن العرش هو المكان وأن الله فوقه مع غناه عنه فلا ريب أنه في مكان بهذا الاعتبار.اهـ
وقال أيضا مجموع الفتاوى (6/ 39): ولا ريب أن لفظ الجهة يريدون به تارة معنى موجودا وتارة معنى معدوما .. فإذا قال القائل : لو كان في جهة لكانت قديمة معه . قيل له : هذا إذا أريد بالجهة أمر موجود سواه فالله ليس في جهة بهذا الاعتبار.اهـ
وقال في منهاج السنة النبوية (2/ 144): فإن قيل: هو في مكان بمعنى إحاطة غيره به وافتقاره إلى غيره. فالله منزه عن الحاجة إلى الغير وإحاطة الغير به ونحو ذلك. وإن أريد بالمكان ما فوق العالم وما هو الرب فوقه.. وإذا قال [القائل]: هو سبحانه فوق سماواته على عرشه بائن من خلقه ; فهذا المعنى حق سواء: سميت ذلك مكانا أو لم تسمه.اهـ
** وفي ذلك يقول ابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل (7/ 26): القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك، كالعلم بالأكل والشرب في الجنة، والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب.. ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك، لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين.اهـ
***انظر: